ألتف غالبية سكان مصر حول الديانة الجديدة وبخاصة أنهم وجدوا تقارباً كبيراً بين دين يقوم على الأخلاق وعلى فكرة واضحة عن الحياة بعد الموت وبين أفكارهم الدينية القديمة. ومن ناحية أخرى فإن المسيحية قدمت فكرة جديدة تماماً ومناقضة للتقليد المصرى العتيق بشأن علاقة الحاكم بالمحكوم، فكرة تقوم على الفصل بين الحاكم والآلوهية. فيم يعد الحاكم هو الإله الذي اعتاد على عبادته فراعنته. ولقد وعى الإنسان المصرى هذه الفكرة بعمق وكانت نقطة البداية في تكوين فكرة الإنسانى على مر العصور. ويكفى للتعرف على مدى عمق التغيير الذي حدث في الوجدان المصرى، أن لحظة الإستشهاد كانت تأتى حين يُخير المؤمن بين عبادة الحاكم أو الموت(14). وقد عدت الإمبراطورية الرومانية الوثنية هذه الديانة حركة ثورية مناهضة لدولة الرومان. ومن ثم اضطهدتها وحاربتها حرب إبادة دون هوادة، إبتداء من نيرون(54 – 68م) حتى ديوكلتيان أو دقلديانوس (245 – 313م).
ولاسيما هذا الأخير الذي رسم مخططاً هائلاً لم يكن يهدف إلى قتل المسيحيين وحسب، بل محو المسيحية نهائيا بإتباع أربع وسائل: أولها – قتل رجال الدين، وثانيها – إحراق الكتب المقدسة، وثالثها – هدم الكنائس ورابعها- حرمان المسيحيين من الوظائف العامة. وعندما تحدى المسيحيون هذه السلطة المطلقة، بدأت صنوف التعذيب تمارس ضدهم وقد جاء بنفسه إلى مصر ليتشفى بقتل المسيحيين بيده، حتى أطلقت الكنيسة القبطية على هذه الفترة (عصر الاستشهاد) أو (عصر الإضطهاد). واتخذت من يوم 29 أغسطس 284 – يوم تولية العرش – بداية للتقويم المصرى الذي أصبح منسوباً للشهداء، إذ اعتبر عام 284 ميلادية رأس سنة الشهداء.
- وبعد أن كان النيروز في أصله عيد وفاء النيل وطنياً، صار بعد هذا الحدث التاريخى الهام، عيد وفاء للشهداء كنسياً – واحتفظ القبط في التقويم المصرى بأسماء الشهور المصرية القديمة، ونظموه على نفس الأساس الفلكى الذي عاش عليه الفلاح المصرى لحساب مواسم الزراعة، ونظمت طبقاً له مواقيت العمليات الزراعية في الحقل، وهو نفس التقويم الذي يستخدمه المصريون في الزراعة إلى اليوم، ثم هو ذاته الذي تستخدمه الكنيسة القبطية تقويماً لمصر حكومة وشعباً منذ عام (4241 ق.م) حتى نهاية عام (1875م). وكان لشهر الصغير أو "أيام النسئ" يعتبر شهراً كاملاً تصرف فيه الحكومة المصرية للموظفين مرتباتهم. واستمر العمل بالتقويم القبطي حتى عهد الخديوى إسماعيل الذي أصدر أمراً باستبدال التقويم القبطي بالتقويم الأفرنجى (الميلادى) بسبب ضغوط صندوق الدين. وتم ذلك إبتداء من أول يناير سنة 1876 م. الموافق 24 من كيهك سنة 1592 للشهداء(15).
_____
(14) الحوار بين الأديان – مرجع سابق صـ 98-99.
(15) الأقباط في الحياة السياسية المصرية – مرجع سابق صـ 14.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-botros-elbaramosy/ebooks/patriotic-copts/coptic-calendar.html
تقصير الرابط:
tak.la/3k4j34s