لقد حزرنا الرب من الاتكال على الإيمان وحده بغير أعمال؛ بقوله: "فلما دخل الملك ليفحص المتكئين لاحظ هناك إنسانًا لم يكن لابسًا لباس العرس.... وأمر أن يطرحوه في الظلمة الخارجية " ( مت 22: 11، 12 )؛ فهم قد دخلوا تحت اسم المسيحيين؛ لكنهم طرحوا خارجًا؛ إذ لم تكن لهم أعمال.
والرسول إذ كان يعلم أنه لا يمكن حب أمور الله وتلك التي للعالم معًا؛ كتب لابنه تيموثاوس يقول: "ليس أحد وهو يتجند يرتبك بأعمال الحياة المدنية؛ إن كان يريد أن يرضي من جنده ".
وأيضًا: "إن كان أحد يجاهد لا يأخذ الإكليل إن لم يجاهد قانونيًا ". ولكي يثبته في الرجاء أن هذه الأتعاب لن تذهب سدى قال: "يجب أن الحراث الذي يتعب يشترك هو أولًا في الأثمار " ( 2تي 2: 4، 5 ).
وإذ يكتب لآخرين يقول: "غير المتزوج يهتم في ما للرب؛ أما المتزوج فيهتم في ما للعالم " ( 1كو 7: 32 )؛ فأي عقاب يستحقه إذًا من لم يكن متزوجًا ويهتم بأمور العالم؛ لأن من له مثل هذا الاهتمام سوف يسمع ذلك الصوت المخيف القائل: "اطرحوه في الظلمة الخارجية؛ هناك يكون البكاء وصرير الأسنان " ( مت 22: 13 ).
فلنعمل قدر استطاعتنا يا إخوة لكي نلبس ثوب الفضائل لكي لا نُطرح خارجًا؛ لأنه ليس عند الله محاباة في ذلك اليوم؛ ولهذا يقول الرسول لأولاده: "الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله ".
ولعلمه أن ليست شكاية على الذين استحقوا أن يقوموا متحررين من الأوجاع المائتة؛ يُظهر لهم ثمار الروح التي هي: "محبة؛ فرح؛ سلام؛ طول أناة؛ لطف؛ صلاح؛ إيمان؛ وداعة؛ تعفف؛ صبر؛ ضد أمثال هذه ليس ناموس " ( يو 15: 5، 6 ).
وربنا المحبوب يسوع إذ يبين لنا أن الأعمال ينبغي أن تستعلن في ذلك اليوم؛ يقول: "كثيرون سيطلبون أن يدخلوا ولا يقدرون؛ من بعد ما يكون رب البيت قد قام وأغلق الباب؛ ويقول للذين يقرعون: "لا أعرفكم " ( يو 15: 2 ).
ولا يمكننا أن نقول بأن الله يجهل شيئًا ما؛ حاشا لله؛ بل لأنه لا يعرف الفضائل المجيدة لدى أولئك الذين يقرعون قائلين: "ربنا ربنا أفتح لنا؛ فيقول: "لا أعرفكم ".
كما أن الرب يُظهر لنا أيضًا حال أولئك الذين لهم إيمان دون أن يكون لهم أعمال قائلًا: "أنا هو الكرمة وأنتم الأغصان؛ الذي يثبت فيَّ أنا أيضًا أثبت فيه؛ من لا يثبت فيَّ يُطرح خارجًا كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيُحرق " ( يو 17: 9 )؛ كما أنه ينقي الذي يأتي بثمر جيد؛ ليأتي بثمر أفضل ".
ولكي يوضح لنا أيضًا أنه لا يحب أولئك الذين يكملون مشيئتهم الجسدية يصلي قائلًا: "لستُ أسأل من أجل العالم بل من أجل الذين أعطيتني لأنَهم لك؛ وقد أخرجتهم من العالم ".
ولأن " العالم يحب خاصته " قال أخيرًا: "أيها الآب أحفظهم من الشرير لأنَهم ليسوا من العالم " ( 1يو 3: 12 ).
فلنفحص نفوسنا إذًا يا إخوتي: هل نحن من العالم أم لا؟ فإذا لم نكن من العالم؛ فهو يحفظنا من الشرير؛ لأنه قال: "لستُ أسأل من أجل هؤلاء فقط؛ بل أيضًا من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم؛ ليكون الجميع واحدًا؛ كما أننا نحن واحد " ( 1يو 3: 22 )؛ وأيضًا: "حيث أكون أنا ليكونوا هم أيضًا معي " ( 1يو 3: 13، 14 ).
فانظر الآن بأي حب قد أحبنا؛ نحن الذين جاهدنا ضد هذا العالم وأبغضنا مشيئات قلبنا الجسدية؛ لأننا سوف نحيا معه إلى الدهر والرسول يوحنا إذ تأمل هذا المجد العظيم قال: "نعلم أنه إذا ظهر سنكون مثله "؛ " إن كنا نحفظ وصاياه ونعمل الأعمال المرضية أمامه ".
كما يقول الرسول: "لا تتعجبوا يا إخوتي إن كان العالم يبغضكم نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الإخوة"؛ ويقول أيضًا: "كل من لا يفعل البر فليس من الله؛ وكذا من لا يحب أخاه "؛ وأيضًا: "كل من يصنع البر فهو من الله؛ ومن يفعل الخطية فهو من إبليس"؛ وكذلك: "المولود من الله لا يخطئ؛ لأن زرعه يثبت فيه؛ ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله.
فلنعمل إذًا يا إخوتي قدر استطاعتنا بمؤازرة هذه الشهادات لعل صلاحه يشفق علينا ويمنحنا القوة لنطرح عنا ثقل هذا العالم الدنس.
أما عدونا فلن يسكت؛ إذ هو يتعقبنا كل حين؛ ملتمسًا أن يأسر نفوسنا؛ لكن ربنا يسوع هو معنا وهو الذي يصده بأقواله المقدسة؛ إن كنا نحفظها؛ لأنه كيف يُحجز العدو؛ أو ما الذي يقوى عليه غيرُ تلك الكلمات عينها التي قالها الله ضده؟ فهي التي تقف مقابله ونصرعه بقوتِها؛ دون علم الإنسان.
ويعلمنا الرسول بطرس ويبين لنا؛ أن الأعمال تخلص الإنسان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. من خلال هذه الأقوال: "قدموا في إيمانكم فضيلة؛ وفي الفضيلة معرفة؛ وفي المعرفة تعففًا؛ وفي التعفف صبرًا؛ وفي الصبر تقوى؛ وفي التقوى مودة أخوية؛ وفي المودة الأخوية محبة؛ لأن هذه إن كانت فيكم وكثرت تصيركم لا متكاسلين ولا غير مثمرين لمعرفة ربنا يسوع المسيح؛ لأن الذي ليس عنده هذه هو أعمى قصير البصر؛ قد نسى تطهير خطاياه السالفة ".
كما يقول يوحنا المعمدان: "اصنعوا أثمارًا تليق بالتوبة؛ والآن قد وُضِعت الفأس على أصل الشجر؛ فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تقطع وتلقى في النار.
كذلك فإن معلمنا يسوع يقول: "من الثمر تعرف الشجرة"؛ هل يجتنون من الشوك عنبًا؛ أو من الحسك تينًا؟"؛ وأيضًا: "ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات؛ بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات".
وفي موضع آخر يقول يعقوب الرسول: "الإيمان بدون أعمال ميت... والشياطين أيضًا يؤمنون ويقشعرون... لأنه كما أن الجسد بدون روح ميت؛ هكذا الإيمان أيضًا بدون أعمال ميت".
والرسول إذ يؤكد مرة أخرى لأولاده أن الإيمان يلزمه الأعمال يوصيهم بشدة أنَّ: "الزنا وكل نجاسة فلا ينبغي أن يسمى بينكم كما يليق بقديسين.... بل بالحري الشكر. فإنكم تعلمون هذا أن كل زان أو نجس أو طماع الذي هو عابد للأوثان؛ ليس له ميراث في ملكوت المسيح والله".
ثم يعود ويؤكد قائلًا: "لا يغركم أحدٌ بكلام باطل؛ لأنه بسبب هذه الأمور يأتي غضب الله على أبناء المعصية؛ فلا تكونوا شركائهم. لأنكم كنتم قبلًا ظلمة؛ وأما الآن فنور في الرب؛ اسلكوا كأولاد نور لأن ثمر الروح هو في كل صلاح وبر وحق ".
وأيضًا: "ليرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح مع كل خبث". لأنه يقول: "كونوا متمثلين بي كما أنا أيضًا بالمسيح". "لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح ".
فلنفحص ذواتنا يا إخوة؛ هل لبسنا المسيح أم لا؟ المسيح يُعرف في القداسة؛ لأنه قدوس ويستريح في القديسين؛ فكيف يصير الإنسان طاهرًا سوى بأن لا يعود إلى اقتراف الشر الذي كان يعمله؟
لأن هذا هو صلاح الله؛ أنه في اللحظة التي يتحول فيها الإنسان عن خطاياه؛ يقبله الله بفرح دون أن يحسب عليه خطاياه القديمة؛ كما كُتب في الإنجيل من أجل الابن الأصغر الذي بذر ميراثه في عيشة مسرفة؛ وانتهى به الحال إلى رعاية الخنازير؛ حيث كان يشتهي أن يشبع من طعامها؛ ثم لما تاب أدرك مما فعله أن الإنسان لا يشبع من خطاياه؛ بل أنه كلما تمادى في فعلها؛ كلما ألتهب بداخله بالأكثر.
فلما قرعت التوبة داخله لم يترك يومًا يطوي آخر؛ لكنه عاد إلى أبيه باتضاع؛ تاركًا عنه كل مشيئاته الجسدية.
إذ آمن أن أباه رحيم ولن يحسب عليه ما فعله؛ لهذا أمر أبوه حالًا أن حلة الطهارة وعربون البنوة؛ وقد قال لنا معلمنا يسوع المسيح ذلك لكي إذا رجعنا إليه نترك أولًا طعام الخنازير؛ وعندئذ يقبلنا لأننا نصير أطهارًا.
ولكي يحثنا الرب على الرجوع إليه؛ يشجعنا قائلًا: "كان في مدينة قاض لا يخاف الله ولا يهاب إنسانًا؛ وكان في تلك المدينة أرملة؛ وكانت تأتي إليه قائلة أنصفني من خصمي؛ وكان لا يشاء إلى زمان..."؛ ولكن لما حان الوقت؛ لم يتأخر بل صنع لها حالًا ما أرادت ".
قال الرب ذلك لكي لا تصاب النفس بالضجر أو تقول متى سيسمعني الله؟ لأنه يعرف متى يصير طالبوه مستحقين أن ينصفهم وحينئذ يستجيب سريعًا.
فلنثبت إذًا بكل قلوبنا ولا نمل في صلواتنا وهو يستجيب لنا سريعًا؛ لأنه هو نفسه قال: "اسألوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يُفتح لكم ".
فلنطرح عنا إذًا يا إخوة الكسل؛ ولنعود أنفسنا على مثل هذه الجسارة؛ حتى إذ يرى مثابرتنا يعطينا ما نطلبه؛ لأنه رؤوف ويشتهي توبة الإنسان كالمكتوب:"الحق أقول لكم أنه يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-botros-elbaramosy/ebooks/isaiah-hermit/faith-acts.html
تقصير الرابط:
tak.la/5d63g2f