فإن كنت يا أخي تقول إنك قد تركت العالم؛ وتُوجد مرتبكًا بأعمال العالم؛ فأنت إذًا لم تتركه بعد؛ بل تخدع نفسك.
لقد أعطى الرب هذه العلامة لأولئك الذين تركوا العالم: "من أحب نفسه يهلكها؛ ومن أهلكها من أجلي يخلصها " ( مت 10: 39 )؛ فكيف يهلك نفسه إلا بقطع جميع مشيئاته الجسدية؟
وأيضًا: "من لا يحمل صليبه ويتبعني؛ لا يقدر أن يكون لي تلميذًا "؛ فأي صليب يريدنا أن نحمله؛ سوى أنه ينبغي أن تسهر النفس بلا انقطاع؛ وتتمسك جيدًا بالفضائل حتى لا تنزل من على الصليب (أي بعدم الخضوع للأوجاع) إلى أن يقطعها الروح منها وتقوم في النهاية منتصرة؟
كما يعطي الرب علامة للذين تيقظوا قائلًا: "الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت؛ فهي تبقى وحدها؛ ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير" (يو 12: 24).
ويعزي الذين يموتون كحبة الحنطة قائلًا: "إن كان أحد يخدمني؛ يكرمه الآب؛ وحيث أكون أنا؛ هناك أيضًا يكون خادمي ".
فكيف يخدمون يسوع سوى ببغضهم لعالم الأوجاع؛ وتكميلهم وصايا الرب؟ وإذ يحفظون وصاياه يستطيعون أن يجسروا على القول: "ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك؛ فماذا يكون لنا؟
فيُظهر الرب لهم ما هو عتيد أن يكون لهم قائلًا: "أنتم الذين تبعتموني في التجديد؛ متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده؛ تجلسون أنتم أيضًا على أثني عشر كرسيًا؛ وتدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر؛ وكل من ترك إخوة أو أخوات؛ أو أبًا أو أمًا؛ أو امرأة؛ أو حقولًا أو بيوتًا من أجل اسمي؛ يأخذ أضعافًا كثيرة ويرث الحياة الأبدية ".
إن معلمنا المحبوب يسوع لعلمه أن الإنسان ما لم ينعتق من كل اهتمام لا يستطيع أن يُصعد عقله على الصليب؛ أمر أن يترك عنه كل ما من شأنه أن يجتذبه أو يسمح بنزول عقله من على الصليب.
وهذا يشرح علة كلامه لذلك الذي أتى إليه قائلًا: "أتبعك يا سيد؛ ولكن ائذن لي أولًا أن أرتب أمور بيتي " ( لو 9: 61 )؛ فيسوعنا المحبوب لما كان يعلم أنه إذا عاد ليراهما فإن قلبه سيميل إليهما من جديد؛ وأنَها ستشغل اهتمامه تحت أسباب تبدو أنَها جيدة؛ لذلك منعه من الذهاب قائلًا: "ما من أحد يضع يده على المحراث ويلتفت إلى الوراء يصلح لملكوت السماوات " ( لو 9: 62 ).
وحين صنع عشاءً عظيمًا لابنه؛ أرسل عبيده داعيًا المدعوين؛ لكنهم لم يستطيعوا الدخول بسبب المحبة التي كان يكنها كل منهم لهذا العالم.
فقال بحزن: "إن كان أحد يأتي إليَّ ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته؛ حتى نفسه أيضًا؛ فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا".
وقال هذا لكي ندرك أن من أراد أن يدخل ملكوته؛ ما لم يقرر في نفسه أولًا أن يبغض كل ما يشد قلبه إلى العالم؛ فلن يستطيع أن يدخل الملكوت الذي يبتغيه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-botros-elbaramosy/ebooks/isaiah-hermit/body.html
تقصير الرابط:
tak.la/m553spj