السؤال السادس
أحب قيافا أمته، ولهذا دفعه حبه لتسليم الرب يسوع للرومان حفاظًا على وطنه وأهله. فلماذا يعتبره الكثيرون مجرمًا في حق الرب يسوع، ولا يعتبرونه قد تصرف بحكمة، ليٌجنِّب بلاده أي خطر؟ ولماذا يُعتبر مجرمًا مع أن السماء قد أعلنت له أن موت الرب يسوع سيكون خيرًا للأمة كلها؟ وهل يستحق الدينونة على حبه لأٌمَّتِه؟
الإجابة:
شهادة يوحنا البشير: "فَقَالَ لَهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَيَافَا، كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ: "أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا، وَلاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا!". وَلَمْ يَقُلْ هذَا مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ إِذْ كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، تَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الأُمَّةِ، وَلَيْسَ عَنِ الأُمَّةِ فَقَطْ، بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللهِ الْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ." (يو11: 49- 52)
لقد أوضح البشيرون في الأناجيل ضلال قيافا، ودوره الشرير في جريمة قتل الرب يسوع، وفيما يلي نٌبَيِّنُ ضلال مشورته الشريرة، ثم فساد حكمته الأرضية الشيطانية، وأخيرًا أسباب الحكم بتحمله المسؤولية بالتدبير في صلب الرب:
قد يتخيل البعض أن قيافا أشار بمشورة جيدة، تتفق مع مشيئة الله أي: أنه كان مهتمًا بفداء الرب يسوع وخلاصه للبشر. إن قول قيافا: "أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا، وَلاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا!".. (يو11: 49- 50) لا يعني أبدًا أنه كان مهتمًا بأمر خلاص الناس. لقد كان مهتمًا فقط بالتخلص من الرب، وقد برر شَرهُ بتبني الادعاء القائل إن الرومان سيأتون (بسبب شعبية الرب)، ويأخذون أمتنا (أمة اليهود)، وهذا ما سنتناوله بالشرح لاحقًا.
إن ذلك الافتراض لم يكن يُعبَر عن الحقيقة، لأن الرب لم يُحَرّض على الثورة على قيصر، بل بالعكس، علم الرب بإعطاء ما لله لله، وما لقيصر لقيصر. إن السبب الحقيقي وراء تلك المشورة الرديئة هو غيرة وحقد وعجرفة قيافا، الذي لم يحتمل أن يرى الناس تُقبل بحب على من هو أفضل منه. لقد كان هذا معلومًا للكثيرين وللوالي الروماني نفسه (بيلاطس)، الذي قيل عنه: "لأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا." (مر15: 10).
لقد كانت مشورة قيافا خالية من الحكمة، لأنها اعتمدت على المكر وفعل الشر والإيذاء. إن أنسب وصف لمؤامرته الرديئة هو أنها شيطانية نفسانية أرضية مميتة. لقد تصرف قيافا بحماقة وجهل منقطع النظير، وجلب على نفسه وعلى أُمَّته هلاكًا، وأوجاعًا لا نظير لها. فيما يلي بعض مظاهر حماقته:
إن الإنسان الشرير قد يُسرُّ إذا علم أن خصمه مريض، وقد أعلن الأطباء قرب موته، وينتظر في ترقب حتى تتحقق أمنيته. أما قيافا فقد زاد في شره أكثر من ذلك بكثير. لم ينتظر تحقيق النبوءة بموت الرب. فهل لم يكن عنده الإيمان الكافي ليصدق النبوة التي أُعلنت له؟! أم لم يكن يطق صبرًا حتى يتم موت الرب كما أُعلن له؟! لقد سارع بالتخطيط والتآمر على قتله بعدما ملأ الحقد والشر قلبه فامتلأ حماقة، وصَدَقَ فيه القول: "لأَنَّ الْغَيْظَ يَقْتُلُ الْغَبِيَّ، وَالْغَيْرَةَ تُمِيتُ الأَحْمَقَ." (أي5: 2).
لقد فرح بالنبوة، التي كُشفت له، وتباهى بمعرفته إياها أمام أتباعه في الاجتماع الذي عقده للتحريض على قتل الرب، ولكنه لم يفهم معنى النبوة. كان الأجدر به كرئيس كهنة أن يدرك ما يتممه من طقس يوم الكفارة العظيم وطقس ذبح خروف الفصح، وأيضًا الخلاص من الهلاك عند رش دم خروف الفصح على العتبة العليا والقائمتين. لقد اعتمد على فهمه وحكمته البشرية الأرضية النفسانية الشيطانية، بعدما فقد عمل النعمة في حياته. استغل سلطته الدينية في التدبير بمكر لحل مشكلته الشخصية، وهي الغيرة من الرب يسوع، فحرَّض على القتل، ولم يعتد بالوصية المملوءة من حكمة الله، مخالفًا قول الكتاب: "تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ. فِي كُلِّ طُرُقِكَ اعْرِفْهُ، وَهُوَ يُقَوِّمُ سُبُلَكَ. لاَ تَكُنْ حَكِيمًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِكَ. اتَّقِ الرَّبَّ وَابْعُدْ عَنِ الشَّرِّ" (أم 3: 5-7).
لم يضع قيافا مخافة الرب، التي هي رأس الحكمة أمام عينيه؛ فلم يفلح. لقد استهان بوصية الله ليشوع النبي، القائلة: "إِنَّمَا كُنْ مُتَشَدِّدًا، وَتَشَجَّعْ جِدًّا لِكَيْ تَتَحَفَّظَ لِلْعَمَلِ حَسَبَ كُلِّ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَمَرَكَ بِهَا مُوسَى عَبْدِي. لاَ تَمِلْ عَنْهَا يَمِينًا وَلاَ شِمَالًا لِكَيْ تُفْلِحَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ." (يش1: 7).
يخطئ البعض عن جهل والبعض عن عدم إدراك (المعاقون ذهنيًا) والبعض دون قصد والبعض بترتيب مسبق وتصميم، لذلك لابد للقاضي العادل أن يجتهد لاستنتاج، وفحص الأمور الهامة الآتية وهي:
أولًا: معرفة سلامة وصحة ضمير، ونية المتهم.
ثانيًا: ما يملك على قلبه من أهواء أو شهوات.
ثالثًا: إيمانه، وما يعتقد به.
رابعا وأخيرًا: ما اقترفه من أفعال مُنَاقِضة للشرائع.
لقد حذر معلمنا بولس الرسول تلميذه تيموثاوس من خطر الانحراف عن هذه الأمور الثلاثة الأولى، والتي ينتج عنها البند الأخير (الشرور المخالفة لشريعة الله ووصاياه) قائلًا: "وَأَمَّا غَايَةُ الْوَصِيَّةِ فَهِيَ الْمَحَبَّةُ مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ، وَضَمِيرٍ صَالِحٍ، وَإِيمَانٍ بِلاَ رِيَاءٍ. الأُمُورُ الَّتِي إِذْ زَاغَ قَوْمٌ عَنْهَا، انْحَرَفُوا إِلَى كَلاَمٍ بَاطِل." (1تي1: 5- 6).
فيما يلي نبحث استحقاق قيافا للدينونة من منطلق هذه الأمور الأربعة كل نقطة على حدة:
تجرأ قيافا الشرير، وقرر قتل الرب يسوع، وهو مستريح البال، وبرر ذلك بالخوف على الأمة اليهودية من الرومان. لقد سارع قبل الفصح بالدعوة إلى اجتماع قادة اليهود في بِيَته، بنيّة أخذ قرار بقتل الرب يسوع، مع أنه لم يحدد تهمة أو ذنب قد فعله الرب، كقول الكتاب: "حِينَئِذٍ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ وَشُيُوخُ الشَّعْب إِلَى دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ الَّذِي يُدْعَى قَيَافَا، وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يُمْسِكُوا يَسُوعَ بِمَكْرٍ وَيَقْتُلُوهُ. وَلكِنَّهُمْ قَالُوا:"لَيْسَ فِي الْعِيدِ لِئَلاَّ يَكُونَ شَغَبٌ فِي الشَّعْبِ". (مت26: 3- 5). إن جرأة قيافا في الإقدام على مثل هذا الشر بتهور وبدون تردد تدل على ضميره المعوج الشرير.
إن القلب هو مركز أو مصدر الشر والصلاح، كقول الرب: "اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنَ الْكَنْزِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْب يُخْرِجُ الصَّالِحَاتِ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنَ الْكَنْزِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشُّرُورَ." (مت12: 35). فكل شر الإنسان يصدر من قلبه الشرير، الذي امتلأ فساد بسبب بُعده عن الله مصدر الصلاح. فيما يلي بعض من شرور قيافا، والتي تُظهر الفساد والشر الكامن في قلبه:
1. فهمه للنبوة التي أُعلنت له:
لقد فهم النبوءة طبقًا لهواه الشرير. كان هواه هو التخلص من الرب يسوع بسبب غيرته وحسده، فهل يُعقل أن الله أراده أن يقتل الرب يسوع؟!!! لقد استجاب قيافا لهوى نفسه الشرير، وأشار على اليهود بقتل الرب، كقول القديس يوحنا الرسول: "وَمَضَوْا بِهِ إِلَى حَنَّانَ أَوَّلًا، لأَنَّهُ كَانَ حَمَا قَيَافَا الَّذِي كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. وَكَانَ قَيَافَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى الْيَهُودِ أَنَّهُ خَيْرٌ أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ." (يو18: 13- 14). أما يوحنا المعمدان، الذي شهد عن عظمة الرب يسوع؛ فقد أُعلنت له النبوة بموت الرب عن الأمة مبكرًا ففرح، وسعى كارزًا ببشرى الخلاص بالفادي غافر الخطايا، قائلًا: "... هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ! " (يو1: 29). لقد أعطاه الكرامة والمجد اللَّذين يليقان به، قائلًا له: ".. أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ!" (مت3: 14). فشتان الفرق بين فهم قيافا ورد فعله، وبين فهم يوحنا المعمدان ورد فعله.
2. الكراهية المالكة لقلبه أعمت عينيه:
استنارت بصيرة القديس يوحنا المعمدان بالروح القدس فعرف أن الرب يسوع هو المسيح الفادي المستحق كل كرامة؛ فشهد بكرامته، وحث تلاميذه وتابعيه على تبعيته قائلًا: "وَلَمَّا صَارَ يُوحَنَّا يُكَمِّلُ سَعْيَهُ جَعَلَ يَقُولُ: مَنْ تَظُنُّونَ أَنِّي أَنَا؟ لَسْتُ أَنَا إِيَّاهُ، لكِنْ هُوَذَا يَأْتِي بَعْدِي الَّذِي لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أَنْ أَحُلَّ حِذَاءَ قَدَمَيْهِ." (أع13: 25). أما قيافا فلم يعنيه من النبوءة، التي أُعلنت له غير شيء واحد فقط، وهو التخلص من الرب. أعمته رغبته الشريرة؛ فلم يشغل نفسه بالتأمل في معنى النبوة: أي موت إنسان عن الأمة كلها. كان أولى به أن يعرف معنى النبوة، لأنه رئيس الكهنة الذي يقدم كفارة عن الشعب مرة كل سنة، كما علمته الشريعة بالقول: "وَيَرْحَضُ جَسَدَهُ بِمَاءٍ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ، ثُمَّ يَلْبَسُ ثِيَابَهُ وَيَخْرُجُ وَيَعْمَلُ مُحْرَقَتَهُ وَمُحْرَقَةَ الشَّعْبِ، وَيُكَفِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنِ الشَّعْبِ." (لا16: 24).
3. قلبه الخالي من مخافة الله:
رفض البحارة، الذين تأكدوا من عصيان يونان النبي الهارب من الله إلى ترشيش، أن يلقوا يونان في البحر، وجدفوا ليرجعوه إلى البر دون جدوى -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- ولما اضطروا لإلقائه في البحر طلبوا من الله بصلوات حارة في خوف أن لا يحسب عليهم دمًا بريئَا، قائلين: "فَصَرَخُوا إِلَى الرَّبِّ وَقَالُوا: "آهِ يَا رَبُّ، لاَ نَهْلِكْ مِنْ أَجْلِ نَفْسِ هذَا الرَّجُلِ، وَلاَ تَجْعَلْ عَلَيْنَا دَمًا بَرِيئًا، لأَنَّكَ يَا رَبُّ فَعَلْتَ كَمَا شِئْتَ". (يون1: 14). أما قيافا فقد قرر قتله بجرأة، وبلا خوف.
لم يكن قيافا منتظرًا خلاص الرب، وفداءه بحسب المفهوم الكتابي ونبوات الأنبياء. لقد كان كيهود اليوم منتظرًا مسيحًا ذا قوة بشرية، وعظمة أرضية زائفة، ولهذا لم يقبل قيافا المسيح الرب المتضع، الذي سيخلص البشر بموته، ولا آمن أو ترجى النبوءة القائلة: "اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ. وَأَقْطَعُ الْمَرْكَبَةَ مِنْ أَفْرَايِمَ وَالْفَرَسَ مِنْ أُورُشَلِيمَ وَتُقْطَعُ قَوْسُ الْحَرْبِ. وَيَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِلأُمَمِ، وَسُلْطَانُهُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ. وَأَنْتِ أَيْضًا فَإِنِّي بِدَمِ عَهْدِكِ قَدْ أَطْلَقْتُ أَسْرَاكِ مِنَ الْجُبِّ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ." (زك9: 9- 11). لقد ضل قيافا في الإيمان بما في الكتب، وانحرف، ولم يعرف، ولم يفهم النبوات الكثيرة الخاصة بالمسيا.
إن حيثيات الحكم على الأشرار، والتي على أساسها سَيُدان الأشرار هي مخالفة الوصايا الإلهية (الإنجيلية)، وذلك بحسب تعليم الكتاب القائل: "فِي الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يَدِينُ اللهُ سَرَائِرَ النَّاسِ حَسَبَ إِنْجِيلِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ." (رو2: 16). فيما يلي بعض من تعديات قيافا على وصايا الله الإلهية:
1. التشاور والتآمر والتحريض لقتل بريء:
لقد جمع قيافا في منزله مجمعًا للتشاور في خطر (حسب زعمه) تَنَامي شعبية الرب يسوع، وقرر في هذا الاجتماع قتل الرب يسوعُ، مخالفًا الوصية القائلة: "لاَ تَقْتُلْ" (تث5: 17).
2. الخداع والكذب:
لقد خدع قيافا نفسه ونفوس أعوانه، مُدَّعيًا أن القتل خير، وتناسى الوصية القائلة: "اِبْتَعِدْ عَنْ كَلاَمِ الْكَذِبِ، وَلاَ تَقْتُلِ الْبَرِيءَ وَالْبَارَّ، لأَنِّي لاَ أُبَرِّرُ الْمُذْنِبَ." (خر23: 7). برر جُرمَه بتبني الادعاء القائل: "إن حب الناس والتفافهم حول الرب يسوع المعلم الصالح سبب ضرر لأمة اليهود، لأنه سيثير الرومان ضدهم" ولم يكتفِ بذلك، لكنه استخدم سلطانه لإثارة الشعب على الرب.
3. الرشوة:
يعتبر قيافا المسؤول الأول عن رشوة يهوذا الإسخريوطي، لأنه كان رئيس كهنة ذلك الزمان. لقد خالف وصية الله القائلة: "مَلْعُونٌ مَنْ يَأْخُذُ رَشْوَةً لِكَيْ يَقْتُلَ نَفْسَ دَمٍ بَرِيءٍ.. " (تث27: 25).
4. التشجيع، والتحريض على الشهادة الزور:
لقد تعدى قيافا على وصية الله القائلة: "وَلاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ" (تث5: 20). من المفترض في المحاكمات العادلة أن يكون هناك مدعٍ، أو مشتكٍ على المتهم يتهمه بتهمة محددة (يمثل الادعاء)، وأن تطلب المحكمة شهود الإثبات وشهود النفي. أما يسوع فلم يوجد من يدَّعي عليه تهمة محددة، ولهذا بحث مجلس اليهود (السنهدريم) عن شهود ليشهدوا على الرب بأية اتهامات يرونها، تاركين الفرصة لشهود الزور للتلفيق والافتراء. لقد سجل الكتاب شرهم، وشر رئيس كهنتهم بالقول: "وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوا. وَمَعَ أَنَّهُ جَاءَ شُهُودُ زُورٍ كَثِيرُونَ، لَمْ يَجِدُوا. وَلكِنْ أَخِيرًا تَقَدَّمَ شَاهِدَا زُورٍ" (مت26: 59- 60).
5. عدم احترامه، أو التزامه بالقسم، الذي أقسمه باسم الله:
أعطى الله شعبه في القديم القسم (الحلف باسم الله). لقد كانت كل مشاجرة أو اختلاف يزول بالقسم، ولا مجال لأي تشكك أو حيرة بعد القسم، لأن الرأي الصحيح يثبت بالقسم باسم الله، والذي يصير في تلك الحالة هو الحكم والشاهد الأعظم كقول معلمنا بولس الرسول: "فَإِنَّ النَّاسَ يُقْسِمُونَ بِالأَعْظَمِ، وَنِهَايَةُ كُلِّ مُشَاجَرَةٍ عِنْدَهُمْ لأَجْلِ التَّثْبِيتِ هِيَ الْقَسَمُ." (عب6: 16). لقد احتار قيافا في إثبات التهمة التي يدين على أساسها الرب يسوع المسيح، فلجأ إلى استخدام القسم كقول الكتاب: "... فَأَجَابَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: "أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ؟" (مت26: 63). وهذا بالطبع سؤالًا واستفسارًا، وليس اتهامًا. لقد تعاملت المحكمة مع الرب يسوع كشاهد وليس متهمًا عندما استحلفه قيافا الذي وجب عليه في هذه الحالة تصديق شهادة الرب. ولكن قيافا لم يقبل الشهادة الصادقة، واعتبر القول جريمة تجديف. لقد أخطأ قيافا، لأنه لم يعتد بالقسم بالله الذي قبل أن يكون ضامنًا لصدق إجابة الرب.
6. تسليم بريء إلى القتل، وتضليل شعبه بالتحريض، والمطالبة بموته:
سلم قيافا المسيح البريء للسلطة الرومانية، بعد أن دفع الجماهير للضلال، طالبًا منهم الضغط على بيلاطس، وتحريضه على قتل البار، مع أن الوالي الروماني أقر ببراءته. لقد ترأس قيافا أتباعه في تهديد الوالي بتهمة عداوة قيصر قائلًا: "... إِنْ أَطْلَقْتَ هذَا فَلَسْتَ مُحِبًّا لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكًا يُقَاوِمُ قَيْصَرَ!" (يو19: 12).
لم يكن قيافا يريد أن ينجي أُمته من أي خطر، لأن الرب يسوع المسيح لم يمثل إطلاقًا خطرًا على أمة اليهود في أي وقت من الأوقات. لقد سَلَّم قيافا الرب للقتل حسدًا وغيرَةً، وأيضًا استغل ذلك الماكر سلطته في التآمر والتحريض عل قتل المسيح الرب، مخالفًا بذلك شريعة ووصايا الناموس، التي كان يعَّلِم الناس بها.
لم ير قيافا من الرب غير الحب والقداسة والحكمة، وبالاختصار الكمال ذاته. فهل يتبرأ من جريمة قتل الرب القدوس، الذي قال عنه إشعياء النبي: "... عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْمًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ." (إش53: 9)؟!! لقد صدق فيه قول الوحي الإلهي: "لأَنَّهُ مَدَّ عَلَى اللهِ يَدَهُ، وَعَلَى الْقَدِيرِ تَجَبَّرَ" (أي15: 25).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/question-5/06.html
تقصير الرابط:
tak.la/tfv7sy6