أُرسلَ الملاك جبرائيل إلى فتاة عذراء من الناصرة اسمها مريم ليبشرها بحبلها بابن الله الكلمة؛ فحياها ودعاها "الممتلئة نعمة"، ولما تعجبت واضطربت من تعظيمه لها، طمأنها الملاك وشرح سبب تلك التحية الفائقة، قائلًا لها: "... لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ" (لو1: 30).
لقد نالت العذراء رضا الله، ولذلك دعاها الملاك المباركة في النساء، قائلًا لها: "قد وجدتِ نعمة عند الله..."، ولكن قد يقول قائل أن آخرين من البشر قد سُرَّ بهم الله، وقيل عنهم أنهم وجدوا نعمة، ومثال ذلك قوله عن شعب إسرائيل: "هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قَدْ وَجَدَ نِعْمَةً فِي الْبَرِّيَّةِ، الشَّعْبُ الْبَاقِي عَنِ السَّيْفِ، إِسْرَائِيلُ حِينَ سِرْتُ لأُرِيحَهُ" (إر 31: 2).
نعم، سُرَّ الله ببقيةٍ من شعبه إسرائيل، فأعطاهم نعمة الدخول لأرض الراحة كنعان، ونال داود النبي والملك هو أيضًا نعمة من الله، لأنه سار مع الله باستقامة قلب، كقول الكتاب: "الَّذِي وَجَدَ نِعْمَةً أَمَامَ اللهِ، وَالْتَمَسَ أَنْ يَجِدَ مَسْكَنًا لإِلهِ يَعْقُوبَ" (أع 7: 46). ولهذا أنعم الله عليه بجلوس بعض بنيه على عرش مُلكه. أما العذراء فقد فاقت هؤلاء أجمعين، وهذا ما سنشرحه فيما يلي:
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
علت العذراء القديسة في الكرامة عن السمائيين والأرضيين، ودليل ذلك عظمة النعمة التي وهبها لها الله، وهي: حبلها وميلادها الرب يسوع المسيح، ولهذا عَظَّمها الملاك، ولما سألته عن سبب تعظيمه لها، أخبرها أنها وجدت أعظم نعمة وأجل عطية إلهية، قائلًا: "وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ" (لو 1: 31، 32). لقد أعطاها الله نعمة أمومتها له، لأنه لا يوجد أكرم منها في البشر. لم يعينها الله أمًا له أولًا، ثم بعد ذلك كرَّمها، لأنها اصبحت أمه، ولكنه رضي عنها أولًا، لأنها أرضته بصنع مشيئة المقدسة، حينئذ استحقت أعظم كرامة، ولهذا تجسد وولد منها.
القارئ العزيز... أطلق الناس على مريم العذراء لقب "الشفيع الأكرم" وذلك بسبب تفوق قوة شفاعتها عند الله عن أي مخلوق آخر. لقد آمنت الكنيسة بقوة شفاعتها عند ابنها، ووصفتها بالقول: "فإنكِ أمٌ قادرة رحيمة معينة والدة ينبوع الحياة ملكي وإلهي يسوع المسيح رجائي..." [10](قطع صلاة النوم)
أما قطع صلوات الساعة السادسة من الأجبية المقدسة فتصف شفاعتها بالقول: "إذ ليس لنا دالة ولا حجة ولا معذرة من أجلِ كثرة خطايانا، فنحنُ بكِ نتوسل إلى الذي ولد منكِ يا والدة الإله العذراء، لأن كثيرة هي شفاعتك قوية ومقبولة عند مخلصنا..."، فهنيئًا لنا بهذه الأم "الشفيع الأكرم".
_____
[10] تخصص صلوات السواعي (الأجبية المقدسة) القطعة الثالثة من صلوات القطع من كل ساعة لتكريم وطلب شفاعة العذراء القديسة مريم والدة الإله.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/mary-zaytoun/intercessor.html
تقصير الرابط:
tak.la/gf3kr46