"وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا" (تك2: 15).
يتعجب البعض متسائلًا لماذا طلب الله من أبونا آدم أن يعمل الجنة ويحفظها؟ ألاَّ يتعارض هذا مع الفرح والنعيم، الذي كان يتمتع بهما أبونا آدم. وهل كان أبونا آدم محتاجًا للعمل، لكي يوفر طعامه؟ وهل لا يتعارض الجهد المبذول أثناء العمل مع حالة السعادة والنعيم الخاص بحياة الفردوس؟
إن العمل والإثمار أمر ضروري للإنسان، حتى يجد الإنسان معنى لحياته، وهكذا يتمتع بالفرح. أما البطالة فهي تؤدي إلى فقدان الإنسان لمعنى وقيمة حياته. لقد خلق الله الإنسان ليكون خلاقًا مثل إلهه، كقول الكتاب: "لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا" (أف2: 10).
قد يعمل الإنسان من أجل ذاته، وقد يعمل أيضًا لأجل غيره، ولكنه حينما يعمل لأجل غيره يجد سرور وفرح أكثر، كقول الكتاب: "فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرَيْتُكُمْ أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنَّكُمْ تَتْعَبُونَ وَتَعْضُدُونَ الضُّعَفَاءَ، مُتَذَكِّرِينَ كَلِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ أَنَّهُ قَالَ: مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ" (أع 20: 35).
إن الخدمة ومحبة القريب تحقق للإنسان قيمة ومعنى أمام نفسه. لقد أوصى الرسول بتعب الإنسان في عمل المحبة، لأجل غيره، قائلًا: "لاَ يَسْرِقِ السَّارِقُ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَتْعَبُ عَامِلًا الصَّالِحَ بِيَدَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَهُ احْتِيَاجٌ" (أف4: 28).
مهنة الفلاحة هي أول عمل عمله الإنسان. إن هذه المهنة تشير لأمور روحية لازمة لحياة كل مؤمن. لقد كشف الرب يسوع في مثل الزارع ضرورة اهتمام كل إنسان بقلبه كأرض تثمر له ثمار جيدة قائلًا: "وَأَمَّا الْمَزْرُوعُ عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ فَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ وَيَفْهَمُ. وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي بِثَمَرٍ، فَيَصْنَعُ بَعْضٌ مِائَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاَثِينَ" (مت13: 23). إن قلب الإنسان هو الأرض، التي لا بُد لها أن تحتضن البذرة، وعلى الإنسان أن يعمل الأرض، ويحفظها لكي تثمر الثمار الوفيرة، التي تفرح قلبه.
يتمم البعض الممارسات الروحية بطريقة سطحية روتينية، لا تمكنه من الإثمار لحساب ملكوت الله، ولكن الله يطالب كل نفس أن تقدم له ثمارها القيمة. أما غير المثمر، فلن يتمتع بالحياة، كقول الرب عن التينة غير المثمرة: "فَقَالَ لِلْكَرَّامِ: هُوَذَا ثَلاَثُ سِنِينَ آتِي أَطْلُبُ ثَمَرًا فِي هذِهِ التِّينَةِ وَلَمْ أَجِدْ. اِقْطَعْهَا! لِمَاذَا تُبَطِّلُ الأَرْضَ أَيْضًا؟" (لو13: 7). إن سماع كلمة الله لا يكفي وحده للإثمار، بل العمل الروحي الجاد، كقول الكتاب: "وَلكِنْ كُونُوا عَامِلِينَ بِالْكَلِمَةِ، لاَ سَامِعِينَ فَقَطْ خَادِعِينَ نُفُوسَكُمْ" (يع1: 22).
← اقرأ هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت كتب أخرى لنفس المؤلف.
يحتاج الإثمار الروحي من الإنسان ما يلي:
1. حفظ الأرض الذي يشير لحفظ القلب
اهتم أبونا آدم بتهيئة أرض الفردوس؛ أي حفظها، كما قال الكتاب. لقد كان في هذا درسًا روحيًا للبشر، أن يسعوا وراء الثمار الروحية المتكاثرة بتهيئة قلوبهم، وحفظها بالتوبة، والتحفظ من كل ما يعيق القلب عن الإثمار، كقول الكتاب: "فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ، لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ" (أم4: 23).
2. عمل آدم في الجنة يشير للجهاد والثبات في الرب
إن الإثمار الروحي لا يمكن أن يتحقق دون الجهاد، الذي يحقق الثبات في الله؛ أي السعي في طلب نعمة الله من خلال دراسة كلمة الله (بذار الحياة الأبدية) والصلاة، وطلب الامتلاء من روح الله القدوس (مجاري المياه). لقد أكد الكتاب على ضرورة الثبات في الله، كقول الكتاب: "اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. كَمَا أَنَّ الْغُصْنَ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْكَرْمَةِ، كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا إِنْ لَمْ تَثْبُتُوا فِيَّ" (يو15: 4).
إن كانت حياة أبونا آدم في الفردوس تشير لسعادته - وهذا لا يتحقق بدون عمله في الجنة (الإثمار) - فإن كمال فرح كل مؤمن (كل غصن) لا يتحقق دون اجتهاده في العمل الروحي، بالثبات في الرب يسوع (الكرمة الحقيقية) كقول الرب: "كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِكَيْ يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ" (يو15: 11).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/beginning-of-time/work.html
تقصير الرابط:
tak.la/kqt7nm4