"وَصَنَعَ الرَّبُّ الإِلهُ لآدَمَ وَامْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا" (تك3: 21).
صنع الله لأبوينا آدم وحواء أقمصة من جلد الحيوان، لقد شاء الله في ذلك تدبير عظيم يشير للخلاص بالدم، وهو أيضًا حب لا مثيل له من الله نحو الإنسان، الذي عرته الخطية، فصار في خزي عظيم،
ولكن كلمة "ألبسهما" تحمل مشاعر اهتمام ورعاية عظيمة تجاه الإنسان المسكين.
في التأمل التالي نسلط الضوء على محبة الله للإنسان واهتمامه به.
إن العقوبة في نظر بعض الناس هي نوع من الانتقام النابع عن غيظ من الإنسان نحو من يوجه عقابه له. لقد أعطى يونان النبي صورة سيئة للإنسان، الذي يملأ الانتقام والغيظ قلبه، وقد ظهر غيظه الشديد بوضوح، عندما تأنى الله على نينوى، ولم يحرقها على الفور، كما أراد هو، كقوله: "فَغَمَّ ذلِكَ يُونَانَ غَمًّا شَدِيدًا، فَاغْتَاظَ. وَصَلَّى إِلَى الرَّبِّ وَقَالَ: آهِ يَا رَبُّ، أَلَيْسَ هذَا كَلاَمِي إِذْ كُنْتُ بَعْدُ فِي أَرْضِي؟ لِذلِكَ بَادَرْتُ إِلَى الْهَرَبِ إِلَى تَرْشِيشَ، لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ إِلهٌ رَؤُوفٌ وَرَحِيمٌ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَنَادِمٌ عَلَى الشَّرِّ" (يون4: 1- 2).
يغتاظ البشر بسبب عدم محبتهم، واعتبارهم لذواتهم كثيرًا. إن محبة الذات وطلب العظمة تجعل الناس ينظرون لمن حولهم من خلال ما يؤثر على ذواتهم، وعلى سبيل المثال قد يعتبر الأب أو الأم خطأ ابنهم الصغير إهانة شخصية لهم، ولهذا قد يبالغ الأب أو الأم في عقاب ابنه، ليُنَفِّث عن غضبه، وذلك بحجة إهانة الصغير لشخص الأب، مع أن الصغير قد يكون بريئًا من هذه التهمة. أما الله فهو لا ينفعل أبدًا كالبشر، لأنه الهادئ المتضع المحب، كقول الكتاب: "لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ لِيَ الرَّبُّ: إِنِّي أَهْدَأُ وَأَنْظُرُ فِي مَسْكَنِي كَالْحَرِّ الصَّافِي عَلَى الْبَقْلِ، كَغَيْمِ النَّدَى فِي حَرِّ الْحَصَادِ. فَإِنَّهُ قَبْلَ الْحَصَادِ، عِنْدَ تَمَامِ الزَّهْرِ، وَعِنْدَمَا يَصِيرُ الزَّهْرُ حِصْرِمًا نَضِيجًا، يَقْطَعُ الْقُضْبَانَ بِالْمَنَاجِلِ، وَيَنْزِعُ الأَفْنَانَ وَيَطْرَحُهَا" (إش18: 4- 5).
سبق، وكشف الله لأبوينا أن الموت هو عقوبة الأكل من شجرة معرفة الخير والشر. ولكن الله لم يستغل مخالفتهما له لينزل عليهما القصاص الفوري. إن الله يتأنَّى كثيرًا على البشر، لأنه يريد رجوعهم وتوبتهم، ولهذا يتمهل في صبرٍ كثير حتى يخلصهم، كقول الكتاب: "لاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ التَّبَاطُؤَ، لكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ" (2بط3: 9).
يعرف الله ضعف طبيعة البشر، ويرفق بهم، مع أنه لا يتساهل مع أحد في خطئه، كقول الكتاب: "يَا رَبُّ، اسْمُكَ إِلَى الدَّهْرِ. يَا رَبُّ، ذِكْرُكَ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. لأَنَّ الرَّبَّ يَدِينُ شَعْبَهُ، وَعَلَى عَبِيدِهِ يُشْفِقُ" (مز135: 13- 14). وقوله أيضًا: "كَمَا يَتَرَأَفُ الأَبُ عَلَى الْبَنِينَ يَتَرَأَفُ الرَّبُّ عَلَى خَائِفِيهِ. لأَنَّهُ يَعْرِفُ جِبْلَتَنَا. يَذْكُرُ أَنَّنَا تُرَابٌ نَحْنُ" (مز103: 13- 14).
← اقرأ هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت كتب أخرى لنفس المؤلف.
قد يضع البشر شروطًا لكي يحبوا غيرهم، لكن الكتاب المقدس يعلمنا أن نقدم الحب غير المشروط لكل أحد، كقوله: "فَإِذًا حَسْبَمَا لَنَا فُرْصَةٌ فَلْنَعْمَلِ الْخَيْرَ لِلْجَمِيعِ، وَلاَ سِيَّمَا لأَهْلِ الإِيمَانِ" (غل6: 10). إنه يعلمنا أن نكون مثل الله، الذي يشرق شمسه على الأشرار الخطاة، لأننّا أبناؤه. لقد أظهر الله حبه وحنانه نحو خطاة مدينة نينوى، بقوله: "أَفَلاَ أَشْفَقُ أَنَا عَلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنِ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ رِبْوَةً مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ شِمَالِهِمْ، وَبَهَائِمُ كَثِيرَةٌ؟" (يون4: 11).
يُلبِس الأب ابنه الصغير المهتم به ملابسه، ذلك لأن أمره يهمه. لقد كان آدم وحواء في حالة من الانزعاج بسبب إحساسها بالخجل والخزي والعار، بعد أن خاطا لأنفسهما قمصان من ورق التين، التي سرعان ما جفت، وأظهرت عريهما مرة أخرى، ولكن لم يستغل الله خجلهما من عريهما لِيُبَكِّتهُمَا، لكنه تحنن عليهما، وعالج الأمر بنفسه. لقد كساهما الله بهذه القمصان المصنوعة من جلد الحيوان، لكي يهدئ من روعيهما. لم يتركهما الله حتى لبسا أمامه، واطمئن الله أن انزعاجهما قد زال عنهما.
إن الله الذي ألبس آدم وحواء قمصان، ليسترهما من الخزي، يلبس المؤمنين به ثياب الخلاص، ويكسيهم ببره، ليظهروا في بهاء وزينة مقدسة، كقول الكتاب: "فَرَحًا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلهِي، لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ. كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ، مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِعِمَامَةٍ، وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا" (إش61: 10).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/beginning-of-time/tunics.html
تقصير الرابط:
tak.la/fv32rnc