"وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلهُ، فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: "أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟" (تك3: 1).
أغوت الحية أمنا حواء فأكلت من شجرة معرفة الخير والشر، وأعطت رجلها، فأكل هو أيضًا، ولكن ما هي قوة هذه الغواية التي أسقطت أبوينا؟ وما هو تأثير هذه الغواية في أمنا حواء؟ أو لماذا تمكنت الحية من إسقاطها؟
لقد تقدم الشيطان ليجرب أمنا حواء وأبونا آدم، كما تقدم فيما بعد دون حياء من القدوس البار الرب يسوع ليجربه. إن دراسة كلا التجربتين معًا والمقارنة بين ظروف وملابسات كل منهما مفيد ونافع لتحديد كيفية غواية وسقوط أبوينا الأولين.
فيما يلي نقدم هذا التأمل، الذي يكشف عن أسباب غواية الشيطان للإنسان، وطرق النصرة عليها من خلال نصرة الرب يسوع على العدو الشيطان الشرير فوق الجبل.
إن المجرب في كلا الحالتين شخص واحد وهو إبليس، الشيطان، الحية القديمة، كقول الكتاب: "ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ" (مت4: 1). وقوله أيضًا: "فَقَبَضَ عَلَى التِّنِّينِ، الْحَيَّةِ الْقَدِيمَةِ، الَّذِي هُوَ إِبْلِيسُ وَالشَّيْطَانُ، وَقَيَّدَهُ أَلْفَ سَنَةٍ" (رؤ20: 2).
كشف الوحي الإلهي أن الشيطان هو المجرب، الذي لا يكف عن قتال بني البشر، كقول الكتاب: "... ذَاكَ كَانَ قَتَّالًا لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ" (يو8: 44). لقد سقط الشيطان، ولم يثبت في الحق، واستمر في شره من وقتها وحتى الآن.. ولكن الله لم يترك المؤمنين باسمه دون سند. لقد كشف لنا الوحي الإلهي خططه وحيله لكي، نتجنب الوقوع في شباكه، كقول معلمنا يوحنا الرسول: "لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ" (1يو2: 16).
اشتملت تجربة إبليس للرب يسوع على الثلاثة أنواع من التجارب الرئيسة وهي شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة.
1. طلب منه إبليس تحويل الحجارة إلى خبز، وهذه التجربة تمثل شهوة الجسد.
2. أراه في لحظة من الزمان جميع ممالك الأرض، وطلب منه السجود له في مقابل امتلاكها، وهذا النوع من التجارب يعتمد على شهوة العيون.
3. طلب منه أن يلقي نفسه من فوق جناح الهيكل، لكي تحمله الملائكة بحسب ما جاء في المزمور، وهذا النوع من التجارب يعتمد على طلب العظمة والمجد الباطل.
اشتملت تجربة إبليس لحواء أم البشر على هذه التجارب الثلاثة أيضًا، ويمكن أن نتبيَّن ذلك مما يلي:
1. تجربة شهوة الجسد في رؤية أمنا حواء للشجرة، والتي وصفها الكتاب، بقوله: "فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ..." (تك3: 6).
2. تجربة شهوة العيون، ويظهر ذلك بوضوح من القول بأن الشجرة بهجة للعيون، كما جاء بالنص السابق.
3. تجربة تعظم المعيشة، ويظهر هذا من تصديق أمنا حواء لقول الحية: "بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ" (تك3: 5).
← اقرأ هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت كتب أخرى لنفس المؤلف.
وجه العدو الشرير ضرباته لحواء، لأنها الجانب الأضعف، وإن كانت حواء أم الأحياء ترمز للكنيسة بما فيها من شعب مقدس لله، فهي أيضًا عروس المسيح، التي يوجه الشيطان ضرباته إليها باستمرار.. لقد أخبرنا سفر الرؤيا عن إبليس التنين، الذي لم يقوَ على الرب يسوع المسيح الابن الذكر، الذي ولدته المرأة (الكنيسة) والذي اُختطف إلى السماء (صعد)، ولكن التنين (إبليس) اضطهد المرأة أي الكنيسة وشعبها، كقول الوحي الإلهي في سفر الرؤيا: "وَلَمَّا رَأَى التِّنِّينُ أَنَّهُ طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ، اضْطَهَدَ الْمَرْأَةَ الَّتِي وَلَدَتْ الابْنَ الذَّكَرَ" (رؤ12: 13). ولكن الذي وعد حواء بالخلاص من خلال نسلها الرب يسوع المسيح، سيعين أيضًا الكنيسة حواء الجديدة، لتخلص كقوله أيضًا: "فَأُعْطِيَتِ الْمَرْأَةُ جَنَاحَيِ النَّسْرِ الْعَظِيمِ لِكَيْ تَطِيرَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ إِلَى مَوْضِعِهَا، حَيْثُ تُعَالُ زَمَانًا وَزَمَانَيْنِ وَنِصْفَ زَمَانٍ، مِنْ وَجْهِ الْحَيَّةِ" (رؤ12: 14).
آدم هو رأس المرأة، كما أن المسيح رأس الكنيسة ومخلصها، ورأس كل فرد فيها، كقول الكتاب: "وَلكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُل هُوَ الْمَسِيحُ، وَأَمَّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ" (1كو11: 3). لقد أخطأت أمنا حواء، لأنها عندما أُغويَت لم تسأل أبونا آدم عن الوصية، التي أعطاها الله له؛ فأكلت من الشجرة، وأعطت رجلها، كقول الكتاب: "... فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضًا مَعَهَا فَأَكَلَ" (تك3: 6).
كان ينبغي على حواء الرجوع لرأسها والخضوع له، كما ينبغي على كل مؤمن رجلًا كان أم امرأة الرجوع للرأس المسيح في كل أموره، وأيضًا حفظ وصاياه وطاعته، وهذا هو قمة الصدق والإخلاص والحب للمسيح الرب، كقول الكتاب: "بَلْ صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّةِ، نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ" (أف4: 15).
أطاع آدم الإنسان الأول امرأته حواء، فجلب الموت على نفسه وعلى ذريته أما آدم الثاني المسيح الرب فلم يخضع للغواية الشريرة، ولكنه انتهر الشيطان، وأعلن أن السجود والخضوع لله وحده، قائلًا: "فَأَجَابَهُ يَسُوعُ وَقَالَ: اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! إِنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ" (لو4: 8). لقد استحق الرب يسوع المسيح أن يكون مخلصًا وفاديًا لبني البشر بسبب خضوعه وطاعته الكاملة لله. وقد شهد له الكتاب، بقوله: "وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ" (في2: 8).
اعتمدت أمنا حواء على فهمها ونظرتها للأمور، وكان لديها ثقة في نفسها أكثر من ثقتها في الله، ولهذا لم تتكل على الله، ولم تخضع لوصيته. لقد انتفخت من قبل ذهنها، وظنت أنها قادرة على إسعاد نفسها؛ فخسرت الكثير، كقول الكتاب: "لاَ يُخَسِّرْكُمْ أَحَدٌ الْجِعَالَةَ... مُنْتَفِخًا بَاطِلًا مِنْ قِبَلِ ذِهْنِهِ الْجَسَدِيِّ" (كو2: 18). إن الكتاب المقدس يوصينا بالاتكال على الله، قائلًا: "تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ. فِي كُلِّ طُرُقِكَ اعْرِفْهُ، وَهُوَ يُقَوِّمُ سُبُلَكَ" (أم 3: 5- 6). وقد علمنا الكتاب أن من يُخَلِّص نفسه يهلكها. أما من يخضع لله حتى ولو أهلك نفسه من أجل الرب، فسيخلص.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/beginning-of-time/temptation.html
تقصير الرابط:
tak.la/9mxhkkv