"فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْحَيَّةِ: لأَنَّكِ فَعَلْتِ هذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ. عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ وَتُرَابًا تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ" (تك3: 14).
قرار الله بلعن الحية، التي هي الشيطان معناه الحكم بهلاك الشيطان، لأن اللعنة الخارجة من فم الله الديان تبيد الخاطئ، كقول الكتاب: "فَقَالَ لِي: هذِهِ هِيَ اللَّعْنَةُ الْخَارِجَةُ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ. لأَنَّ كُلَّ سَارِق يُبَادُ مِنْ هُنَا بِحَسَبِهَا، وَكُلَّ حَالِفٍ يُبَادُ مِنْ هُنَاكَ بِحَسَبِهَا" (زك5: 3).
وقوله أيضًا: "ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ" (مت25: 41). لكن نلاحظ أن الحية لم تهلك على الفور، لأن الله أعطاها عقوبة أخرى، وهي السعي على بطنها، والأكل من تراب الأرض.
ولكن لماذا يُبقي الله الحية فترة من الزمان، قبلما يُلقيها في النار الأبدية، كما هو مبين في الشاهد السابق من سفر التكوين؟
لم يشأ الله أن يهلك إبليس على الفور، لأن الإنسان في تلك الحالة سيكون قد قُهِرَ من إبليس الذي هلك، ويبقى الإنسان مقهورًا. إن الله لم يخلق الإنسان للفشل، كقول الكتاب: "لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ" (2تي1: 7).
لقد تأنى الله، ولم يهلك إبليس؛ حتى يُهزم بقوة الله من الإنسان أولًا، ثم بعدها يُلقيه الله في النار الأبدية، وهو منهزم. إن إلهنا القوي ليس هو إله اليائسين المقهورين، لأنه هو الغالب، الذي قيل عنه: "فَنَظَرْتُ، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ قَوْسٌ، وَقَدْ أُعْطِيَ إِكْلِيلًا، وَخَرَجَ غَالِبًا وَلِكَيْ يَغْلِبَ" (رؤ6: 2).
لقد أكد الوحي الإله إننا سنحيا مع الله في ملكوته غالبين، كقوله: "وَرَأَيْتُ كَبَحْرٍ مِنْ زُجَاجٍ مُخْتَلِطٍ بِنَارٍ، وَالْغَالِبِينَ عَلَى الْوَحْشِ وَصُورَتِهِ وَعَلَى سِمَتِهِ وَعَدَدِ اسْمِهِ، وَاقِفِينَ عَلَى الْبَحْرِ الزُّجَاجِيِّ، مَعَهُمْ قِيثَارَاتُ اللهِ" (رؤ15: 2).
دعا الله المرأة التي خدعها إبليس لسحق رأس الحية، قائلًا: "وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ" (تك3: 15). إن البشر في عداوةٍ دائمة مع الشيطان الشرير، الذي يخدع، ويؤذي، ويهلك من يقبله من البشر، ولهذا أكد الكتاب أن الشيطان هو العدو الشرير، بقوله: "... ذَاكَ كَانَ قَتَّالًا لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَق..." (يو8: 44) وقد عاشت حواء كل أيام حياتها في انتظار النسل المبارك، الذي يسحق رأس الحية.
مؤامرة إبليس ضد الإنسان وإغوائه ليست عداوة تجاه الإنسان فقط، لكنها أيضًا عداوة لله. لقد تعدى إبليس على الإنسان، الذي خلقه الله، وأراد أن يهلك صنعة يدي الله، وما زال إبليس يضطهد أولاد الله، كما أعلمنا الكتاب، بقوله أنه يسحق عقب المرأة أي بني البشر.
إن الله لا بُد أولًا أن يتمجد على الشيطان المتجبر الشرير، كما فعل بفرعون المتجبر، الذي أذل شعب الله، كقول الكتاب: "فَيَعْرِفُ الْمِصْرِيُّونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ حِينَ أَتَمَجَّدُ بِفِرْعَوْنَ وَمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ" (خر14: 18).
الشيطان عدو الخير يضطهد البشر لأنه العدو الشرير، ولكن الله حقق وعده وتجسد، وصار في الهيئة كإنسان، وغلب إبليس، عندما جرب منه في البرية على الجبل، وهكذا عاش الرب يسوع كل أيام حياته على الأرض قدوسًا. لقد سحق الرب الشيطان على الصليب بالفداء، وهكذا أيضًا صار الإنسان بقوة المسيح أقوى من الشيطان، كقول الكتاب: "حِينَمَا يَحْفَظُ الْقَوِيُّ دَارَهُ مُتَسَلِّحًا، تَكُونُ أَمْوَالُهُ فِي أَمَانٍ. وَلكِنْ مَتَى جَاءَ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فَإِنَّهُ يَغْلِبُهُ، وَيَنْزِعُ سِلاَحَهُ الْكَامِلَ الَّذِي اتَّكَلَ عَلَيْهِ، وَيُوَزِّعُ غَنَائِمَهُ" (لو11: 21- 22). لقد سحق الرب يسوع الشيطان، وأعطانا الوعد بسحقه تحت أرجلنا، إن ثبتنا فيه إلى النهاية طائعين خاضعين له، كقوله الصادق: "وَإِلهُ السَّلاَمِ سَيَسْحَقُ الشَّيْطَانَ تَحْتَ أَرْجُلِكُمْ سَرِيعًا. نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَكُمْ. آمِينَ" (رو16: 20).
← اقرأ هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت كتب أخرى لنفس المؤلف.
لم يعد للشيطان سلطان على أولاد الله الممسكين بمسيحهم الفادي الغالب، بل قد أعطاهم الله السلطان أن يدوسوا الحيات والعقارب، كقول الرب: "هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا لِتَدُوسُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ الْعَدُوِّ، وَلاَ يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ" (لو10: 19). وقوله أيضًا: "وَلكِنْ شُكْرًا ِللهِ الَّذِي يَقُودُنَا فِي مَوْكِبِ نُصْرَتِهِ فِي الْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ، وَيُظْهِرُ بِنَا رَائِحَةَ مَعْرِفَتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ" (2كو2: 14).
إن الحية القديمة أي إبليس ليس لها سلطان على أولاد الله، ولكن سلطانها على من يعيشون بالشهوات والنجاسات الأرضية والدنياويات (الترابية). هؤلاء هم تراب، كقول الله لأبونا آدم، وهو في حالة السقوط في الخطيئة: "... لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ" (تك3: 19).
إن الشيطان لا سلطان له إلا على الشهوانيين الماديين من بني البشر فقط. أما الذي يسلكون بالروح فليس لإبليس سلطان عليهم، كقول الكتاب: "إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ" (رو8: 1).
أولاد الله محفوظين في يده، ولا أحد يقدر أن يخطفهم من يده، كقول الكتاب: "خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي" (يو10: 27- 28).
لقد طمئن الرب تلاميذه على خلاص كل نفس من نفوس أولاده الممسكين به، مؤكدًا أن الهلاك لن يصيب إلا ابن الهلاك؛ أي من هو مثل يهوذا الإسخريوطي، الذي رفض المخلص الرب يسوع المسيح من أجل ثلاثين من الفضة، كقوله: "... الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي حَفِظْتُهُمْ، وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ابْنُ الْهَلاَكِ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ" (يو17: 12).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/beginning-of-time/serpent.html
تقصير الرابط:
tak.la/5xdkh9z