"وَكَانَ نَهْرٌ يَخْرُجُ مِنْ عَدْنٍ لِيَسْقِيَ الْجَنَّةَ، وَمِنْ هُنَاكَ يَنْقَسِمُ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةَ رُؤُوسٍ" (تك2: 10).
النهر والكتاب المقدس:
يذكر لنا الكتاب المقدس عدد من الأنهار، التي ارتبطت بالأماكن المقدسة، نذكر منها نهر جنة عدن، والنهر الموجود في رؤيا حزقيال، والنهر الذي يخرج من عرش الله في أورشليم السماوية، ولكن لماذا يُعَلِّم الكتاب المقدس عن ضرورة وجود نهر في هذه الأماكن المقدسة؟ ولماذا اهتم الوحي الإلهي بوصف نهر جنة عدن؟
النهر يرمز للحياة، لأن الله هو حياة كل أحد، كما أن المياه حيثما وجدت، وجدت معها الحياة. إن الله له الحياة في ذاته أي أنه لا يوجد من سبق، ومنحه الحياة، كقول الكتاب: "لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذلِكَ أَعْطَى الابْنَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ" (يو5: 26). لقد أشار الرب يسوع المسيح للحياة التي يهبها الله للمؤمن بمياه تجري من بطن المؤمنين به، كقوله: "مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ" (يو7: 38).
إن الإنسان يحتاج للماء لكي يحيا جسديًا، فهو بالأولى يحتاج إلى الله على الدوام، ليحيا جسديًا وروحيًا. والإنسان ليس له الحياة في ذاته، لكنه يستمدها من الله، كقول الكتاب: "لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذلِكَ الابْنُ أَيْضًا يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ" (يو5: 21). لقد تجسد الرب يسوع ليقيمنا من موت الخطية، ويهبنا حياته الأبدية.
لقد رأى حزقيال النبي البشر الذين ماتوا بالخطية كمياه البحر الميت في فلسطين، التي تنعدم فيها الحياة، وقد أتت إليها مياه حية خارجة من جانب المذبح الأيمن (رمز الحياة التي خرجت من جنب المسيح) لتشفي مياهه، كقوله: "... هذِهِ الْمِيَاهُ خَارِجَةٌ إِلَى الدَّائِرَةِ الشَّرْقِيَّةِ وَتَنْزِلُ إِلَى الْعَرَبَةِ وَتَذْهَبُ إِلَى الْبَحْرِ. إِلَى الْبَحْرِ هِيَ خَارِجَةٌ فَتُشْفَى الْمِيَاهُ" (حز47: 8).
إن الله هو سر الحياة في جنة عدن، وحيثما وجد الله في مكان وجدت الحياة معه، كقول الكتاب: "يَرْوَوْنَ مِنْ دَسَمِ بَيْتِكَ، وَمِنْ نَهْرِ نِعَمِكَ تَسْقِيهِمْ. لأَنَّ عِنْدَكَ يَنْبُوعَ الْحَيَاةِ..." (مز36: 8- 9).
← اقرأ هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت كتب أخرى لنفس المؤلف.
يصف الكتاب المقدس الله بأنه ينبوع الحياة، ولهذا رُمز له في سفر التكوين بالنهر. إن وجود النهر وسط الجنة يعني أن الله كان له حضور فعلي في الجنة، ليعطي حياة لسكانها، وهذا واضح مما ذكره سفر التكوين عن كلام الله مع أبونا آدم وأمنا حواء أثناء فترة وجودهم في الجنة، وأيضًا مما ذكره السفر عن سماع أبونا آدم صوت الله وهو يتمشى في الجنة، ومن قوله عن وجود شجرة حياة في وسط الجنة: "... لَعَلَّهُ يَمُدُّ يَدَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ أَيْضًا وَيَأْكُلُ وَيَحْيَا إِلَى الأَبَدِ" (تك3: 22).
إن وجود الله (نهر الحياة) في وسط الكنيسة أو وسط مدينة الله يعني، أنه لا حياة بدون علاقة حية مع الله، كقول المرنم في المزمور: "نَهْرٌ سَوَاقِيهِ تُفَرِّحُ مَدِينَةَ اللهِ، مَقْدَسَ مَسَاكِنِ الْعَلِيِّ. اللهُ فِي وَسَطِهَا فَلَنْ تَتَزَعْزَعَ... " (مز46: 4- 5). لقد نطق بلعام الشرير دون إرادته مرغمًا بوحي من الله واصفًا الحياة، التي يهبها الله لشعبه بجنات ذات أشجار مورقة على نهر، قائلًا: "مَا أَحْسَنَ خِيَامَكَ يَا يَعْقُوبُ.. كَجَنَّاتٍ عَلَى نَهْرٍ، كَشَجَرَاتِ عُودٍ غَرَسَهَا الرَّبُّ. كَأَرْزَاتٍ عَلَى مِيَاهٍ" (عد24: 5- 6).
أول مكان يجب أن يجري فيه نهر الحياة هو أورشليم السماوية مسكن الله مع قديسه. إن الله سيسكن إلى الأبد مع شعبة في أورشليم السمائية، ولهذا لن تنعدم منها الحياة أبدًا. لقد ذكر سفر الرؤيا عن صفاء مياه نهر الحياة في أورشليم السماوية. أما عن مصدر هذه المياه فقد ذكر أنها خارجة من عرش الله، كقوله: "وَأَرَانِي نَهْرًا صَافِيًا مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ لاَمِعًا كَبَلُّورٍ، خَارِجًا مِنْ عَرْشِ اللهِ وَالْخَرُوفِ" (رؤ22: 1).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/beginning-of-time/river.html
تقصير الرابط:
tak.la/jcb9k53