"وَغَرَسَ الرَّبُّ الإِلهُ جَنَّةً فِي عَدْنٍ شَرْقًا، وَوَضَعَ هُنَاكَ آدَمَ الَّذِي جَبَلَهُ. وَأَنْبَتَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ شَجَرَةٍ شَهِيَّةٍ لِلنَّظَرِ وَجَيِّدَةٍ لِلأَكْلِ... " (تك2: 8- 9).
الفرح هو الصفة الأساسية التي ميزت الحياة في جنة عدن، ولهذا سمَّى البعض هذا المكان أيضًا "فردوس النعيم"، ولكن ما هي أسباب الفرح، الذي عم هذا المكان؟ وهل يمكن استعادة الفرح الضائع، الذي تمتع به الإنسان من قبل في جنة عدن؟
إن مشيئة الله أن يحيا الإنسان فرحًا على الدوام، كقول الكتاب: "اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا افْرَحُوا" (في4: 4). ولهذا أسكنه الله في هذا المكان المفرح، فيما يلي نتأمل في أسباب ومظاهر الفرح في تلك الجنة:
إن سبب الفرح الذي ملأ قلوب سكان جنة عدن كان غناها. لقد تميزت هذه الجنة بكثرة أشجارها وتنوعها. وقد أشار الكتاب المقدس لجمال هذه الجنة، بقوله عن أشجارها أنها شهية للنظر، ووصف أيضًا ثمار أشجارها بالجيدة للأكل، كقوله: "وَغَرَسَ الرَّبُّ الإِلهُ جَنَّةً فِي عَدْنٍ شَرْقًا، وَوَضَعَ هُنَاكَ آدَمَ الَّذِي جَبَلَهُ. وَأَنْبَتَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ شَجَرَةٍ شَهِيَّةٍ لِلنَّظَرِ وَجَيِّدَةٍ لِلأَكْلِ... " (تك2: 8- 9). لقد وفر الله لأبونا آدم في هذه الجنة كل احتياجاته، كي لا يكون معوزًا لشيء. إن الله هو مصدر الغنى، الذي تميزت به هذه الجنة، لأنه هو الغني، الذي يغني الجميع.
تبدل حال الإنسان من فرح إلى حزن بعد السقوط في الخطية، ولكن الله الحنون لم يترك الإنسان فريسة للأحزان. لقد تنبأ إشعياء النبي بمجيء الرب يسوع المسيح ليؤسس كنيسته أورشليم الجديدة بدلًا من جنة عدن، وأنه سيملأها بالفرح، قائلًا: "بَلِ افْرَحُوا وَابْتَهِجُوا إِلَى الأَبَدِ فِي مَا أَنَا خَالِقٌ، لأَنِّي هأَنَذَا خَالِقٌ أُورُشَلِيمَ بَهْجَةً وَشَعْبَهَا فَرَحًا" (إش65: 18).
ميلاد المسيح المخلص الفادي عمانوئيل (الله معنا) وسط شعبه، وحلوله بروحه القدوس، وسكناه في المؤمنين قلب أحزان البشر المؤمنين به إلى أفراح، ذلك لأن عمانوئيل هو غنى الكنيسة، وغنى كل مؤمن. لقد بشرت الملائكة بني آدم يوم ميلاد عمانوئيل باستعادة الفرح قائلين: "فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ" (لو2: 10).
إن الله هو الغني القادر أن يسدد احتياجات الإنسان الذي خلقه، ويشبعه كل أيامه حياته كقول الكتاب: "الَّذِي يُشْبعُ بِالْخَيْرِ عُمْرَكِ، فَيَتَجَدَّدُ مِثْلَ النَّسْرِ شَبَابُكِ" (مز103: 5). وأيضًا كقول المرنم في المزمور: "الرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ" (مز23: 1).
← اقرأ هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت كتب أخرى لنفس المؤلف.
يوفي الله كل احتياجات الإنسان، لأنه هو الغني. إن الإنسان بدون الله هو بائس وفقير وشقي، وأيضًا عريان وأعمى، كقول الكتاب: "أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ.." (رؤ3: 18).
لقد علمنا القديس بولس الرسول أن هناك غنى غير حقيقي (غير يقيني)، وللأسف يتكل البعض على الغنى الغير حقيقي (الأموال) أملًا في تحقيق السعادة والفرح، ولكن الناس فيما هم يسعون وراء محبة المال (الغنى الكاذب) يضلون عن الله، ويقعون في خطايا كثيرة، وينحرفون عن الحق، ولا يحققون ما كانوا يرجونه من سعادة، كقول الرسول: "لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ" (1تي6: 10).
أما الله الحي فهو سر الغنى الحقيقي، الذي يمنحنا كل ما نحتاجه، لكي نحيا في متعة حقيقة، وليس في طلب شهوة لا تشبع، ولا تروي، كقول الكتاب: "أَوْصِ الأَغْنِيَاءَ.. لاَ يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ الْغِنَى، بَلْ عَلَى اللهِ الْحَيِّ الَّذِي يَمْنَحُنَا كُلَّ شَيْءٍ بِغِنًى لِلتَّمَتُّعِ" (1تي6: 17).
لقد سجل المرنم خبرة حياته عن ضرورة الاغتناء بالله، الذي لا يُخزِي الإنسان وقت الضيق، قائلًا: "لاَ يُخْزَوْنَ فِي زَمَنِ السُّوءِ، وَفِي أَيَّامِ الْجُوعِ يَشْبَعُونَ" (مز37: 19).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/beginning-of-time/joy.html
تقصير الرابط:
tak.la/tcy2jpy