"لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا" (تك2: 24).
ما هو معنى ترك الرجل لأبيه وأمه والالتصاق بامرأته؟ هل هو الاستقلالية فقط، أم هناك معنى أعمق؟
لم تخلق حواء مباشرة من التراب كآدم، لكن الله صنعها من لحم وعظام آدم، ولهذا قال عنها أب البشرية: "فَقَالَ آدَمُ: هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ" (تك2: 23).
لقد استخدم معلمنا بولس الرسول هذا التشبيه، ليبين علاقة المسيح بعروسه (الكنيسة). لقد خرجت حواء من جنب آدم،أما الكنيسة فقد وُهِبَت الحياة بموت المسيح على الصليب. إن المسيح له المجد يرى الكنيسة جسدًا له ولهذا يهتم بها، كما كان آدم يرى حواء امرأته كجسده الذي يهتم به، وكما يجب أن يرى كل زوج زوجته ويهتم بها، كقول معلمنا بولس الرسول: "فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ، كَمَا الرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَةِ. لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ" (أف5: 29- 30).
لقد فسر البعض ترك الرجل أباه وأمه في قول الوحي في سفر التكوين: "لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا" (تك2: 24). بمعنى استقلالية القرار، وتدبير الرجل لأسرته الجديدة بحرية، ولكن من الملفت للنظر أن الآية التي تتكلم عن ترك الرجل لأبيه وأمه والتصاقه بامرأته في سفر التكوين، قد كررها معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى أهل أفسس بنفس الكلمات تقريبًا، كما يلي: "مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا" (أف 5: 31). إن سياق الحديث في رسالة أفسس يشرح المعنى المقصود.
← اقرأ هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت كتب أخرى لنفس المؤلف.
إن قول الرسول لأجل هذا قبل قوله: "يترك أباه وأمه.. إلى آخره" يعني أن الترك بسبب ما جاء من كلام قبلًا؛ أي قوله: "فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ، كَمَا الرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَةِ. لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ" (أف5: 29- 30).
لقد شُبِهَت الكنيسة أنها من لحم ودم المسيح أي جسده كما شبهت الزوجة بجسد الرجل، ولهذا لا بُد أن يعتني بها كجسده، كما فعل المسيح الذي قيل عنه: "أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا" (أف5: 25).
إن المعنى المقصود من ترك الأب والأم هو التنازل والتخلي عن الرعاية المقدمة له من أبيه وأمه، لكي يتفرغ للاهتمام بالزوجة، التي أصبحت تمثل جسده، الذي يحتاج منه عناية خاصة جدًا.
لقد أخلى الرب يسوع مجده الذي له مؤقتًا من أجل عروسه الكنيسة التي هي جسده، كقول الكتاب: "الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا ِللهِ" (في2: 6)
أما أمه فهي أمته اليهودية، التي نسب إليها بالجسد، والتي منها أقربائه وخواصه بالجسد، ولكنه لم يطلب رضاهم حبًا في خلاص كل نفس من البشر: أي الكنيسة عروسه. لقد تنبأ زكريا النبي عن المعاناة والآلام، التي قاسها الرب من أمته، قائلًا: "... مَا هذِهِ الْجُرُوحُ فِي يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هِيَ الَّتِي جُرِحْتُ بِهَا فِي بَيْتِ أَحِبَّائِي" (زك13: 6).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/beginning-of-time/man.html
تقصير الرابط:
tak.la/p6bkydf