"وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: ليْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ" (تك2: 18).
لم يستحسن الله أن يحيا آدم الإنسان الأول وحيدًا، ولهذا جَبل الله له من جنبه حواء لتعينه كزوجة... ترتبط به، وتشاركه في تأسيس أسرة مباركة، ولكن هل الزوجة هي فقط التي تعين زوجها؟ وهل الرجل ليس مطالبًا بمد يد المعونة لامرأته؟
في التأمل التالي نعرض بعض النقاط الهامة المؤيدة بالشواهد الكتابية التي تجيب على هذا التساؤل.
لقد خلق الله الزوجة للإنسان الأول بغرض المعونة، لأن الكتاب يعلمنا عن فضل المشاركة والتعاون بقوله: "اِثْنَانِ خَيْرٌ مِنْ وَاحِدٍ، لأَنَّ لَهُمَا أُجْرَةً لِتَعَبِهِمَا صَالِحَةً" (جا4: 9). وقد فسر الآباء قول الحكيم "لأن لهما أجرة صالحة" بأن تعاون اثنين معًا في تآلف يحقق إنتاجًا أكثر، وبجهد أقل، إن فائدة الوجود ضمن أسرة لا يقتصر على الزوج فقط، لكنه يشمل جميع أفراد الأسرة.
الوجود ضمن أسرة يعطي الإنسان فرصة لممارسة الحب، لأن من يحيا وحده لا يرى غير نفسه، فكيف يمكنه أن يمارس الحب، وهو وحيدًا. إن الإنسان الذي يبذل، ويتعب بحب من أجل زوجته وأبنائه يفرح، ويسعد كقول الكتاب: "فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرَيْتُكُمْ أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنَّكُمْ تَتْعَبُونَ وَتَعْضُدُونَ الضُّعَفَاءَ، مُتَذَكِّرِينَ كَلِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ أَنَّهُ قَالَ: مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ" (أع20: 35).
من يعزل نفسه عن غيره لتجنب البذل والعطاء، وأملًا في الراحة، وتجنب المسئولية مخطئ، لأنه لن يجد معونة عند الحاجة، كقول الكتاب: "لأَنَّهُ إِنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا يُقِيمُهُ رَفِيقُهُ. وَوَيْلٌ لِمَنْ هُوَ وَحْدَهُ إِنْ وَقَعَ، إِذْ لَيْسَ ثَانٍ لِيُقِيمَهُ" (جا4: 10). إن الواقع يشهد بأتعاب كثيرة تصيب الناس في المجتمعات، التي يفضل فيها البعض الامتناع عن الزواج الشرعي، هربًا من البذل والعطاء.
يفهم البعض أن حواء خلقت لمعاونة آدم فقط، وأن آدم غير مطالب بمعاونة زوجته، لكن المدقق في قول الرب يمكنه أن يكتشف أن هذا افتراء، لأن الوحي الإلهي أضاف كلمة نظيره بعد معينًا. إن النظير للإنسان هو الند له، أي الشبيه والمساوي والمثيل له في الأهمية. لقد وصف معلمنا بولس الرسول تلميذه تيموثاوس بالنظير، قائلًا: "... أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ سَرِيعًا تِيمُوثَاوُسَ.. لأَنْ لَيْسَ لِي أَحَدٌ آخَرُ نَظِيرُ نَفْسِي يَهْتَمُّ بِأَحْوَالِكُمْ بِإِخْلاَصٍ" (في2: 19- 20). وقد علم الرب يسوع أن كل إنسان هو قريب لإخيه في الإنسانية، ولهذا يجب أن يحبه، كحبه لنفسه، قائلًا: "فَأَجَابَ وَقَالَ: تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ" (لو10: 27).
← اقرأ هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت كتب أخرى لنفس المؤلف.
أكد الوحي الإلهي مساواة المرأة للرجل، لأنها نظيره، قائلًا: "غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِي الرَّبِّ" (1كو11: 11). وأكد أيضًا أن النساء وارثات للحياة الأبدية كالرجال، ولهذا طالب الرجال بإعطاء النساء الكرامة الواجبة، قائلًا: "كَذلِكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ.. مُعْطِينَ إِيَّاهُنَّ كَرَامَةً، كَالْوَارِثَاتِ أَيْضًا مَعَكُمْ نِعْمَةَ الْحَيَاةِ، لِكَيْ لاَ تُعَاقَ صَلَوَاتُكُمْ" (1بط3: 7).
لقد أكد الله مفهوم الوحدانية عندما خلق الله حواء من لحم وعظام آدم، ولهذا فهما قد صار جسدًا واحدًا من خلال الزواج.
إن مفهوم الجسد الواحد يفرض على الزوجين اهتمام كل منهما بشريكه، كأعضاء في جسد واحد، كقول معلمنا بولس الرسول: "فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ، كَمَا الرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَةِ" (أف5: 29).
إن الرأس والجسد في الإنسان الواحد كيان واحد، لا ينفصل، ولهذا يعملان في تآلف.. الرأس يتعب لأجل الجسد، والجسد يخضع لرأسه. لقد شبه الوحي الإلهي المسيح بالرأس وكنيسته بالجسد، وبناء على هذا المفهوم السامي للزواج طالب الرسول العظيم بولس الرجال، بالتفاني في حب زوجاتهم، قائلًا: "أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا" (أف5: 25).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/beginning-of-time/family.html
تقصير الرابط:
tak.la/44xdfhc