"وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ" (تك2: 17).
منع الله أبونا آدم من الأكل من شجرة معرفة الخير والشر ولكن هل هذا يعني أن الله حرمه من المعرفة عندما منعه من الأكل هذه الشجرة؟ أليست المعرفة هامة وضرورية لحياة الإنسان؟ فلماذا منعه الله من الأكل منها؟
المعرفة تؤثر في حياة الإنسان، لأن سلوك الإنسان يعتمد على معرفته وثقافته.
هناك معرفة مطلوبة لا غنى عنها، ولهذا يحث الوحي الإلهي كل إنسان على اقتنائها، بقوله: "أَيْضًا كَوْنُ النَّفْسِ بِلاَ مَعْرِفَةٍ لَيْسَ حَسَنًا، وَالْمُسْتَعْجِلُ بِرِجْلَيْهِ يُخْطِئُ" (أم19: 2).
أنه من المستحيل أن يحرم الله الإنسان من المعرفة التي يحتاجها في تدبير أمور حياته اليومية، والتي يأمر الوحي الإلهي بضرورة اقتنائها، بقوله: "مَعْرِفَةً اعْرِفْ حَالَ غَنَمِكَ، وَاجْعَلْ قَلْبَكَ إِلَى قُطْعَانِكَ" (أم27: 23). أن الله الصالح والمحب قد وهب الإنسان أيضًا كل ما يلزمه للحياة.
معرفة الله لا يصح أن تكون معرفة نظرية، لكن يجب أن تكون معرفة العشرة والاختبار، ولهذا يصاحبها إيمان وثقة في شخص الله. إنها علاقة حية مستمرة من خلال عمل روح الله القدوس فينا لأن روح الله يملأ النفس بمعرفة روحية حية متجددة لا يدركها غير الإنسان، الذي يعلن له الروح تلك المعرفة، كقول الله عريس النفس البشرية: " أُخْتِي الْعَرُوسُ جَنَّةٌ مُغْلَقَةٌ، عَيْنٌ مُقْفَلَةٌ، يَنْبُوعٌ مَخْتُوم" (نش4: 12). وقول الكتاب أيضًا: "... وَأُعْطِيهِ حَصَاةً بَيْضَاءَ، وَعَلَى الْحَصَاةِ اسْمٌ جَدِيدٌ مَكْتُوبٌ لاَ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ غَيْرُ الَّذِي يَأْخُذُ" (رؤ2: 17).
لقد نصح الحكيم كل إنسان بالاجتهاد في طلب معرفة الله، قائلًا: "تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ. فِي كُلِّ طُرُقِكَ اعْرِفْهُ، وَهُوَ يُقَوِّمُ سُبُلَكَ" (أم 3: 5- 6). أما عدم معرفة الله فهي سبب هلاك أكيد كقول الكتاب: "فقَدْ هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ. لأَنَّكَ أَنْتَ رَفَضْتَ الْمَعْرِفَةَ أَرْفُضُكَ أَنَا حَتَّى لاَ تَكْهَنَ لِي. وَلأَنَّكَ نَسِيتَ شَرِيعَةَ إِلهِكَ أَنْسَى أَنَا أَيْضًا بَنِيكَ" (هو4: 6).
معرفة الشر ليست هي المعرفة البسيطة لبعض المعلومات النظرية، لأن المعرفة النظرية للشر لا تقف عند حد الفكر، لكنها سريعًا ما تتحول إلى شهوة تضعف الإرادة، وهكذا تتحول إلى أعمال أو أقوال شريرة مؤذية. إن معرفة الشر تؤذي الإنسان لأنها كالنار، التي لا بُد أن تضر كل من يقترب منها، وإن لم تحرق بنيرانها من يقترب منها فهي تخنقه برائحة دخانها. لقد وصفها الكتاب، قائلًا: "أَيَأْخُذُ إِنْسَانٌ نَارًا فِي حِضْنِهِ وَلاَ تَحْتَرِقُ ثِيَابُهُ؟ أَوَ يَمْشِي إِنْسَانٌ عَلَى الْجَمْرِ وَلاَ تَكْتَوِي رِجْلاَهُ؟" (أم6: 27- 28).
شبه الكتاب من يفعل الخطية بمن يعمل عمل لا بُد أن يتقاضى عنه أجرة، وكما أنه لا يوجد عمل في عرف الناس ليس له أجرة، هكذا لا توجد خطية بلا ثمر أو بلا عاقبة شريرة. إن أجرة الخطية هي الموت، كقول الكتاب: "لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا" (رو6: 23). لقد وصف الوحي الإلهي تأثير الخطية على أبونا آدم وأمنا حواء بصورة عملية واضحة، بقوله: "سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ" (تك3: 10). لقد كانا أبوينا قبل السقوط في العصيان يعيشان في براءة وهما عريانين دون أن يدركا في ذلك عيب، ولكنهما بعد السقوط فقدا البراءة، وابتدأ الشر يعمل فيهما، ولهذا خجلا، وخافا تحت تأثير ضميرهما المثقل بالخطيئة والذنب.
← اقرأ هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت كتب أخرى لنفس المؤلف.
كما أن معرفة الشر تسبب الضرر والإيذاء، هكذا معرفة الخير تتسبب في الحياة والتمتع بالخير والسعادة والفرح. وهذا ما يجعلنا نستنتج أنه لا يمكن الفصل بين المعرفة الروحية والسلوك، لأن معرفة الله المقدسة أو معرفة الشر تؤثر في سلوك الإنسان، ومن يعرف لا بُد أن يتأثر بما عرفه سواء خيرًا كان أم شرًا، كقول الكتاب: "وَبِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا قَدْ عَرَفْنَاهُ: إِنْ حَفِظْنَا وَصَايَاهُ. مَنْ قَالَ: «قَدْ عَرَفْتُهُ» وَهُوَ لاَ يَحْفَظُ وَصَايَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ وَلَيْسَ الْحَقُّ فِيهِ" (1يو2: 3- 4).
اختبار شجرة معرفة الخير والشر يشتمِل على نوعين من المعرفة كان يجب على الإنسان الأول قبول أحدهما، ورفض الآخر، وهما:
1. معرفة إلهية يعلنها الله عن خطورة الأكل من الشجرة وموت من يخالف ويأكل من ثمرتها، كقوله: "وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ" (تك2: 17).
2. معرفة كاذبة مضلة قدمها إبليس عدو الخير، لكي ينقض كلام الله الحق، بعد أن أدعىَ أن من يأكل من الشجرة لن يموت، قائلًا: "فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: لَنْ تَمُوتَا! بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ" (تك3: 4- 5).
مصدر ما يستقيه الإنسان من معرفة له أهمية عظمى، لأن المعرفة كما أوضحنا قد تكون سبب حياة، أو سبب موت للإنسان، ولهذا أكد معلمنا بولس الرسول على ضرورة معرفة شخص المعلم قبل قبول تعاليمه ومعرفته، قائلًا: "وَأَمَّا أَنْتَ فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ وَأَيْقَنْتَ، عَارِفًا مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ" (2تي3: 14). لقد كان الأنفع والأجدر بأبوينا الإيمان والثقة بالله الذي عرفاه، وبالتالي قبول ما قدمه لهما من معرفة صادقة، وعدم الالتفات للمعرفة الشيطانية الكاذبة.
اعتمدت أمنا حواء على فهمها للأمور، ولم تكن تدري خطورة إغواء الحية والشهوة التي عملت فيها، لقد سلبت قدرتها على الفهم الصحيح، وأيضًا صيرتها غير مؤهلة لاتخاذ القرار السليم. ولهذا نصح الحكيم كل إنسان بعدم الاتكال على فهمه وحده، بقوله: "تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ. فِي كُلِّ طُرُقِكَ اعْرِفْهُ، وَهُوَ يُقَوِّمُ سُبُلَكَ" (أم3: 5- 6). وأيضًا بقوله: "لاَ تَكُنْ حَكِيمًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِكَ. اتَّقِ الرَّبَّ وَابْعُدْ عَنِ الشَّرِّ" (أم 3: 7).
إن معرفة الله هي الحياة الأبدية، كقول الرب يسوع: "وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ" (يو17: 3). إن كل من يعرف الله، يسلك في طريق الحياة، وينعم، ويتمتع بالحياة. لقد وصف الرب يسوع نفسه أنه هو الطريق لهذه الحياة؛ أي أن معرفته والخضوع له هي الوسيلة الحق لنوال الحياة، كقوله: "قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي" (يو14: 6). إن معرفة الرب يسوع المسيح، لا تأتي بدون حفظ وصاياه والخضوع له، لأن وصيته هي للحياة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/beginning-of-time/knowledge.html
تقصير الرابط:
tak.la/7pq4h3d