"فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: "لِذلِكَ كُلُّ مَنْ قَتَلَ قَايِينَ فَسَبْعَةَ أَضْعَافٍ يُنْتَقَمُ مِنْهُ..." (تك4: 15).
"إِنَّهُ يُنْتَقَمُ لِقَايِينَ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ، وَأَمَّا لِلاَمَكَ فَسَبْعَةً وَسَبْعِينَ" (تك4: 24).
قد طمأن الله قايين من جهة عدالته لأنه ينتقم من الظالمين القاتلين، ولكن لماذا ينتقم الله لقايين القاتل الشرير بسبعة أضعاف، وكيف تتحقق العدالة بمضاعفة الجزاء لسبعة أضعاف؟ أم هل بالغ الله في عقاب من يقتل قايين، ليَلقي الخَوفْ في قلب من يريد أن يقتله، ولكن حاشا لله أن يبالغ؟! ولماذا ينتقم للامك الشرير بسبعة وسبعين ضعفًا؟
في التأمل التالي نناقش حكمة العدالة الإلهية من خلال هذه النصوص.
لا يطيق الله الشر، ولا يقبله، لأنه قدوس وبار هو. أما قوله عن انتقامه لقايين، فذلك ليؤكد، ويعلن غضبه، وعدم رضاه بالقتل أو بالشر، كقول معلمنا بولس الرسول: "لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ" (رو1: 18). إن الله يعلن بطرق كثيرة عن غضبه على الشر؛ وقد أعلن الله ذلك من خلال الطوفان، الذي أغرق العالم الشرير، ومن خلال قلب مدينتي سدوم وعمورة بسبب شرور أهلها، وأيضًا أعلن ذلك مرارًا وتكرارًا من خلال كلماته المدونة في الكتاب المقدس.
الانتقام أو المجازاة عن الشرور أو دينونة الأشرار أمر خاص بالله، الذي له الملك والسلطان في ممالك الناس. إن الله ينظم الحياة في هذا الكون وفق قوانين طبيعية تتكامل مع بعضها البعض، لتحقيق إمكانية العيش لكل مخلوقاته، وينظم، ويضبط الله أيضًا تصرفات البشر من خلال شرائع وقوانين روحية تضمن للناس سلامتهم. إن الشرائع والقوانين المنظمة لأي بلد متحضر ليست أمر اختياري لمن يريد طاعتها، لكنها ملزمة لجميع المواطنين في هذا البلد، وهذا يقتضي عقوبة أو مجازاة من يتعدى على هذه القوانين، وهكذا أيضًا من يخالف وصايا الله وشرائعه لا بُد أن يعاقب، كقول الكتاب: "مَنْ خَالَفَ نَامُوسَ مُوسَى فعلي شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يَمُوتُ بِدُونِ رَأْفَةٍ" (عب10: 28). وقوله أيضًا: "حَافِظُ الْوَصِيَّةِ حَافِظٌ نَفْسَهُ، وَالْمُتَهَاوِنُ بِطُرُقِهِ يَمُوتُ" (أم19: 16).
وهبّ الله البشر الإرادة الحرة، ولكنه ينتقم ممن يضر بسلامة إخوته، لأن عدالته وحبه توجب أن يكون على مسافة متساوية من الجميع، ولهذا لا بُد أن ينتقم الله للمظلوم، كقول المرنم في المزمور: "الإِلهُ الْمُنْتَقِمُ لِي.. مِنَ الرَّجُلِ الظَّالِمِ تُنْقِذُنِي" (مز18: 47- 48). إن الكتاب المقدس يعلمنا أن دماء البشر المقتولين تصرّخ لله، وكذلك أجرة العمال والفعلة المظلومين، التي تشهد على ظلم سادتهم صارخة لله، وعمومًا يصرخ المساكين والمُذلون والمظلومون بقلوبهم صرخات خفية، ولكن الله يسمعها، ويستجيبها، كقول الله عن دم هابيل الصديق: "فَقَالَ: "مَاذَا فَعَلْتَ؟ صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ" (تك4: 10).
كشف الله أنه لا يتهاون في حق أحد حتى، ولو كان قاتلًا كقايين، لأن الله يجازي عن الشرور بغض النظر عن شخص فاعلها أو شخص من ارتكبت في حقه، إن الله يجازي الظالم سواء كان المعتدى عليه إنسان شريرًا أم بارًا. فالله لا يبرئ الشرير من شروره، لأنه قاضي عادل، كقوله: "الرَّبُّ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَعَظِيمُ الْقُدْرَةِ، وَلكِنَّهُ لاَ يُبَرِّئُ الْبَتَّةَ... " (نا: 1: 3).
رقم سبعة في الكتاب يشير إلى التمام والكمال، إن الانتقام لقايين بسبعة أضعاف يعني أن القاتل ينتظره عذاب أليم جدًا لا ينتهي بمرور الزمن لأنه عقاب أبدي. لقد فوض الله القضاة وأصحاب السلطان على الأرض أن يحكموا بين إخوتهم من البشر، ويعاقبوا المذنب بالمثل، ذلك لكي يرتدع الفجار والمستهزئين، كقوله: "فَافْعَلُوا بِهِ كَمَا نَوَى أَنْ يَفْعَلَ بِأَخِيهِ. فَتَنْزِعُونَ الشَّرَّ مِنْ وَسْطِكُمْ. وَيَسْمَعُ الْبَاقُونَ فَيَخَافُونَ، وَلاَ يَعُودُونَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ ذلِكَ الأَمْرِ الْخَبِيثِ فِي وَسَطِكَ" (تث19: 19- 20). ولكن محاكم البشر في الأرض ليست بديلًا لمحكمة السماء الإلهية. إن الشرائع البشرية تجازي بالمثل، لكن المجازاة أو العقاب في السماء هو عقاب أبدي لا ينتهي، كقوله: "وَإِبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ، حَيْثُ الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الْكَذَّابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلًا إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ" (رؤ20: 10).
← اقرأ هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت كتب أخرى لنفس المؤلف.
الخوف وسيلة هامة لردع الخطاة والجهال، كقول الكتاب: "وَخَلِّصُوا الْبَعْضَ بِالْخَوْفِ، مُخْتَطِفِينَ مِنَ النَّارِ، مُبْغِضِينَ حَتَّى الثَّوْبَ الْمُدَنَّسَ مِنَ الْجَسَدِ" (يه 23). لقد نبه الله قايين أنه لن يتهاون في حقه إذا اعتدى عليه آخر، لأنه سينتقم له سبعة أضعاف مع أن قايين كان شريرًا. فهل لا ينتقم الله من قايين لدم هابيل البار؟!
إن قول الرب: "لِذلِكَ كُلُّ مَنْ قَتَلَ قَايِينَ فَسَبْعَةَ أَضْعَافٍ يُنْتَقَمُ مِنْهُ" فيه تذكرة لقايين ولكل نفس مستهترة باليوم المخيف، الذي سيقف فيه الأشرار أمام الديان في خوف ورعدة، لا مثيل لها، كقول الكتاب: "فَإِنَّنَا نَعْرِفُ الَّذِي قَالَ: لِيَ الانْتِقَامُ، أَنَا أُجَازِي، يَقُولُ الرَّبُّ". وَأَيْضًا: "الرَّبُّ يَدِينُ شَعْبَهُ". مُخِيفٌ هُوَ الْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ!" (عب10: 30- 31).
كان لامك شرير جدًا، فهو أول من خرج على وصية الله، وتزوج امرأتين هما عادة وصلة، وقد ذكر الكتاب عنه أنه قتل رجلين انتقامًا لنفسه لإصابته بجُرح وبعض الرضوض، وقد وزاد على ذلك أنه كان متكبرًا يعظم نفسه، بقوله: "وَقَالَ لاَمَكُ لامْرَأَتَيْهِ عَادَةَ وَصِلَّةَ: اسْمَعَا قَوْلِي يَا امْرَأَتَيْ لاَمَكَ، وَأَصْغِيَا لِكَلاَمِي. فَإِنِّي قَتَلْتُ رَجُلًا لِجُرْحِي، وَفَتىً لِشَدْخِي" (تك4: 23).
لم يفهم لامك معنى انتقام الله لقايين بسبعة أضعاف، ولو كان قد فهم المعنى لكان أتقى الله وصار في خوف ورعدة من إغضابه، ولكان أيضًا امتنع عن الإيذاء والقتل، لكن ذهنه الغبي هيئ له أن قايين عظيم، لأنه سينتقم له بسبعة أضعاف، ونسى الجاهل أن الذي ينتقم هو الله؛ فوضع نفسه مكان الله، وقرر أن يُنتَقَمُ له بسبعة وسبعين ضعف. لم يدرك لامك أن الانتقام بسبعة أضعاف هو أقسى عقاب لأن المقصود به هو عقاب أبدي غير محتمل في الأبدية وليس على الأرض.
إن شر الأشرار يعميهم، ويُحَمَّق قلوبهم وعقولهم، أما مخافة الله فهي رأس الحكمة، لأنها تعطي الجهال فهمًا، كقول الكتاب: "وَقَاَل لِلإنسَاِن: هُوَذَا مَخَافَةُ الرَّبِّ هِيَ الْحِكْمَةُ، وَالْحَيَدَانُ عَنِ الشَّرِّ هُوَ الْفَهْمُ" (أي28: 28).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/beginning-of-time/divine-equity.html
تقصير الرابط:
tak.la/2qxhyg8