"وَقَالَ اللهُ: لِيَكُنْ نُورٌ... وَقَالَ اللهُ: لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ الْمِيَاهِ... وَقَالَ اللهُ: لِتَجْتَمِعِ الْمِيَاهُ تَحْتَ السَّمَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ الْيَابِسَةُ... وَقَالَ اللهُ: لِتُنْبِتِ الأَرْضُ عُشْبًا... وَقَالَ اللهُ: لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ السَّمَاءِ... وَقَالَ اللهُ: لِتَفِضِ الْمِيَاهُ زَحَّافَاتٍ... وَقَالَ اللهُ: لِتُخْرِجِ الأَرْضُ ذَوَاتِ أَنْفُسٍ حَيَّةٍ كَجِنْسِهَا: بَهَائِمَ، وَدَبَّابَاتٍ، وَوُحُوشَ أَرْضٍ. فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ" (تك1).
حياة الإنسان على الأرض لها بداية ونشأة. لقد أكد الرب أنه الخالق في بداية أسفار الكتاب المقدس (سفر التكوين) ومع هذا يتساءل البعض بالأسئلة الآتية:
كيف وجدت فيَّ هذه الحياة؟ مَن الذي أوجدني؟ لماذا أشتاق وأبحث عن أصلي ومصدر وجودي؟ لماذا تصرخ أعماقي فيَّ بحثًا عن أصلي، نشأتي، أجدادي، مكان مولدي، كل ما يتعلق بطفولتي وبمن سبقوني من أسلاف؟! لماذا لا يتوقف في داخلي هذا الحنين إلى الأصول الأولى؟!
البحث عن الأصول والجذور أمر غريزي. يعتز البشر بآبائهم وأجدادهم، ويفتخرون بانتسابهم لعائلات عريقة. لقد أسس البشر علم الأنساب الذي يبحث في أنساب الناس. إن اهتمام الإنسان بأصله أمر داخلي في أعماق النفس، يرتبط بكيان الإنسان. وليس ذلك فقط، لكن الاهتمام بالأصول أو الجذور يدفع المرء للبحث عن منشأه، وكيف تَكوّن الإنسان الأول، وهذا واضح من السؤال الشهير، الذي يسأله أغلب الأطفال قائلين: "أنا جيت إزاي ومنين؟".
إن جهل الإنسان بمصدر وجوده كارثة، لأن ذلك يقلل من شأن الإنسان، ويشعره بالدونية، ويجعله في حيرة من أمر مستقبله أيضًا. لقد سجل الوحي الإلهي في الإصحاح الأول من سفر التكوين الأوامر، التي أصدرها الله لتكوين ما لم يكن من جماد ونبات ومخلوقات حية. هذه الأوامر تشهد أنه يوجد إله خالق قدير، قد سبق وكون الخليقة من لا شيء. وقد شهد الوحي الإلهي لله الخالق، بقوله: "إِنِّي أَنَا صَنَعْتُ الأَرْضَ وَالإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ الَّذِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، بِقُوَّتِي الْعَظِيمَةِ وَبِذِرَاعِي الْمَمْدُودَةِ، وَأَعْطَيْتُهَا لِمَنْ حَسُنَ فِي عَيْنَيَّ" (إر27: 5). وقوله أيضًا: "أَنَا صَنَعْتُ الأَرْضَ وَخَلَقْتُ الإِنْسَانَ عَلَيْهَا. يَدَايَ أَنَا نَشَرَتَا السَّمَاوَاتِ، وَكُلَّ جُنْدِهَا أَنَا أَمَرْتُ" (إش45: 12).
إنني أحتاج على الدوام للخالق الذي يعرف عني كل شيء، حينئذ يمكنني أن أسكب ذاتي بين يديه، همومي، طموحي، ضعفي، معاناتي... إن الإنسان يجد راحته بين يدي خالقه، لأنه يثق أنه قدير، وأنه أمين لن يتركه، لكنه سيعين ضعفه، ويسدد احتياجاته، وأنه قادر أن يجدد طبيعته مرة أخرى، كقول داود النبي: "قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي" (مز51: 10).
لقد شُفيت السامرية بمجرد معرفتها للمسيح، الذي يعرف عنها كل شيء؛ فصرخت في فرحٍ قائلة: "هَلُمُّوا انْظُرُوا إِنْسَانًا قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هذَا هُوَ الْمَسِيحُ؟" (يو4: 29).
← اقرأ هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت كتب أخرى لنفس المؤلف.
قد يعتز المرء بنسبه لإنسان ذو مركز مرموق، أو ذو شأن. أما معرفة الله فهي فخر رجال الله القديسين. لقد اعترف كاتب سفر المزامير في فخر بانتسابه لله الخالق، بقوله: "يَدَاكَ صَنَعَتَانِي وَأَنْشَأَتَانِي. فَهِّمْنِي فَأَتَعَلَّمَ وَصَايَاكَ." (مز119: 73).
اشتُقَ لفظ أب من آب، وهو يعني الأصل أو المصدر. إن الكتاب المقدس يعلمنا أن الله الآب له حضن، كقوله: "اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّر" (يو1: 18).
إن الله هو أب البشرية كلها. لقد ذكر الوحي الإلهي في سلسلة أنساب الرب يسوع، أن آدم هو ابن الله، كقوله: "بْنِ أَنُوشَ، بْنِ شِيتِ، بْنِ آدَمَ، ابْنِ اللهِ" (لو3: 38).
إننا نحتاج التواصل، وتكوين علاقة مع خالقنا، الذي أعلن أنه ينتظر فاتحًا أحضانه لكل إنسان، وهذا يتفق ما أعلنه الكتاب المقدس عن طبيعة الله، بقوله: "وَنَحْنُ قَدْ عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا الْمَحَبَّةَ الَّتِي ِللهِ فِينَا. اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ" (1يو4: 16). إن الإنسان يحمل داخله فراغًا، لا يمكن أن يملؤه غير حب الله له، وهذا هو سر فرح القديسين.
ذكر الكتاب المقدس أن يوحنا الحبيب كان يتكئ على صدر يسوع. لقد أظهر هذا الرسول اعتزازه بحب الرب له في أكثر من موضع، كقوله: "وَكَانَ مُتَّكِئًا فِي حِضْنِ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ" (يو13: 23).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/beginning-of-time/creator.html
تقصير الرابط:
tak.la/v4b5h7f