"وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلهُ، فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ" (تك3: 1).
قد يتساءل البعض عن الوسيلة الماكرة التي استخدمتها الحية في غواية أم البشر حواء؟ وكيف تمكنت الحية بمكرها من تغييب عقلها، وسلب إرادتها؟ ولماذا انعدم خوف الله من قلبها، حتى تعدت على وصية الله، وخالفتها بجرأةٍ عظيمة؟
فيما يلي نوضح بالشرح كيف تغوي الحية الماكرة (إبليس) بني البشر، وتزين لهم طريق الموت والهلاك.
يستغل الشيطان الماكر طمع الناس، وطلبهم المزيد من أمور هذه الدنيا وطموحاتهم غير المتعقلة في إغواء، وإضلال الكثيرين منهم، كقول الكتاب: "لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ" (1تي6: 10).
إن الشيطان الماكر يقدم إغراءً على الدوام حتى يتمكن من اقتناص ضحاياه بسهولة. لقد أغرى الماكر أمنا حواء بغرض اجتذابها لفعل الشر، بقوله لها: "بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ" (تك3: 5).
وقد حاول إبليس تكرار نفس الحيلة الماكرة مع الرب يسوع في محاولة يائسة منه على جبلٍ عال في البرية، بقوله له: "وَقَالَ لَهُ: أُعْطِيكَ هذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي" (مت4: 9).
الإغراء هو عمل إبليس الأول لإهلاك بني البشر، وذلك بتجميل، وتزين طريق الخطية المؤدي لهلاك الجهّال منهم، وذلك ليخفي عن أعينهم ما ينتظرهم من هلاك ودمار، ويهيئ لهم طريق الخطية، لتبدو مستقيمة في أعينهم، ويُظهر لهم طريق الشر، وكأنه سيدر عليهم الكثير من المنافع والمكاسب العظيمة، كقول الكتاب: "تُوجَدُ طَرِيقٌ تَظْهَرُ لِلإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةً، وَعَاقِبَتُهَا طُرُقُ الْمَوْتِ" (أم14: 12). إن إبليس ينصب الفخاخ لبني البشر، حتى يقتنصهم ليصنعوا إرادته، كقول الكتاب: "فَيَسْتَفِيقُوا مِنْ فَخِّ إِبْلِيسَ إِذْ قَدِ اقْتَنَصَهُمْ لإِرَادَتِهِ" (2تي2: 26).
وهب الله الإنسان عقلًا قادرًا على التفكير والتأمل والتخيل والتصور، ولهذا تَمَكَّنَ الإنسان من معرفة الكثير من الحقائق الهامة من خلال موهبة التأمل والتخيل، التي هي بالحقيقة عونًا للإنسان في حياته اليومية، وسببًا في معرفة الله وخلاص نفسه، كقول الكتاب: "لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ" (رو1: 20).
يستغل الشيطان الماكر موهبة التخيل والتأمل التي حبا بها الله الإنسان في صناعة الشر. لقد أوحت الحية لأمنا حواء بما ستحصل عليه من عظمة كاذبة بالأكل من شجرة معرفة الخير والشر، وكيف ستصير هي وزوجها مثل الله الكامل المعرفة. لقد أوحت الحية لأمنا حواء بفكرة غير واقعية وهي أن تصير مثل الله، وتركتها لخيالها الخصب، تحلم، وتتوهم، وتتخيل حتى تأثرت عاطفيًا ونفسيًا، ونسيت أو تناست الموت الذي ينتظرها، ثم قررت التعدي على الوصية الإلهية.
← اقرأ هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت كتب أخرى لنفس المؤلف.
إن الكذب والإيحاء بغير الحقيقة هو وسيلة وحرفة إبليس لخداع وضلال الناس، إنه الشرير الذي لا يعرف الحق مطلقًا. لقد أسماه الوحي الإلهي الكذاب، قائلًا: "... ذَاكَ كَانَ قَتَّالًا لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَق. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ" (يو8: 44).
يزرع إبليس (الحية الماكرة) كمًا هائلًا من الظنون الرديئة في عقل وقلب البشر كل يوم، ولكن أبناء الله القديسين بنعمة الله قادرين أن يكتشفوا كذب وضلال تلك الظنون. ولهذا هم يرفضون كذب وضلال إبليس، ويظلوا ثابتين في طاعة المسيح الرب، كقول معلمنا بولس الرسول: "إِذْ أَسْلِحَةُ مُحَارَبَتِنَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً، بَلْ قَادِرَةٌ بِاللهِ عَلَى هَدْمِ حُصُونٍ. هَادِمِينَ ظُنُونًا وَكُلَّ عُلْوٍ يَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَمُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ" (2كو10: 4- 5).
يتأكد ضلال الإنسان عندما يفقد بصيرته فيعمى عن الحق. لقد وصف الرب يسوع الفريسيين بالعميان، لأن إبليس أبوهم قد أعمى بصيرتهم عن الرب يسوع الطريق والحق، كقوله: "اُتْرُكُوهُمْ. هُمْ عُمْيَانٌ قَادَةُ عُمْيَانٍ. وَإِنْ كَانَ أَعْمَى يَقُودُ أَعْمَى يَسْقُطَانِ كِلاَهُمَا فِي حُفْرَةٍ" (مت15: 14).
لقد نطق داود النبي بأعظم طلبة متضرعًا بها لله، وهي أن يعطيه الله استنارة وبصيرة كي لا يضل، وكي لا يهلك، قائلًا: "انْظُرْ وَاسْتَجِبْ لِي يَا رَبُّ إِلهِي. أَنِرْ عَيْنَيَّ لِئَلاَّ أَنَامَ نَوْمَ الْمَوْتِ، لِئَلاَّ يَقُولَ عَدُوِّي: "قَدْ قَوِيتُ عَلَيْهِ". لِئَلاَّ يَهْتِفَ مُضَايِقِيَّ بِأَنِّي تَزَعْزَعْتُ" (مز13: 3- 4).
حذر الرب يسوع الكتبة المتكبرين من الاستجابة لأفكار وظنون الشر الرديئة، قائلًا لهم: "... لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِالشَّرِّ فِي قُلُوبِكُمْ؟" (مت9: 4). ولكن كيف تستنير العينين بدون الصلاة والتضرع لله ودراسة كلمة الله.
إن عين الإنسان الروحية بحسب تعليم الرب هي بصيرته التي ينيرها الله، كقول الكتاب: "سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا" (مت6: 22).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/beginning-of-time/assumptions.html
تقصير الرابط:
tak.la/tqm3q33