16- أبواب التوافق مع الناس: كيف تنسجم مع الناس بسهولة؟⁽¹⁾

هناك شكوى غريبة للغاية وخطيرة جدًا وتعتبر مشكلة بكل المقاييس لفئة معينة من الناس، قد تكون أنت واحدًا منهم، وقد يكون أنا، وقد يكون أخوك، وقد تكون أختك، وقد يكون أي إنسان تعرفه وقريب منك، وعيوب هذه المشكلة تكمن في عدم المقدرة على التوافق أو التأقلم مع الناس، وفقدان ما يسمى "بالانسجام مع الآخرين"، فإذا ما ذهب أحدهم إلى مكان ما، أفتقد القدرة على الانسجام مع الآخرين، ولم يتقبلهم هو، ثم كرد فعل مباشر لن يتقبله الآخرون أيضًا.

وأتذكر دعاء لأحد الفلاسفة يقول فيه: "يا رب أعطني من لدنك علمًا يخدمني به ذوو العقول ولا تعطني منصبًا أخدم به ذوى الحظوظ" فهو يتضرع إلى الله طالبًا علمًا يستطيع به أن يفتح الأبواب المغلقة التي تمنعه من الوصول إلى نفوس الناس وتعرقل الانسجام به.. إنه يريد أن يحظى بالتوافق والانسجام مع الناس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وما دمنا نتحدث يا صديقي عن الأبواب المغلقة التي تمنع الإنسان من الوصول إلى نفوس الناس وتعرقل الانسجام به، فمن الواجب عليك أن تعرف تلك الأبواب لتتعرف على المفتاح الحقيقي الذي يمكنك من فتح تلك الأبواب على مصراعيها كي تصبح إنسانًا اجتماعيًا من الطراز الأول قادرًا على اكتساب ثقة الناس والتأثير عليهم.

St-Takla.org Image: Painting by D'Agaggio - Ambivalence صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة للفنان داجاجيو: تكافوء الضدين

الباب الأول.. هو نفسك أن تعرف قدر نفسك وتضعها في المكانة اللائقة بها دون إسراف في ذلك أو تقصير، وثق يا صديقي أنك لو عرفت عن وعى المكانة اللائقة التي تريدها لنفسك فستعرف حتمًا معنى الانسجام مع الناس وتحرص عليه وتتدرب على إتيانه، وثق أن من يضع نفسه فوق قابليتها يكون دائمًا أقل سعادة ممن عرف قدر نفسه.

والباب الثاني.. هو "الحب" والتسامح والتخلي عن سوء الفهم وتحمل الفشل إن وجد، وثق يا صديقي أن الإنسان السوي لا يستطيع الحياة بدون التسامح وبدون القدرة على تحمل الفشل مع الآخرين إن وجد، لأن هذا يعنى إن حدث أن يكون عليه أن يوفق بين نفسه والمجتمع الذي يعيش فيه. ومن مفاتيح هذا الباب قدرتك على تقبل نقد الناس وشكواهم بصدر رحب وأن تكون هادئًا حين يوجه إليك النقد أو اللوم أو الاعتراض، ومستمعًا جيدًا لناقديك.

الباب الثالث.. هو "الخدمات" أن تبادر بتقديم الخدمات والمساعدات للغير دون أن تنتظر أن يشكروك، وكثير من الناس يهجرون راحتهم للاهتمام بالآخرين ومساعدتهم ويكتفون بذلك الشعور الرائع من السعادة نتيجة كونهم مصدرًا لسعادة الناس، ويؤكدون أن فعلهم هذا يجعلهم يشعرون بلذة لا تعادلها لذة.

الباب الرابع.. "معرفة مشاكل الآخرين" وتفهمها وخاصة المشاكل النفسية، والتعامل معهم على أساس مراعاته لها، ولا بُد أن تساعد الآخرين على اجتياز كل مشاكلهم سواء النفسي منها أو المادي دون أن تشعرهم أنك تعلم كل متاعبهم ومشاكلهم، وبدون أن تشعرهم أنك تتدخل في شئونهم الخاصة، وكذلك الحال أن تلاحظ ما يفعلون وما يحبون من هوايات والموضوعات التي يتلذذون بالحديث فيها، فهذا كفيل بأن يجعل خط الانسجام يبدأ بينكم ولا ينتهي.

الباب الخامس.. "التحفظ في الكلام" ويعنى إنه يجب عليك أن تسمع أكثر مما تتكلم، وقيل أن الإنسان له فم واحد بينما له أذنان اثنان كي يسمع ضعف ما يتكلم، لأنها حكمة جيدة يجب أن تدركها ليس أنت فحسب بل نحن جميعًا، وتذكر الحكمة التي تقول: "الكلمة أسيرة في وثاق الإنسان، فإذا تكلم بها صار هو في وثاقها".

الباب السادس.. "الابتعاد عن الجدال" ويبدو أن أفضل أسلوب لتجنب التنافر مع الناس والاصطدام بهم هو الابتعاد عن الجدل الذي يؤدى إلى التوتر ويصل إلى العداء والكراهية، وإذا تحدثت مع إنسان فحاول أن تتجنب الأمور التي لا تتفق معه فيها وأن تختار الموضوعات التي أنتما فيها معًا على رأى واحد وفكر واحد، فهذا كفيل بإيجاد الانسجام والتوافق.. وتجنب كلمة "لا" التي تعنى الرفض وتوتر الأعصاب، والذي يستخدمها كثيرًا يؤلم نفسه أكثر، ويحرم نفسه من لذة القبول والموافقة والتقبل من الناس.

وما عليك سوى أن تبدأ بفتح الأبواب الستة بابًا بعد الآخر.. وعندها ستدخل في دائرة الانسجام من أوسع أبوابها وتحظى بقبول وتقبل الناس لك بلا أي تحفظ، كل ما مطلوب منك بعد ذلك أن تجيد مهارات التأثير فيهم وعليك أن تكون قادرًا على اكتساب ثقتهم وحبهم تقديرهم لك على الدوام..