سبقت يد الله ومهدت الطريق لفهم كل أسرار العهد الجديد، كسر التجسد وسر الفداء وسر الإفخارستيا. وذلك من خلال كل أحداث وطقوس العهد القديم، بل ومن تعاليم الربيين اليهود الأمناء، وهذا ما رأينا مثالا له في الصفحات الماضية. وكنا قد رأينا في الصفحات الماضية ماذا أعد الله لنا في سر الإفخارستيا الذي سيتممه في خروجه الجديد أو العبور الثاني أو الخروج الثاني.
كان العشاء الرباني هو فصح جديد فهو: (1) ليس عشاءً عاديًا. (2) ولم يكن عشاء فصح يهودي عادى. بل أن المسيح حقق لتلاميذه ما كانوا يتوقعونه وفهموه من تعاليم الربيين، أنه في ليلة من ليالي الفصح اليهودي سيحقق المسيا المنتظر العبور الجديد أو الخروج الجديد، ويقدم لهم فصح جديد. وهذا ما عمله المسيح فعلًا. ولكنه بتأجيله شرب الكأس الرابع حتى الصليب، وحَّد بين صليبه وبين الفصح الجديد أي العشاء الرباني، وأمر تلاميذه أن يكون هذا الفصح أبديا "اصنعوا هذا لذكرى". فالمسيح قدم نفسه ذبيحة فصحية جديدة وطلب الأكل من جسده كما يؤكل لحم الخروف ولكن على صورة خبز وخمر.
رأى القديس يوحنا المسيح "في وسط العرش.. خروف قائم كأنه مذبوح" (رؤ5: 6). وهذا القول فيه شرح لسر الإفخارستيا. فالمسيح هو الخروف الذي قدم ذبيحة لكنه قائم أي حي.. وهكذا شرح بولس الرسول قائلا "لأن فصحنا أيضًا المسيح قد ذبح لأجلنا" (1كو5: 7 - 8). وبهذا الفصح جعلنا المسيح نعبر من حياة العالم إلى الحياة مع الله. وكما كان اليهود يرتحلون سنويًا إلى أورشليم ليعيدوا هناك عيد الفصح، صرنا نحن كمسيحيين في كل قداس الآن، وبالفصح الجديد ننتقل إلى أورشليم السماوية.
أعطى المسيح بالعشاء الرباني معنى الفصح اليهودي. فكان الفصح القديم نبوة مسبقة عن الفصح الجديد، بل وكان نبوة مسبقة عن انتقال وعبور الكنيسة للمجد السماوي.
ولاحظ أنه بالإفخارستيا يظل الصليب حاضرًا كل الأيام، والفصح الجديد (الإفخارستيا) حاضرًا كل الأيام، وتظل ذبيحة المسيح التي قدمها على الصليب حاضرة كل الأيام ولنهاية الأيام. وصار لقب المسيح كما قال الملاك للمريمات بعد قيامته "يسوع المصلوب.. لأنه قام كما قال" (مت28: 5، 6).
صار المسيح هو الذبيحة الحية في الإفخارستيا دائمًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. هو كما رآه القديس يوحنا في السماء "في وسط العرش... خروف قائم كأنه مذبوح" ولاحظ أن الملاك لم يقل عن المسيح "يسوع القائم من الأموات" بل يسوع المصلوب، ومع أن الملاك قال عن المسيح... أنه قام ولكن المسيح يريد الاحتفاظ بلقب المصلوب. ولذلك يقول بولس الرسول لأهل غلاطية "أنتم الذين أمام عيونكم قد رسم يسوع المسيح بينكم مصلوبا" (غل3: 1). فالمسيح يريد أن يظل بيننا، مقدما لنا نفسه في صورة المحبة الفائقة، المسيح المصلوب والحي القائم من الأموات، على صورة الذبيحة الحية الإفخارستية، غفرانا لخطايانا (بموته) وحياة أبدية أعادها لنا (بقيامته). وهكذا ركز بولس الرسول على صورة المسيح المصلوب أمام أهل غلاطية كما عمل الملاك مع المريمات يوم القيامة.
وهذا ما كان يعنيه القديس بولس الرسول بقوله "فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع. طريقا كرسه لنا حديثا حيا بالحجاب أي جسده" (عب10: 19، 20).
حديثا = NEW وأصل الكلمة باليونانية (PROSPHATOS) وتعنى "مذبوح حديثًا" وهي كلمة مشتقة من فعل يعنى ذبح حيوان لأكله أو لتقديمه ذبيحة وذلك بحسب قاموس (strongs) الأمريكي. وتعنى أيضًا أن هذه الذبيحة هي ذبيحة (fresh) أي مذبوحة حالًا وهذا أيضًا بحسب نفس القاموس.
حيًا= وهنا نجد صفة جديدة لهذه الذبيحة وهو أنها ليست ميتة بل هي حية، فهي جسد المسيح المتحد بلاهوته الذي لا يموت = "خروف قائم كأنه مذبوح" (رؤ5: 6).
هذه هي ذبيحة الإفخارستيا التي نقدمها يوميًا على مذابح كنيستنا، المسيح بنفسه وسطنا،
بجسده المذبوح يعمل على أن تموت فينا الحياة العتيقة (الإنسان العتيق) فتغفر خطايانا. ولكن جسده هذا حى بلاهوته فيعطينا حياة أبدية.
وهذا ما نردده في القداس......"يُعطى لغفران الخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه".
هذه الذبيحة هي عينها التي قدمت على الصليب، لأن الذي يقدم على المذبح الآن هو حمل الله نفسه الذي قدم ذاته على الصليب لأجل خطايا العالم. والمسيح صلب مرة واحدة ولن يصلب ثانية (عب25:9+ عب1:10-3 + 11، 12). قدم المسيح نفسه ذبيحة دموية على الصليب، وفي الإفخارستيا تتم الاستحالة Transubstantiation بطريقة سرية بدون هرق دم ولا موت، لذلك تسمى ذبيحة غير دموية. وهذا بالضبط ما عمله المسيح ليلة خميس العهد.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-antonios-fekry/jewish-eucharist/sheep.html
تقصير الرابط:
tak.la/56m6xpt