ثانيًا:- عظة المسيح عن خبز الحياة (يو6: 35 - 58)
فخاصم اليهود بعضهم بعضا قائلين كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكل. فقال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم أن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم. من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير. لان جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق" (يو6: 53 - 55).
هل قصد المسيح هذا الكلام حرفيًا أو رمزيًا؟ وكيف يقدر المسيح أن يجعل جسده ودمه مأكلًا ومشربًا؟ وألا يعتبر هذا كسرًا للناموس الذي يمنع شرب الدم. وهل كما يقولون أن هذا يجعلنا من آكلي لحوم البشر. إن تلاميذ المسيح الذين لم يفهموا كلامه انصرفوا عنه وقالوا إنه كلام صعب ولم يتقبلوه. والمسيح تركهم ينصرفون وأصر على أقواله ولم يقبل أي حل وسط. فكما تذمر آباءهم على المن قديما تذمروا هم على المن الجديد. ومن تذمروا وانصرفوا فهموا الكلام عن الجسد والدم بمعناه الحقيقي وليس الرمزي.
وحدث من قبل أن المسيح تكلم رمزيًّا ولم يفهم تلاميذه فشرح معنى كلامه، كما حدث في مثل الزارع وكلامه عن الخمير. ولكن هنا لم يقل المسيح أنه يقصد شيئًا آخر، بل "قال يسوع للاثني عشر ألعلكم انتم أيضا تريدون أن تمضوا". ولم يقل بطرس يا رب لم نفهمك.. أو.. فسر لنا هذا المثل... كما قالوا في مثل الزارع مثلًا، بل أخذوا كلام المسيح عن الجسد والدم حرفيًا.
ووجدنا أن المسيح قد أعطى لتلاميذه مفتاحين للفهم في الآية:
"فإن رأيتم ابن الإنسان صاعدا | إلى | حيث كان أولا" | |||
↓ |
↓ |
||||
صاعدا = تشير لقيامته وصعوده | حيث كان أولا= تشير لأنه سماوي |
فلا يقدر إنسان عادى أن يقول هذا الكلام ويعطى جسده مأكلًا، ونحن لا نأكل جسده الميت، فهذا هو ما يسمى الأكل من لحوم البشر، ولكن الأكل سيكون من جسده الحي الذي قام من الأموات. ولذلك ربط المسيح الأكل من جسده بالحياة الأبدية لمن يأكل. فالجسد الذي نأكله فيه حياة أبدية.
وبعد الصعود لن يبقى جسده محددًا ومرتبطًا بزمان أو مكان. بل يظهر بالصورة التي يريدها وفي أي مكان كما ظهر لتلميذى عمواس في الطريق، وظهر للأنبا بيشوي كرجل كبير محتاج، ودخل العلية والأبواب مغلقة. وهكذا نأكل من جسده فيدخل فينا وبالصورة التي يريدها هو، وبالصورة التي يتقبلها الإنسان، أي الخبز والخمر وبهذا تدخل فينا حياته.
* أخذ زوينجل البروتستانتي كلمة المسيح "الروح هو الذي يحيي. أما الجسد فلا يفيد شيئًا. الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" (يو6: 63). وانتزعها من سياق الكلام وقال أن كلام المسيح مجازي:-
ولكن المسيح لم يقل أن جسدي لا يفيد شيئا، وإلا لعارض المسيح نفسه في هذه الآيات التي كرر فيها ضرورة الأكل من جسده، وأن الأكل من جسده هو شيء أساسي (ذكرت كلمة جسدي 6 مرات في 7 آيات من 51 - 57).
لو كان المسيح يقصد المعنى الرمزي وأن الجسد لا يفيد شيئا، أما كان يكتفي بقوله تأكلون جسدي دون أن يتعرض لشرب الدم، فشرب الدم هذا - هو مرفوض تمامًا من اليهود بل ومنفر لهم.
ولاحظ أنه قال الجسد لا يفيد شيئا، ولكنه لم يقل أن الدم لا يفيد شيئا، فهل الجسد كان رمزًا وكان الدم حقيقة.
وهل يفترض زوينجل والبروتستانت أن جسد المسيح الذي تجسد به وصلب به أنه لا يفيد شيئا. والكتاب يقول "والكلمة صار جسدًا" ليموت المسيح بجسده ويقوم لخلاصنا (يو1: 14).
هل يمكن أن نأخذ كل كلام المسيح أنه رموز كما فعل زوينجل؟ قطعًا لا يمكن. فالمسيح حينما قال "الروح هو الذي يحيي" فهل كان يقصد بالروح هنا المعنى المجازي؟ قطعًا لا. ولاحظ أنه في (يو4: 24) "الله روح" فهل الله شيء رمزي. ولاحظ أن الكلمة المستخدمة في اليونانية لا تعنى رمز، ففي كلًا العهدين كلمة روح لها معنى الواقع أكثر من أي شيء في العالم المادي.
والجسد وحده لا يفيد شيئًا، لكن الجسد المتحد باللاهوت يعطى حياة.
ولكن نفهم قول المسيح عن الجسد أنه جسده كما يراه اليهود أمامهم، فهم قالوا عنه "أليس هذا ابن النجار. أليست أمه تدعى مريم وإخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا" (مت13: 55) ولذلك قال لهم المسيح مرة "أنتم تحكمون بحسب الجسد" أي بحسب مظهر الجسد الذي أمامكم (يو8: 15).
وكما رفض الفريسيين المسيح لأنهم رأوه إنسانًا، ولم يعرفوا أصوله السماوية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. هكذا هنا هم رفضوا كلامه وانصرفوا لأنهم لم يفهموا طبيعة المن السماوي غير الطبيعي. ولم يفهموا أن المسيح سيعطيهم جسده المقام من الأموات بطريقة معجزية تحت أعراض الخبز والخمر.
لقد قال المسيح أشياء صعبة على مسامع اليهود، وربما هي صعبة على كثيرين حتى اليوم، ولم يحاول أحد أن يفسرها رمزيًّا مثل:- * كما قال للمفلوج "مغفورة لك خطاياك". * وكما قال عن نفسه "رب السبت" حينما قطف تلاميذه السنابل يوم السبت. والله هو الذي عمل السبت * "أنه أعظم من الهيكل" والهيكل يسكنه الله ولا شيء أعظم من الهيكل إلا الله نفسه. * "قبل إبراهيم أنا كائن"، وكائن لا تقال سوى عن الله. * "أنا والآب واحد". لذلك حاولوا رجمه عدة مرات. فهذه كلمات لا يقولها سوى الله. وهكذا لا يقول تأكلوا جسدي سوى الله الحي ليعطينا حياة أبدية.
وما قاله المسيح هنا كان متفقا مع تعاليم الربيين، ففي تفسيرهم قالوا "إن من يخدم الرب حتى الموت سيستحق خبز العالم الآتي". ويعنى العالم الآتي في تعاليم اليهود هو زمن الخلاص. وفي هذا الزمن ليس فقط أن الله ينفذ وعده بإرسال المسيا بل أن الله سيجدد الخليقة كلها بإقامة الأموات وتغيير صورة العالم المرئي إلى سموات جديدة وأرض جديدة (إش64، 65).
فهل هذا الخبز هو خبز عادى الذي كان اليهود ينتظرونه من المسيا المنتظر، بل كان ما قاله المسيح متفقًا تمامًا مع إيمانهم ورجائهم فهم قالوا..أن من يخدم الرب بأمانة سيستحق خبز العالم الآتي وهذا في زمن الخلاص. وقارن هذا مع قول الرب"أن من يأكل هذا الخبز (المن الجديد) سيقوم ويحيا إلى الأبد" (آية54).
"في هذا الزمن سينفذ الله وعده بإرسال المسيا الذي يجدد الخليقة بالقيامة من الأموات وتغيير صورة العالم لسماء جديدة وأرض جديدة".
* فهل يأتي المسيح ويكلمهم عن رموز، ويعطيهم خبزًا عاديًا، وهل من يأكل خبز عادى يحيا للأبد!!
* وهل بهذا الفكر الرمزي يكون المسيح هو المسيا الذي ينتظرونه. ألا تكون فكرة الطعام العادي محبطة لليهود الذين يسمعونه.
* ولنقارن بين حديث المسيح في يو6 وبين كلمات المسيح في العشاء الأخير، ونرى أنهما متوازيان فنفهم أن المسيح قصد في حديثه في (يو6) ما نفذه ليلة خميس العهد. ونرى أن المسيح حين أراد أن يتكلم عن الإفخارستيا لم يشر للفصح ولا خبز الحضرة بل للمن النازل من السماء بحسب توقعات اليهود في زمان المسيح.
· أثناء حديثه في يو6 |
· العشاء الأخير ليلة خميس العهد |
· الخبز الذي أنا أعطى |
· هذا |
· هذا جسدي |
· هذا جسدي |
· عن حياة العالم |
· هذا لكم |
* فما له هذه الأهمية ويعطى حياة لمن يأكله لن يكون شيئًا رمزيًا.
* ولاحظ أن هناك شيئان فقط في الكتاب المقدس الأكل منهما يعطى حياة أبدية (1) شجرة الحياة التي في جنة عدن. (2) هذا الخبز السماوي الذي يعطيه المسيح والذي يتكلم عنه هنا. ويقول المسيح أنه الخبز النازل من السماء. وربما يشير هذا لمفهوم اليهود أن المن موجود في السماء وقبل السقوط مثل شجرة الحياة التي في الفردوس. ومع كل هذا فلو كان قصد المسيح أن الإفخارستيا مجرد طعام عادى ما كان المسيح قد استخدم تشبيه المن وله كل هذه القدسية عند سامعيه من اليهود.
شرب الدم
منع الله شرب دم الحيوانات في العهد القديم وشرح هذا بأن الحياة في الدم (لا17: 11). ولنفس السبب أعطانا المسيح دمه لنشربه. وهكذا كانت حياة المسيح في دمه. والمسيح أراد لنا أن نشترك في حياته المقامة من الأموات وهي حياة أبدية، لنحيا أبديًا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-antonios-fekry/jewish-eucharist/bread-of-life.html
تقصير الرابط:
tak.la/m9s8fx6