أتى المسيح ليؤسس ملكوت الله على الأرض، وليملك هو عليها. فكان لا بد من التصادم مع الملك السابق، رئيس هذا العالم، عالم الخطية، ولا بد من هزيمته. وبدأ الملك السابق في تجربة الرب يسوع. وهذا ما حدث مع كل أباء العهد القديم. وكانت هذه البداية، أي تجربة الشيطان للمسيح غريبة تمامًا عن الفكر اليهودي الذي تصوروه عن المسيا المنتظر. ففى أقوال اليهود "أن الشيطان سيسقط على وجهه مدحورا ومهزومًا هزيمة كاملة أمام المسيح" وفي أسطورة أخرى قال أحدهم أن المسيح سيجلس على جناح الهيكل ليعلن مملكته ويعلن عن ساعة الخلاص وخضوع الأمم الكامل. ويقف المسيح أعلى الهيكل ويقول لليهود "يا مساكين إسرائيل، لقد إقتربت الساعة لفداء إسرائيل فإفرحوا في نورى الذي أشرق عليكم". وفي هذا الوقت يجعل الله نور المسيح يشرق على إسرائيل فقط". ويأتى كل العالم ليلحسوا التراب الذي تحت أقدام المسيح، ويسقطوا بوجوههم أمام المسيح وأمام شعب إسرائيل قائلين "نكون خداما للمسيح ولإسرائيل". وسيكون لكل إسرائيلى 2800 خادم [هذه مأخوذة عن (زك8: 23)]. وفي هذه اللحظة يرفع الله المسيا إلى سماء السموات ويُسْقِط عليه من مجده وعظمته أمام كل الأمم. وواضح التناقض بين ما كان عليه الفكر اليهودي عن موقف المسيح على قمة الهيكل، وبين تجربة الشيطان له على جناح الهيكل. ففى الإنجيل نجد الشيطان يقترح أفكارا على المسيح ضد فكر الله ليجربه.
وهزم المسيح الشيطان في هذه التجارب، ليكون هذا الإنتصار لحساب البشر. فكل ما إنتصر فيه المسيح يمكن لنا نحن الآن كبشر أن ننتصر فيه، فنحن على خطى المسيح. كل إنتصار كان للمسيح كإنسان، ولحساب الإنسان. المسيح إنتصر بإنسانيته لحساب الإنسانية. "صعدت إلى العلاء. سبيت سبيا. قبلت عطايا بين الناس وايضا المتمردين للسكن ايها الرب الاله" (مز68: 18 + أف4: 8).
ونلاحظ أن المسيح في إنسانيته كان قد شابهنا في كل شيء، كان إنسانًا كاملًا، كما كان آدم إنسانًا كاملًا ولكنه كان له الضعف الإنساني، عرضة للخطية ولكنه لم يخطئ. ولكن كما كان آدم قبل السقوط بلا فساد هكذا كان المسيح. وبينما كان آدم قادرًا على أن لا يخطئ، كان للمسيح أيضًا طبيعة قادرة على أنها لا تخطئ، ولكنه أيضًا غير مؤهل لأن يخطئ.
كان آدم قادرًا على أن يكون كاملًا، وقادرًا على أن ينتقل من حالة القدرة على عدم الخطية إلى حالة عدم القدرة على الخطية، ويكون ذلك من خلال الطاعة لله. وكانت الطاعة لإرادة الله هي العمل العظيم الذي قام به المسيح وفشل فيه آدم. وكان ذلك لأن المسيح ابن الله، وطبيعته الإنسانية متحدة بالطبيعة الإلهية، وأنه وضع أمام عينيه دائما أن يصنع إرادة أبيه.
والفرق بين روايتيّ القديس متى والقديس لوقا هو أن القديس متى أورد تجربة الهيكل قبل تجربة ممالك الأرض، بينما فعل القديس لوقا عكس ذلك. وربما فعل لوقا ذلك لأنه يوجه إنجيله إلى الأمم. وهذا التدرج يتفق مع فكر الأمم.
وبعد معمودية الرب قاد الروح القدس المسيح للبرية (مت4: 1)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وكان هذا ليس ضد رغبته ولكن هو منقادا تمامًا بالروح القدس لينفذ إرادة أبيه ليجربه الشيطان. وكان أن جرب الشيطان آدم الأخير (المسيح) كما جرب آدم الأول. وكانت تجربة آدم الأول أسهل كثيرًا فهو في جنة فرحًا لا ينقصه شيء، بينما كان المسيح في البرية صائما تمامًا. ولكن المسيح كان واضعا أمام عينيه تأسيس ملكوت الله على الأرض وأن هذا سيكون بالخضوع الكامل لقيادة الروح القدس. وهكذا بدأت الطاعة لأبيه في البرية بإحتمال ألام الجوع والعطش وإستمرت خلال ثلاث سنوات ونصف من المعاناة من رفض اليهود، وإنتهت بألام الصلب وتخلى الكل عنه. كل ذلك طاعة لأبيه وبدون أي معونة إلهية. وكان عرض المجرب أن يطلب من الآب ليحول له الحجارة إلى خبز وتنتهى معاناته، ولكن أليس في هذا الطلب رفضا لكلمة الله أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة من فم الله. وهنا السيد لا يريد أن يغير إرادة أبيه ويطلب شيئا لنفسه. ونفس ما قيل هنا يقال عن التجربتين الأخيرتين، ففى الأولى عرض الشيطان على السيد وسيلة سهلة لجذب الناس للإيمان بأن يلقى نفسه والملائكة تحمله لينزل وسط الكهنة والجموع فيؤمنوا به. والتجربة الأخرى أن يعطيه كل ممالك العالم، ويعطيها هو ويقسمها على من يشاء. ويجعل كل الأمم تأتى لله خاضعة مسبحة ومعها تقدماتها لله، وبهذا يملك الله على كل العالم. ولكن كلا الطريقتين ليستا بحسب إرادة الله أبيه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-antonios-fekry/jesus-the-messiah/temptation.html
تقصير الرابط:
tak.la/b3cjk9b