(لو11: 37 - 54)
نرى هنا وسط الكراهية المستمرة من الفريسيين للرب يسوع، أن أحد الفريسيين يدعو الرب للغذاء في بيته ومعه عدد من الكتبة والفريسيين. ولقد حذر الرب الفريسيين مرات من تصرفاتهم، ولكن نجد هنا التحذير الأخير لهم خلال خدمة الرب في بيرية. وهناك تحذير مشابه لهم في الأسبوع الأخير في أورشليم (مت23). وكانت هذه الدعوة بعد إتهامه أنه يخرج الشياطين بواسطة بعلزبول. تعجب الفريسي من أن الرب لم يغسل يديه قبل الأكل. ونرى السيد هنا يهاجم الكتبة والفريسيين بشدة، ولنتصور مدى الكراهية بعد هذا الهجوم.
كان لحم الخراف عند يهود فلسطين هو المفضل والمشهور على موائد الأغنياء، أما لحم الأبقار فهو نادر الإستخدام. أما الدعامة الأساسية فهي الخبز وكان عندهم أنواع متعددة تتراوح ما بين خبز الشعير إلى كيكة الأرز والمخبوزات الفاخرة كأنواع البسكويت. وكانت كلمات البركة التي تسبق الأكل تقال على الخبز وهذه البركة تشمل الباقى كاللحم أو السمك أو الخضروات. وهناك كلمات بركة أخرى تقال على النبيذ وما يليه من المشروبات. بل هناك كلمات بركة تقال على كل صنف، وإن أكل أحد بدون نطق كلمات البركة يعتبرونه كأنه أكل شيئا مخصص لله لأن المزمور يقول "للرب الأرض وملؤها". ولكن مع جمال مبادئ، بل وأهمية ووجوب الصلاة ونطق كلمات البركة نجد الأفكار العجيبة لعقليات الربيين وجدالهم الذي لا ينتهى - إذا أضيف شيء مكمل على طعام أساسى فهل كلمات البركة التي قيلت على الطعام الأساسى تكفي، ومناقشات وحوارات حول كلمات البركة التي يجب أن تقال على طبق يحتوى عدة أصناف، أو فواكه متعددة، بل لو وضعت فاكهة لها أوراق فهناك كلمات لكل من الثمرة وللورق. وحينما يتم الجلوس على المائدة فهناك ترتيب يجب الإهتمام به، فالربيين أولًا وكلٌ بحسب ما يستحق من الإكرام، وهناك ترتيب من يجلس عن اليمين ومن يجلس على اليسار، ويعتبر هذا من الشرائع الدينية. ثم يأتي غسيل الأيدى وهذا له نظام فهم يأتوا بالماء ويغسلوا يد واحدة لمن يجلس على المائدة ثم تقال كلمات البركة على النبيذ ثم يأتون بالماء ثانية ويغسلون اليدين معًا. ويقدم الماء للأكثر إستحقاقا أولًا ثم بالترتيب. ثم تقال كلمات البركة على الخبز. ويرد الجميع قائلين آمين. ولا ينطق كلمات البركة وثنى أو عبد أو كاسر للناموس (ولا يجلس على مائدة واحدة رابى ومعه إنسان عامى غير متعلم). ثم يقطع من على رأس المائدة قطعة من الخبز من الرغيف الأساسى (وفي السبوت يوضع رغيفين) وينطق كلمات البركة على قطعة الخبز (وإختلفت مدارس الربيين حتى في هذا، فهل تنطق كلمات البركة ثم يقطع الخبز أم يقطع الخبز ثم تنطق كلمات البركة). وعلى مائدة الصباح يقول كلمات البركة كل واحد من الجالسين على المائدة لنفسه. ثم يتكرر هذا على النبيذ. ومن طرق الإحتيال اليهودية قالوا أن كلمات البركة التي تقال على الطعام يقولها من يقولها واضعا في نيته أنها تشمل النبيذ. ويجمعون الكسر بعد إنتهاء الطعام بعناية وتغسل الأيادى ثانية ثم تقدم صلوات شكر يرددها من هو على رأس المائدة ويكررها المجتمعون وراءه. وهناك إتيكيت لكل شيء، فالطعام يبدأ بغمس قطعة خبز في ملح أو نوع من الصوص المملح، ويبدأ الأكثر إستحقاقا بغمس لقمته ويليه كل واحد بحسب الترتيب. والنبيذ يشربونه ممزوجا بالماء وتقال كلمات البركة على النبيذ بعد إضافة الماء بنسبة 3 (ماء): 2 (نبيذ). وكان لديهم أنواع كثيرة من الخمور فهناك النبيذ الأحمر من شارون، وهناك النبيذ الأسود وهناك الحامى (من العسل والفلفل) وهناك المخلل المصنوع من العنب الذي لم ينضج أو من بقايا عصير العنب وهو مشروب مُبَرِّد. وهناك خمر البلح، وهناك أنواع مختلفة من البلدان المجاورة والبيرة من بابل ومشروب الشعير من مصر وغيرها من مشروبات عصير الفواكه. وقوائم الطعام متعددة من اللحوم والأسماك الطازجة والمحفوظة. بل كان لهم أطباق فاتح شهية ويليها الطبق الأساسى وينتهى الطعام بالفواكه والزيتون. وهناك إتيكيت للمائدة فليس من التهذيب الكلام أثناء الأكل، ويتم تمييز من يستحق الإكرام بنصيب مضاعف. ومن الإتيكيت أن يتطابق الضيف مع مضيفه في مشاعر الحزن أو الفرح. ومن جوانب إظهار التقوى دعوة الفقراء وإعطائهم نصيبا كبيرا. ومن الأداب أن لا يأتي الضيف معه بضيف آخر. وعلى كل فرد على المائدة أن يخدم نفسه. وهناك آداب لكل شيء فحين يُطلب الشرب فعلى الكل أن يرفع كأسه ويبقيه في يده فترة قليلة ثم يشرب. ومفروض أن لا يمسح أحد طبقه، وإن مد يده وأخذ قطعة خبز فلا يعيدها، ولا يعطى أحدا لجاره من طعامه أو شرابه. ولا يلقى أحد بقطعة من خبزه أمامه على المائدة. وبعد الإنتهاء من الطعام تجمع الكسر بعناية. وغير ذلك كان الظن أن الشيطان يجلس على المائدة. وفي نهاية الأكل يحرقون روائح جميلة. أما في السبت فيضعون على المائدة أفخر الأطعمة.
أما طعام الفقراء فنجده جراد مقلى مع دقيق أو محفوظ ولا يتلون عليه كلمات بركة لأن الذي يأكلونه من ضمن ما صدر عنه لعنة الأرض. ويأكلون الخبز الرخيص بعد وضعه في اللبن أو حساء من الخضار والبصل فقط وإذا أمكن قطع لحم. والفقراء جدًا يأكلون خبزا مع قطعة جبن أو خيار أو خضروات.
بعد كل هذا وبعد أن رأينا نظام الأكل وغسل الأيادى، لنا أن نتصور ماذا شعر به هذا الفريسي حين رأى الرب لم يغسل يديه. وهناك إحتمالين:-
1. أولهما لو كانت المأدبة ليلا فينطبق عليها النظام السابق شرحه.
2. ثانيهما لو كانت المأدبة صباحا فالإتيكيت أن يذهب كل شخص ويغسل يديه بنفسه. وهذا هو الإحتمال الأكبر. فالرب لو قدم له أحدًا مياه التطهير لم يكن ليرفض. وبسبب هذا التصور رجح الكاتب أن تكون المأدبة هنا نهارا بعد إنتهاء الطقوس والصلوات النهارية.
وبالتالي نتصور أن السيد ذهب مباشرة للمائدة دون أن يغسل يديه ولم يلتزم بالتقاليد. وكانت هناك خلافات شديدة وحادة بين مدرستى هليل وشماى - هل تغسل اليدين قبل صب النبيذ في الكأس أو بعد صب النبيذ. وأين تُرمى فوط تجفيف اليدين بعد تجفيفها. لذلك أراد الرب إعطاء درس لهؤلاء الفريسيين في تفاهة هذه الأمور وأن الإهتمام يكون بالطهارة الداخلية. ولنفهم أن هذه التفاهات تنحدر بالمستوى الروحي للشخص. والرب جاء وتجسد من أجل تطهير الداخل والعمق الروحي.
هاجم الرب مخالفتهم للناموس في موضوع عدم إكرام الوالدين وعدم مساعدتهم. وهنا يهاجم موضوع فهمهم للتطهير. فهم يعتبرون أن علامة الطهارة للفريسي غسل اليدين وأن لا يأكل من شيء لم تخرج عشوره أولًا، وأن لا يأكل مع غير الفريسيين الطاهرين. وكان شيئا معتادا بين الفريسيين أن يوبخوا من لا يدفع العشور. وربما لأن المسيح لم يغسل يديه دار الحديث على المائدة حول العشور. والعارف بالقلوب ربما عرف أن هذا الفريسي أراد أن يكلمه عن دفع عشوره حينما رآه تغاضى عن غسل يده، وكأنه يريد أن يقول للمسيح كما أنك لم تهتم بغسل يديك كقانون من قوانين الطهارة فأنت لا تهتم بدفع عشورك. وبالمنطق الفريسي لقوانين الطهارة فقد وجد أنه لا يصح أن يجلس معه من لا يهتم بقوانين الفريسية في التطهير. فتكلم المسيح عن كل هذا في توبيخه لفكر الفريسيين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-antonios-fekry/jesus-the-messiah/eating.html
تقصير الرابط:
tak.la/566gzr7