1- بينما أن العذراء ليس لديها شيء شبيه بهذا لتتحمله وليس من اضطراب في مسكنها المتواضع ولا مجال للصراخ في محضرها والسكون يسود قلبها كمثل ميناء هادئ، وما هو أكمل أيضًا من السكون وهو صفاء نفسها لأنها لا تشغل نفسها بالأرضيات، بل ولا تكف عن مناجاة الله وتثبيت أنظارها نحوه، فمن يستطيع أن يقيس هذه البهجة؟
أية لغة تستطيع أن تعبّر عن سعادة النفس التي أفرزت نفسها هكذا؟ بالطبع لا يوجد أي لغة تستطيع (التعبير) ولكن الذين وضعوا كل بهجتهم في الرب هم فقط الذين يعرفون عظم هذه البهجات والتلذذات ويعرفون كم أن أي مقارنة عاجزة عن ترجمة (عظم هذه البهجة).
![]() |
2- مع أن رؤية مبلغ كبير جدًا من المال يمارس بالأخص على العيون جاذبية قوية، فكم من المفضل التأمل في السماويات من أجل أن نجمع لأنفسنا بهجة هكذا بأكثر عظمة، إذ بقدر سمو الذهب على الصفيح والرصاص، هكذا تسمو السماء من أجل بهائها وجلالها على الذهب والمال وكل الماديات الأخرى.
وهذا التأمل (في السماويات) خالي من الهم، بينما الآخر (تأمل المال) يصحبه قلق وهم عميق، يكون له دائمًا تأثير مزعج على رغباتنا. ولكن ألا تريد أن تنظر للسماء؟ تستطيع أن تنظر المال معروضًا في الأماكن العامة (يقصد موائد الصيارفة) "لتخجيلكم أقول هذا" (1كو 6: 5) إن تكلمت على طريقة الطوباوي بولس، إذ أنكم تندفعون حتى إلى الجنون في محبتكم للمال، وحقًا فأنا لا أعرف بأي لغة أكلمكم لأني واجد نفسي في منتهى الحيرة، لأني لا أستطيع أن أفهم كيف أن كل الجنس البشري عندما تُمنح له سعادة في الهدوء وراحة البال لا يجد فيها أي نوع من اللذة، بينما يجد منتهى لذّته في الهم والشد والجذب والقلق.
3- لماذا المال المعروض في السوق ليس له في أعينكم نفس الجاذبية مثل المال الذي لكم في المنزل؟ مع أنه له بريق أكثر ونفوسنا حرة من كل قلق من جهته، فتردون: لأن هذا المال ليس ملكي، بينما الآخر (الذي في المنزل) هو ملكي.
إذن فإن الطمع هو الذي ينتج اللذة وليس طبيعة المال، لأن في مثل هذه الحالة كان يجب أن تجدوا في المال الآخر (المعروض في السوق) جاذبية ولذة مماثلة.
أتتعلل بالمنفعة؟ ولكن الكأس بالأكثر إذ أن الأغنياء أنفسهم يطلبون في الغالب أن تُصنع كؤوسهم بهذه المادة (الفضة)(73) وإن صادف أن كبريائهم يجبرهم على استعمال المال أيضًا، فهم يضعوا أولًا الكأس في الداخل ولا يغطونه بالفضة إلا من الخارج، برهان على أن الكأس يصير أكثر قبولًا وصالح بالأولى للشرب، وما الفضة إلا مجال للتباهي والكبرياء. ثم ماذا يعني هذا التعبير: هذا لي وذاك ليس لي؟ فعندما أفحص هذه التعبيرات بتدقيق لن أكتشف فيها إلا كلمات بسيطة.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
4- كثير من الناس حتى أثناء حياتهم يرون المال الذي اقتنوه هرب من بين أيديهم دون أن يستطيعوا إبقاءه! والذين احتفظوا به للنهاية لساعة موتهم سيفقدون لذتهم فيه إن طوعًا وإن كرهًا، هذا ليس فيما يخص الذهب والفضة فقط، ولكن فيما يتعلق بالحمامات والحدائق وكل ما يوجد في بيوتهم ويُعبّر عنه "هذا لي وذاك ليس لي" فيظهر التعبير مجرد كلمة بسيطة، لأن الاستخدام عام للكل وإن الذين يدّعون الملكية فنصيبهم في الاهتمام والهم بخصوص هذه الأشياء أكثر من الآخرين، والبعض يقنع بيوم (ملكية لشيء) والآخرين بكل الإزعاج والهم الذي يسلمون أنفسهم له ويجمعون بالضبط نفس النتيجة التي تحصلها الأولون ولكن مع تعب كثير.
_____
(73)علينا ونحن نقرأ هنا أن نربط بين الفضة كعملة نقدية والفضة كمادة ثمينة لطلاء الكؤوس لكي نفهم المقصود هنا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/kv7n3gz