![]() |
1- إنه لم يقل: إنني أعطيكم رأيًا كإنسان قد أؤتمن على رسالة الإنجيل واُعتبر أهلًا لبشارة الأمم ووكل إليه توجيهكم، وهو معلمكم ومرشدكم. ولكن ماذا قال: "كمن رحمه الله أن يكون أمينًا" وهو بهذا يجلب سبب أقل أهمية. لأن كون الإنسان مؤمن أقل أهمية من كونه معلم المؤمنين - بل إنه حتى تفكر بأن يخفض من قدر ذاته بطريقة أخرى. كيف؟ إنه لم يقل إنسان أمين، ولكن "كمن رحمه الله أن يكون أمينًا" فهو يعتبر ليس فقط الرسولية والتبشير والتعليم كسخاء إلهي (عليه) بل حتى الإيمان نفسه منُح له برحمة الرب إذ أن الرحمة ابنة النعمة وليس له استحقاق في شيء من كل هذا.
2- وهكذا لولا أحشاء رحمة الله فليس فقط ما كنت سأصير رسولًا بل ما كنت حتى سأقتني الإيمان.
أترون (معي) الأحاسيس الجميلة لهذا الخادم وتواضع قلبه؟ أترون كم أنه لا ينسب لذاته شيء أكثر مما هو للآخرين؟ حتى وإن كان يشارك تلاميذه في الإيمان، إلا أنه لا يعتبره من عمله، بل هو من عمل الرحمة والنعمة الإلهية، وهو تقريبًا بهذه الكلمات كأنه يقول: لا تزدروا بأن تقبلوا مني نصيحة لأن الله نفسه لم يستنكف أن يمنحني رحمته. وزيادة على ذلك فالأمر يتعلق به برأي وليس بأمر: إنني أنصح ولا أقنن. وهو هنا يعرّف ويقدم أفكار نافعة ليضعها أمامهم في الوسط، وأي قانون لا يستطيع أن يمنع خصوصًا عندما لا يكون إلا بناء على توسل السامعين مثل بالتحديد الأمر بالنسبة لكم، إذ قال "أظن أن هذا حسن لسبب الضيق" (1كو 7: 26). أنظر هوذا واحدة من المرات العديدة التي يتحفظ فيها في كلامه ويخليه من كل سلطان، إذ أنه من الممكن أن يعبّر هكذا: من حيث أن الرب لم يوص بالبتولية (كالتزام) فأنا أيضًا لن أوصي بها، ومع ذلك فأنا أنصحكم وأحثكم على ممارستها بغيرة (ونشاط) لأنني رسولكم.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
3- مثل ما قاله بالتحديد مخاطبًا إياهم بعد ذلك بقليل: "إن كنت لست رسولًا إلى آخرين فإنما أنا إليكم رسول" (1كو 9: 2)، ولكن هنا لم يعبّر بأشياء من هذا القبيل، بل كانت كلماته كلها مغلّفة بإفراز عظيم، فبدلًا من أن يقول: أنا أنصحكم، يقول: أنا أعطي رأيًا، وبدلًا من أن يقول "من حيث كوني معلم" يقول "كمن رحمه الله أن يكون أمينًا.
وكما لو كانت حتى هذه التعبيرات لا تكفي لتعطي الدعة لكلامه، ومن بداية كلمات نصحه، فهو في معزل عن (استخدام) السلطان، لأنه بكل بساطة لم يشرح (كلامه) ولكن أضاف سبب: "أظن أن هذا حسن لسبب الضيق الحاضر" (1كو 7: 26)، أو عندما تكلم عن التعفف لم يستخدم التعبير "أظن" ولم يعط إيضاح، بل قال ببساطة "إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا" (1كو 7: 8)، بينما كتب هنا أظن أن هذا حسن لسبب الضيق الحاضر. فإن تصرف هكذا فليس كأنه متشكك من رأيه - فهذا شيء مستبعد- ولكن ينتظر تاركًا اتخاذ القرار بحسب تقدير (واستحسان) سامعيه. وهذا ما يفعله كل من يعطي مشورة، فهو لا يجزم ويلزم من ذاته لصالح ما يدعو إليه، ولكن يترك قرار الفصل في الأمر لسامعه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/john-chrysostom-virginity/humility-of-paul.html
تقصير الرابط:
tak.la/jfq3694