 |
1- إنني أعرف المصاعب التي يواجهها من يشرع في عمل مثل هذا، وأعرف شدة القتالات والعبء الثقيل لهذه الحرب، إذ يجب أن تكون النفس مكافحة وذات غيرة وتجاهد حتى إلى ما فوق الطاقة ضد الأهواء والشهوات. لأنه يجب المشي على الفحم (المتقد) دون احتراق والتقدم على نصل سيف دون إنجراح، لأن الشهوة (نحو الجنس الآخر) لها قوة مشابهة لقوة النار والفولاذ، فإذا لم تُنتشل النفس حتى تظل فوق هذه الأهواء فهي لن تتأخر عن الهلاك. لهذا يتحتم أن يكون لنا قلب من الماس (الصلب) وعين مفتوحة على الدوام وصبر في كل التجارب وحصون قوية وأسوار خارجية ومزاليج وحرّاس يقظين وشجعان، وقبل كل هذا تدّخل ومعونة من فوق "لأنه إن لم يحرس الرب المدينة فباطل سهر الحراس" (مز 126: 1).
2- كيف نحصل على مثل هذا التدخل والمعونة؟ عندما نشارك بتقديم كل ما هو متوقف علينا: أفكار نقية -ثبات بلا تزعزع في الصوم والسهر- تدقيق شديد في الوصايا واحترام الأوامر والقوانين. ونقطة أساسية هي الحذر من البر الذاتي، فإذا حدث وأنجزنا أعمالًا عظيمة فلنردد في أنفسنا دائمًا: "إن لم يبني الرب البيت فباطلًا يتعب البناءون" لأن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات (أف 6: 12). ويجب علينا الليل والنهار أن نراقب أفكارنا ونكون في وضع الاستعداد للحرب من أجل إرهاب تلك الأهواء الوقحة، لأن من يتراخى ولو قليلًا فالشيطان له بالمرصاد والنار في يديه، وهو مستعد لطرحها (في قلب المتراخي) والإحاطة بهيكل الله (داخلنا). فمن كل جانب يجب أن نوجد أقوياء لأننا في نضال مع متطلبات الطبيعة (الجسدية) والحياة الملائكية هدفًا لسعينا ونحن نجري في السباق إلى جانب القوات غير المتجسدة، ونحن التراب والرماد نطمح لمساواة أولئك السمائيين، والفاسدون يقاتلون من أجل عدم الفساد.
3- قل لي هل يُتجرأ أيضًا وتُقارن ملذات الزواج بمثل هذه الحالة؟ ألن يكون هذا منتهى الغباء؟ من أجل هذا بولس وهو مدرك لكل هذا قال: "ليكن لكل واحد امرأته" وهذا هو السبب الذي لأجله تحاشى بولس ولم يجرؤ على الحديث عن البتولية من الأول، فهو اجتهد بعض الوقت للتحدث عن الزواج مع النية للتسحب شيئًا فشيئًا ليكرس بعض كلمات مختصرة عن البتولية، وقد حشرها ضمنًا في حديثه عن الزواج لأنه يريد أن يتجنب انصداد الأذن بصرامة نصائحه وتوجيهاته. والخطيب الذي لا يشكل خطابه إلا أفكارًا صارمة من البداية للنهاية سيسبب الانزعاج لسامعيه؟ وغالبًا ما يجبر نفوس الكثيرين على الرفض لأنها غير قادرة على تحمل ثقل كلماته، ولكن الذي يقدم التنوع في أحاديثه ويجعله خليطًا حيث الأشياء السهلة تأخذ مساحة أكبر من تلك التي هي صعبة وغير مقبولة، فيزيل ثقل كلامه على من يسمعه وتنشرح روحه ويُقنع وينال بغيته بأكثر سهولة. وهذا هو بالضبط ما فعله المغبوط بولس.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
4- لقد قال أولًا "إنه حسن للرجل ألا يمس امرأة" ثم قفز في الحال إلى موضوع الزواج وقال "ليكن لكل واحد امرأته"، أما عن البتولية المطوّبة، فقد اكتفى بالقول "إنه حسن للرجل ألا يمس امرأة" ولكن بالنسبة للزواج فقد أضاف عليه دافعًا قائلًا "من أجل الزنا". وهكذا أظهر لنا سبب تصريحه بالزواج. وفي الحقيقة فالسبب الذي قدمه والمختص بالزواج يحمل في ثناياه تعظيم وتقريظ للبتولية. وهو لم يكشف هذا في تعبيرات واضحة، ولكن تركها لضمير سامعيه. فالحث على الزواج ليس لأنه هو كمال الفضيلة، لأن بولس لا يخليه من مسحة الشهوانية، فمن فهم هذا يسعى بالتملص منه سعي من يتخلص من شيء يثير الخجل والارتباك، ويبذل قصارى جهده ليعتنق بأكثر سرعة البتولية ليبعد عن نفسه مثل هذه السمعة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/john-chrysostom-virginity/great-benefit.html
تقصير الرابط:
tak.la/h93y29f
