1- هذا هو وقت فرح ومسرّة الروح. ها هي قد قربت أيام اشتياقنا وحبنا، أيام زيجتكم الروحانية. فإذا دعونا ما يجري اليوم زواجًا، فليس في هذا ذلل، (إذ) يمكننا أن نسمي ذلك ليس زواجًا فحسب، بل أيضًا نوع عجيب وغير عادي من الانخراط في سلك الجندية حيث أنه لا يوجد تعارض بين الزيجة والخدمة العسكرية. ولكن لكي لا يظن أحد في وجود تعارض، فليصغ إلى الطوباوي بولس الرسول والمعلم المسكوني الذي استخدم كلًا من هذين التشبيهين، فهو يقول في موضع: "خطبتكم لرجل واحد، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2كو 11: 2). وفي موضع آخر يتكلم كمن يسلّح جنودًا يتهيأون للقتال: "ألبسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس" (أف 6: 11). أترون كيف أن القديس بولس يستخدم كلًا من التشبيهين؟
2- حقًا إنه يوجد اليوم فرح في السماء وعلى الأرض، لأنه إذا كان يوجد مثل هذا الفرح بسبب خاطئ واحد يتوب (لو 15: 7)، فكم بالأولى يكون الفرح عند الملائكة ورؤساء الملائكة وجميع القوات العلوية مثلما هو بين الخليقة التي على الأرض عندما يرى الجميع جمعًا كبيرًا يسخر من شباك الشيطان فجأة ويتطلع باشتياق إلى أن يُكتتب في قطيع المسيح!
![]() |
3- فهلموا إذن لأكلمكم كما أكلم عروس على وشك أن تُقاد إلى خدر العرس المقدس، ودعوني أقدم لكم أيضًا لمحة عن غنى المسيح الفائق والجود الذي لا يُعبّر عنه الذي يظهره لعروسه، ودعوني أشير إلى الماضي الذي تهرب منه والمستقبل المجيد الذي هي على وشك أن تتمتع به. وإذا أردتم فدعونا أولًا نجردها من ثوبها ونرى الحالة التي هي عليها ورغم حالها الرديء، فالعريس لا يزال يسمح لها أن تأتي إليه، وهذا يفسر لنا بوضوح كرم ربنا كلنا غير المحدود. إنه لم يخطبها كعروس له، لأنه تطلع إلى حسنها أو جمالها أو نضارة جسدها، بل بالعكس العروس التي أحضرها إلى خدر عُرسه مشوهة وقبيحة ودنيئة وممتلئة تمامًا بالخزي، متمرغة في طين وحمأة خطاياها!
4- والآن إذ قد صار لنا فهمًا حقيقيًا لهذه النقطة، دعونا نتيقن بوضوح كيف كانت العروس قبلًا مشوهة وحينئذ سنتعجب من كرم وجود السيد. فبماذا يمكن أن يكون أقبح من تلك النفس التي جنحت عن سمو طبيعتها ونسيت ميلادها السامي الذي من فوق ومالت نحو عبادة الأصنام الحجرية والخشبية والبهائم والوحوش وأشياء أقل مرتبة من هذه، تلك النفس التي زادت من قبحها برائحة شحم المحرقات والدم النجس ودخان الذبائح؟!
لأنه من تلك الأصول ينشأ على الفور استعراض المسرات والملابس المزركشة المبهرجة والسُكر والعربدة والخلاعة والتصرفات المشينة التي تجلب السرور للشياطين الذين يخدمونهم.
5- ولكن عندما رأى السيد الصالح عروسه -في مثل هذا التورط والانحراف إلى ما يمكن أن أسميه هوة الإثم ذاتها- رآها عارية وسمجة، لم يلتفت إلى قباحتها أو فقرها المدقع أو فظاظة شرورها، بل أظهر جوده الفائق وقبلها في حضرته. هذا هو استعداده الذي يكشفه عندما يقول بفم النبي: "اسمعي أيتها الابنة وانظري وأميلي أذنك، وأنسي شعبك وبيت أبيك فيشتهي الملك حسنك" (مز 45: 10-11).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
6- انظر كيف من البداية يكشف عن صلاحه إذ يتنازل ويسميها "ابنة"، تلك التي كانت عاصية لدرجة أنها أعطت نفسها للأرواح النجسة. وليس هذا فحسب، بل تأمل أيضًا في أنه لا يطلب سردًا لآثامها ولا يشترط دينونتها، ولكنه فقط يشير عليها ويحثها أن تصغي إلى نصيحته وعتابه وتقبلهما، وهو يشجعها أن تنسى ماضيها.
7- أما رأيت جوده الذي لا يعبر عنه؟ أرأيت اهتمامه السخي؟ إن داود النبي عندما قال تلك الكلمات "اسمعي يا ابنتي..." قد خاطب العالم كله في تورطه المحزن. والآن هذه هي فرصتنا أن نعلنها للذين تاقوا إلى نير المسيح والذين أسرعوا إلى ذلك الاكتتاب الروحي؛ هذا هو الوقت الذي ارفع فيه صوتي وأقول لكل واحد منكم كلام النبي: أنتم يا جنود المسيح الجدد، أنسوا الماضي كله، أنسوا طرقكم الشريرة، اسمعوا وأميلوا آذانكم وخذوا هذه النصيحة التي هي أفضل النصائح والتي فيها يقول داود النبي: "اسمعي أيتها الابنة وانظري وأميلي أذنك وأنسي شعبك وبيت أبيك" (مز 45: 10).
8- ها أنتم ترون أننا اليوم نعطي لجماعتكم المحبوبة نفس النصيحة التي أعطاها النبي للعالم كله لأنه بقوله: "أنسي شعبك" قصد عبادة الأصنام والضلال وعبادة الشياطين، وبقوله "بيت أبيك" يعني أنسي سلوكك السابق الذي قادك إلى هذا الخزي. أنسوا كل هذه الأمور واطرحوا من أذهانكم أي شيء يتجمع فيها ليصور لكم الماضي، لأنكم إذا فعلتم ذلك وحده وتنحيتم عن شعبكم وبيوت آبائكم، أي من الفساد القديم والشر الذي تورطتم فيه والذي ضيعتم فيه نضارة نفوسكم وأجسادكم، فإن الملك يشتهي حسنكم.
9- أنتم ترون أيها الأحباء أن حديثي يخص النفوس لأن قباحة الجسد المادي لا يمكن أن تتغير (وتتحول) إلى جمال. فقد أشار السيد أن الطبيعة من حولنا ليست خاضعة للحركة أو للتغيير، أما النفس البشرية فمثل هذا التغيير فيها سهل وبسيط جدًا. لماذا وكيف ذلك؟ إن الموضوع كله بالنسبة للنفس يتعلق بحرية الاختيار أكثر من خضوع الطبيعة لحكم الضرورة(91). وعلى ذلك فالنفس المشوهة والقبيحة جدًا إذا أرادت فجأة أن تغير نفسها فيمكنها أن تفعل ذلك ويمكنها أن تصعد إلى قمة الجمال وتصير مرة أخرى جميلة وحسنة الشمائل. أما إذا ازدادت إهمالًا فيمكن أن تتدنى مرة أخرى فتصير في أقبح الأحوال. إذن فالملك يشتهي حسنك إذا نسيت الماضي "شعبك وبيت أبيك" كما يقول النبي.
_____
(91) أي أنه بينما قوانين الطبيعة غير قابلة للتغيير (إلا بتدخل إلهي مباشر)، فإن إرادة الإنسان حرة يمكن تغييرها في أي وقت وإلا لما كان هناك معنى لتوبيخات وتحذيرات القديس يوحنا ذهبي الفم للذين سقطوا في خطايا خطيرة بعد المعمودية حيث أن عمل النعمة فيهم يتوقف على رغبتهم في التغيير. وفي إحدى عظاته يقول إن كثير من الموعوظين يترددون في الاعتماد قائلين: إذا أراد الله ذلك فسيحدثني عليه" فأجابهم بأنه واضح أن الله يريد الجميع يخلصون ولمكنه لا يجبر أحدًا. إذًا فالأمر يتوقف عليك أن تنظر وترى أن مشيئة الله قد تمت.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/vfyx6ff