10- أترى صلاح الرب؟ إذن فلم يكن باطلًا أو بدون سبب أنني في بداية حديثي سميت ما يتم هنا "زواجًا روحانيًا". إن الزواج الذي يمكن رؤيته بالعين الجسدية يستحيل فيه على العروس أن تتحد بزوجها اتحادًا كاملًا، إلا إذا نسيت والديها اللذين ربياها، وسلّمت مشيئتها بالكامل للذي سيقترن بها كعريس لها. لذلك فالطوباوي بولس يسمي الزواج سرًا، لأنه بعد أن قال "من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدًا واحدًا" تفكر في قوة الرباط وصرخ بذهول قائلًا: "هذا السر عظيم(92)" (أف 5: 31-32).
![]() |
11- نعم فهو حقًا عظيم، فأي رجاحة عقل بشري يمكنه أن يدرك طبيعة ما يحدث في الزواج عندما يتفكر الإنسان في كيف أن الزوجة الشابة التي تربت على لبن أمها وحُفظت في البيت واعتبرت مستحقة لمثل هذه التربية والاهتمام الفائق، ثم فجأة عندما تحين ساعة الزواج تنسى آلام ولادة أمها لها وكل عنايتها بها وتنسى الحياة في أسرتها مع رباطات محبتها لها، وبالاختصار تنسى كل شيء وتسلّم كل مشيئتها لذلك الرجل الذي لم تره من قبل؟ وهكذا تتغير حياتها بالكامل حتى أنه بعد ذلك يصير هذا الرجل هو كل شيء لها، إذ أنها تعتبره أباها وأمها وزوجها وكل قريب لها يمكن ذكره، فلا تعود تذكر الذين اعتنوا بها سنوات هذا عددها. هكذا تكون الوحدة بين الزوجين بالتصاق ومودة حتى أنهما لا يصيران فيما بعد اثنين بل واحدًا.
12- وقد رأى آدم المخلوق الأول بعين النبوة هذا الأمر وقال "هذه تُدعى امرأة لأنها من امرءٍ أُخذت، لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدًا واحدًا" (تك 2: 23-24) ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الزوج لأنه هو (أيضًا) ينسى والديه وبيت أبيه ليتحد ويلتصق بالزوجة التي أُعطيت له في ليلة الزواج. وأكثر من ذلك فإن الكتاب المقدس لكي يكشف عن توفق هذا الاتحاد لم يقل أنه يتحد بزوجة، بل قال "يلتصق بامرأته"، بل أن كلمة الله لم تكتف بذلك بل أضافت القول "ويكونان جسدًا واحدًا. ولهذا السبب شهد المسيح أيضًا عن ذلك بقوله "إذًا ليسا بعد اثنين بل جسدًا واحدًا" (مت 19: 6) وهكذا يكون الاتحاد ودودًا ومتماسكًا حتى أن الاثنين يكونان جسدًا واحدًا.
أخبرني أي تقدير للأمور يمكنه أن يكشف ذلك، أي قوة منطق يمكنها أن تفهم ما يحدث هنا؟ ألم يكن ذلك المعلم المبارك للعالم كله على حق في قوله أنه سر؟ وهو لا يقول أنه مجرد سر، بل يقول "هذا السر عظيم"
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
13- فإذا كان الزواج هكذا محسوب في عالم الحقائق أنه سر بل وسر عظيم، فبماذا يمكن أن يقال عن الزواج الروحي؟ فطالما كل شيء يتعلق بالتدبير الروحاني فلنلاحظ باهتمام أن الأمور هنا تأخذ مجراها بطريقة مضادة لنظام الحواس، ففي الزواج المرئي بالعين الجسدية لا يسمح أحد لنفسه أن يتخذ أية زوجة دون أن يجتهد في أن يعرف ليس فقط جمالها وحسنها وحسب، بل أيضًا يهتم أكثر جدًا بمعرفة ثروتها.
14- أما في الزواج الروحاني فلا يوجد شيء من ذلك. لماذا؟ لأن هذا الطقس يختص بالتدبير الروحاني. إن عريسنا يسرع بجوده إلى أن يخلص نفوسنا. فحتى لو كان الإنسان قبيحًا أو لا يجد نعمة في عيني الآخرين، شديد الفقر، دنئ المستوى، عبدًا، منبوذًا، مشوهًا، ينوء تحت ثقل خطاياه، فالعريس (الإلهي) لا يدقق في ذلك ولا هو فضولي، ولا يطلب حسابًا دقيقًا عن حياة الإنسان (السابقة)، فهباته التي يعطيها، هي من كرم ونعمة السيد (الرب) فهو يطلب شيئًا واحدًا فقط لنفوسنا وهو أن ننسى الماضي ونظهر إرادة صالحة للمستقبل.
_____
(92) واضح أن كلمة سر mystery هنا التي تعني عمل الله الخفي قد أُخذ منها السر الكنسي sacrament حيث أن روح الله يعمل في كل سر كنسي أيضًا بطريقة سرية خفية غير مرئية بالعين الجسدية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/john-chrysostom-baptismal-instructions/marriage.html
تقصير الرابط:
tak.la/5m78xa7