1- إن معلميكم الممتازين قد ملئوا أوعيتكم الروحية حسنًا خلال هذه الأيام الأخيرة وقد استمتعتم بنصحهم الروحي الوفي بينما أنتم تشاركون في البركة العظيمة الآتية من رفات الشهداء القديسين. لكن حيث أن الناس الذين قد توافدوا -في هذا اليوم- إلى اجتماعنا من الضواحي قد جعلوا اجتماعنا أكثر بهاء فمقابل ذلك نصع أمامهم وليمة روحية أكثر غنى ومملوءة بنفس الحب العظيم الذي أظهروه لنا. لنقدم لهم هذا العوض ونباري شعورهم نحونا ولنسعى لأن نظهر لهم حفاوة سخية إن كانوا لم يترددوا في أن يصنعوا مثل هذه الرحلة الطويلة ليعطونا بهجة عظيمة بحضورهم، فمن باب أولى يتوجب علينا أن نضع أمامهم هذا الغذاء الروحي لكيما يأخذوا منه ما يكفي ليقوتهم في طريق عودتهم إلى ضواحيهم.
![]() |
2- لأنهم إخوتنا وأعضاء حقيقيين في جسد الكنيسة، إذًا فلنقبلهم كأعضاء في جسدنا ذاته ونظهر لهم بهذه الطريقة حبنا الخالص لهم. ليتنا لا نلتفت إلى حقيقة أن لهجتهم مختلفة عن لهجتنا، بل لنلاحظ باعتناء العقيدة السليمة لنفوسهم ولا ننظر إلى لسانهم الأعجمي(101)، لنعلم نوايا قلوبهم وأنهم يبرهنون بالعمل الأشياء التي -في حبنا للعقيدة السليمة- نسعى أن نعلّمها بالكلمات لأنهم أتموا بالأعمال وصية الرسول الذي يأمرنا أن نحصل على قوتنا بالعمل بأيدينا.
3- لأنهم سمعوا بولس الرسول عندما قال "ونتعب عاملين بأيدينا" (1كو 4: 12)، وأيضًا قوله "حاجاتي وحاجات الذين معي خدمتها هاتان اليدان" (أع 20: 34) فبسعيهم لتنفيذ هذه الوصية وبنفس العمل الذي عملوه، فإنهم يتكلمون بلغة أكثر بلاغة من الكلمات وأظهروا بأعمالهم أنهم يستحقون البركة الآتية من المسيح، لأنه يقول: طوبى لمن عمل (وصاياي) وعلّمها" (مت 5: 3-11، 19)، لأنه عندما يكون التعليم من واقع الأعمال -عمليًا- هو الذي يقود (مسيرة) الطريق فلا توجد هناك حاجة للتعليم بالكلمات (شفويًا). مع ذلك يمكنكم أن تروا هؤلاء الناس منهمكين في كليهما. ففي وقت ما يقفون قريبين من المذبح المقدس ويقرأون الكتب المقدسة ويعلّمون أولئك الذين يسمعون كلماتهم، وفي وقت آخر يكدون في فلاحة الأرض عندما يجرون المحراث ويصنعون أخاديد في الحقل ويبذرون البذار ويضعونها في باطن الأرض. وأيضًا في وقت آخر يمسكون محراث التعليم ويبذرون بذار التعاليم الإلهية في نفوس تلاميذهم.
4- لذلك ليتنا لا ننظر ببساطة في مظهرهم ولغتهم التي يتكلمون بها، بينما نغفل فضائل حياتهم، بل لنلاحظ بتدقيق الحياة الملائكية التي يحيونها وحب الحكمة الظاهر في طريقتهم في الحياة. لقد أبعدوا من حياتهم كل رخاوة وتساهل مع النفس. إنهم ليسوا فقط قد تخلوا عن هذه الأشياء، بل أيضًا تخلوا عن السلوك المتراخي الشائع عادة في المدن. إنهم لا يأكلون إلا ما يكفي لقوت الحياة فقط، وكل بقية وقتهم يشغلون أذهانهم بالتراتيل والصلوات الدائمة، مقتدين في هذا بطريقة حياة الملائكة.
5- تمامًا مثل تلك القوات غير المتجسدة لهم عمل واحد وحيد وهو أن يسبحوا بكل طريقة تسابيح لخالق كل الأشياء كذلك أيضًا هؤلاء الناس العجيبون يعضدون حاجات الجسد فقط لأنهم مربوطين بالجسد، ولكن بقية أوقاتهم يكرسونها للتراتيل والصلوات. لقد قالوا وداعًا لمباهج الحياة الحاضرة وبسمو سلوكهم يسعون ليجعلوا مرؤوسيهم يقتدون بهم. من يستطيع أن يهنئهم بالقدر الذي يسحقونه؟ لم يأت أي تعليم لهم من خارج بل أنهم تعلموا الحكمة الحقيقية وقد أظهروا بالأعمال إتمام كلمة الرسول القائلة "إن جهالة الله أحكم من الناس" (1كو 1: 25).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
6- ها أنتم ترون هذا القروي البسيط الذي لا يعرف شيئًا غير الزراعة وفلاحة الأرض، مع ذلك هو لا يهتم للحياة الحاضرة، بل يرسل أفكاره طائرة إلى الأشياء الحسنة المخزونة فوق في السماء وهو يعرف كيف يكون حكيمًا من جهة تلك البركات التي لا توصف. إن لديه معرفة دقيقة عن الأشياء التي لا يمكن إطلاقًا للفلاسفة -الذين يفتخرون بلحاهم وعصيهم- أن يتخيلوها. هل يمكنكم أن تأخذوا هذا كدليل واضح على قوة الله؟ من أي مصدر آخر أمكن لهؤلاء البسطاء أن يتحصلوا على فلسفتهم العميقة للفضيلة وعلى عزمهم ألا يلتفتوا إلى الأشياء المرئية، بينما يظهرون تفصيلهم للأشياء غير المرئية التي يأملون إليها أكثر من تلك الأشياء التي يرونها بعيونهم ويمسكونها بأيديهم؟ إن هؤلاء الناس لهم إيمان قوي بأن ما وعد به الله حتى لو كان غير مريئًا بعيوننا الجسدية لهو جدير أكثر بالتصديق عن الأشياء التي تُرى وتقع تحت أبصارنا.
_____
(101) كان سكان إنطاكية يتكلمون اليونانية بينما في الضواحي والريف يتكلمون السريانية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/9v3r3sd