مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تعاليم للموعوظين: للقديس يوحنا ذهبي الفم - القمص أنجيلوس المقاري

St-Takla.org Image: The Pharisee and the Publican praying in the temple, by Fahmy Eshak. صورة في موقع الأنبا تكلا: الفريسي والعشار يصليان في الهيكل، رسم الفنان فهمي إسحق.

12- ولهذا السبب فإن بولس الرسول عندما كتب لأهل كولوسي، لأناس كانوا ملتحفين بالجسد ويقضون حياتهم في وسط العالم ومهتمين بزوجة وأولاد فقال لهم "اطلبوا ما فوق" (كو 3: 1)، ولكي تعرفوا معنى هذا النصح وماذا تعني الأشياء التي فوق، مضى إلى القول "حيث المسيح جالس عن يمين الله". إنه يقول: إنني أرغب أن تطلبوا تلك الأشياء التي يمكن أن ترفع فكركم إلى السماء، الأشياء التي تسحبكم من مشاغل الدنيا، لأن السماء هي وطنكم (انظر في 3: 20). إنه يقول سارعوا بأن تحضروا كل ذهنكم لذلك الوطن حيث تم تسجيلكم كمواطنين فيه، وثابروا على صنع الأشياء التي يمكنها أن تظهر أنكم مستحقين للمواطنة في السماء.

13- ولكي لا نظن أنه يوصينا بالأشياء المستحيلة والتي تفوق طبيعتنا، فإن بولس يكرر أيضًا نفس كلامه ويقول "اهتموا بما فوق لا بما على الأرض" (كو 3: 2).

ما هو الدرس الذي يريد أن يعلمنا إياه؟ إنه يقول لا تهتموا بالأشياء التي تليق بأهل العالم. ما هي هذه الأشياء؟ إنها الأشياء التي لا دوام لها، الأشياء التي تطير قبل أن تُرى، الأشياء التي بلا ثبات وتضمحل مع الحياة الحاضرة، الأشياء التي تذبل قبل أن تزهر، الأشياء المعرضة للفساد وكل الأشياء البشرية هي هكذا، سواء ذكرت الثروة أو القوة أو الجاه أو جمال الجسد أو أي شيء حسن في هذه الحياة.

14- لأنه أراد أن يشير إلى مدى تفاهة ودناءة هذه الأشياء فاستخدم كلمة "الأرض" وقال "اهتموا لا بالأشياء التي على الأرض". لذلك هو يقول لا تهتموا بهذه الأشياء بل الأشياء التي فوق. وبدلًا من الأشياء التي تزول بسرعة وتتلاشى من على الأرض، اهتموا بالأشياء التي فوق، الأشياء السماوية التي لا تضمحل، بل تمتد معنا إلى الأبد، الأشياء التي تُرى بعين الإيمان، الأشياء التي لا تعرف نهاية أو تغيير ولا حدود لها. أريد أن تحفظوا أذهانكم دائمًا في هذه الأشياء. إن اهتمامنا بهذه الأشياء يحررنا من الأرض وينقلنا إلى السموات.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

15- لهذا السبب قال المسيح "حيث يكون كنز الإنسان، هناك يكون قلبه أيضًا" (مت 6: 21). لأنه عندما يكون للنفس إدراك للأشياء الصالحة السماوية التي لا توصف، فإنها كما لو كانت قد انفكت من قيود الجسد ورُفعت إلى العلا. وكل يوم تصور لنفسها لذة هذه الأشياء ويمكنها (لذلك) أن لا تهتم بالأشياء التي على الأرض. إنها تكتسح مقدمًا الأمور الدنيوية كما لو كانت أحلامًا وظلالًا وتحفظ ذهنها دائمًا ساعيًا نحو السماويات وبعين الإيمان تعتبر أنها لا ترى فقط سوى الأشياء الصالحة السماوية وهي حريصة على الاستمتاع بها في كل لحظة.

16- فلننصت لهذا المعلم المبارك والعجيب، معلم المسكونة كلها، هذا المدبر السليّح وستأتي نفوسنا لنتمعن في النصيحة التي أعطاها. بهذه الطريقة سنكون قادرين على الاستمتاع بالخيرات الحاضرة ونفوز بتلك التي للحياة الآتية، لأنه إن سعينا أولًا إلى خيرات السماء، فستكون لنا بذلك تلك الخيرات التي لهذه الحياة على سبيل الإضافة، لأن المسيح قال "اطلبوا أولًا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم" (مت 6: 33). لذلك ليتنا لا نطلب أولًا الأشياء التي وعد بها على سبيل الإضافة، إذ ربما لو تصرفنا بطريقة معاكسة لمشورة الرب نفتقر إلى كليهما. إن الرب لا ينتظر أن نذكّره ليعطينا بعد ذلك عطاياه. هل هو يفعل ذلك؟ إنه يعرف كل ما نحتاجه قبل أن نسأله، فإن رأى أننا مشتاقين للعطايا الأبدية، فإنه سينعم بها علينا تلطفًا منه لنستمتع بها وإضافة إلى هذا سيعطينا فيض من العطايا الأخرى التي وعد أن يقدمها بسخاء على سبيل الإضافة. إذًا فلنطلب الأمور الروحية أولًا ولنهتم بالأشياء التي فوق لا بالتي على الأرض لكي ما نحصل على الأشياء التي فوق ونستمتع بتلك التي على الأرض.

لنطلب الأشياء التي فوق على مثال الشهداء

تعاليم للموعوظين: للقديس يوحنا ذهبي الفم كتب القمص أنجيلوس المقاري

الشهداء هم الأطباء الروحيين الذين يشفون علل النفس والجسد