![]() |
28- هل رأيت أي دالة أتت من الصلاة والصدقة لهذا الإنسان الذي كل عمره قد انصرف في الحياة العسكرية؟ ليتهم يسمعون هذا أولئك الذين تجندوا في الجيش وليتعلموا أن الخدمة العسكرية لا تعيق الفضيلة لإنسان يريد أن يكون يقظ على حياته الروحية. ليتهم يتعلمون أن الإنسان يمكنه أن يهتم بفضيلته حتى لو كان مرتديًا الزي العسكري، وحتى لو كان له زوجة ويهتم بتربية أولاده ويدبر شئون بيته، وحتى لو باشر خدمة عامة. انظر لهذا الرجل المثير للإعجاب المرتدي الزي العسكري وقائد الفضائل إذ أنه قائد مئة! انظر لعناية السماء التي اعتبرته جديرًا لاهتمامها بسبب إرادته الحسنة ويقظته وسهره (على خلاص نفسه). ولكي تعلم بوضوح أن النعمة تحل علينا من فوق فقط بعدما نعمل ما يتوجب علينا أولًا، فاسمع القصة ذاتها. بعد أن أخذ كرنيليوس الخطوة الأولى بصدقاته الكثيرة والسخية، كرّس نفسه باجتهاد للصلاة، والكتاب يقول: "بعد صلاة الساعة التاسعة وقف بجانبه ملاك بينما هو يصلي وقال له: يا كرنيليوس. إن صلواتك وصدقاتك صعدت تذكارًا أمام الله" (أع 10: 4).
29- ليتنا لا نعبر على هذه الكلمات ببساطة، بل لنتمعن بتدقيق في فضيلة هذا الإنسان ثم ليتنا نتعلم كم أن الرب محب وعطوف وأنه لا يغفل عن أي إنسان. بل حيثما ينظر نفسًا واعية لخلاصها فهناك يسكب عليها نعمه بفيض. هوذا جندي لم يتلق أي إرشاد روحي ومنهمك في أمور الحياة وله كل يوم ألف شيء يشتته ويضايقه ومع ذلك لم يضيع حياته في الولائم والشر والنهم، بل صرف حياته في الصلاة والصدقة. لقد أظهر مثل هذا الاجتهاد من قلب دوافعه الخيّرة، وداوم على الصلاة بثبات وكان من السخاء في عطائه حتى أنه أظهر نفسه جديرًا لمثل هذه الرؤيا.
30- أين أولئك الذين يقيمون الآن الموائد الفاخرة والذين يسكبون خمرهم بفيض والذين يصرفون أيامهم في الولائم وكثيرًا ما يرفضون أن يقدموا صلاة قبل الوليمة ولا يقدمون صلاة شكر بعد انتهائها؟ إنهم يعتقدون أنه يمكنهم صنع أي شيء دون خوف لأنهم يعملون في الخدمة (والمناصب) العامة ولأنهم كانوا معدودين ضمن الرتب العسكرية ويرتدون الزي العسكري. فلينظروا لهذا الإنسان كرنيليوس وكيف أنه داوم على الصلاة بثبات ولينظروا سخاءه في إعطاء الصدقة وليتهم يخفون رؤوسهم خزيًا.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
31- ولكن كرنيليوس سيكون جديرًا أن يكون معلمًا ليس فقط للعسكريين بل لنا كلنا بالإضافة إلى أولئك الذين اختاروا الحياة الرهبانية وأولئك الذين تكرسوا لخدمة الكنيسة. لأنه من منا يمكنه أن يفاخر أنه مداوم جدًا على الصلاة أو أنه سخيًا في إعطاء الصدقة لكي يكون مستحقًا للرؤية الممنوحة لكرنيليوس؟ لهذا السبب فأنا أحثكم حتى لو لم نصنع هذا من قبل فليتنا جميعًا -من قد استمتعنا بمثل هذه النعم- سواء كنا عسكريين أو مدنيين (أو رهبان)، ليتنا كلنا ننافس كرنيليوس ولا نفعل بأقل من ذاك الذي أظهر مثل هذه الفضيلة بردائه العسكري. إن فعلنا هذا فسيكون بمقدورنا أن نحفظ -في ازدهار تام- جمال هذا الرداء الذي لنا على شرط أن نكون ماهرين في إظهار هذا التزاوج للفضيلتين.
32- وإن أردتم فلنضف إليهما زوج من الفضائل التي يمكنها أن تساهم في حفظ هذا الرداء في عدم فساد وأعني بهما فضيلتي التعفف والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب (عب 12: 14). إذًا لنكن حريصين على ملاحقة هذه القداسة ومفتشين أذهاننا في كل ساعة تمر وغير جاعلين نفوسنا تتدنس أو تتسخ من أي أفكار نجسة.
33- إن طهّرنا أذهاننا بهذه الطريقة وبكل اجتهاد انتبهنا لها فسنكتسب بسهولة أكثر السيطرة على أهوائنا، وبهذه الطريقة سنصل إلى قمة الفضيلة تدريجيًا. إن كنا قد ادخرنا الآن من هذا المصدر غنى روحي عظيم لرحلتنا فسنكون مستحقين لتلك البركات التي لا توصف والتي قد أعدها الله لأولئك الذين يحبونه. ليته يحدث أن نحصل على هذا كله بالنعمة والمحبة الحانية لربنا يسوع المسيح الذي له مع الآب والروح القدس المجد والإكرام الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/5b8dxqq