19- لو أعطينا الأولوية للروحيات لن تكون لنا متاعب من ناحية الأشياء المادية لأن الله في حبه وحنانه يمدنا بفيض مريح في هذه الأمور. لكن إن غدونا مهملين للروحيات وسعينا فقط للأمور المادية ولم نعتد بالروح وشغلنا نفوسنا باستمرار فيما يختص بالحياة اليومية فسنخسر الأمور الروحية دون أن نجني أي ثروة عظيمة حتى من الخيرات المادية، لذلك أنا أتوسل إليكم ألا تقلبوا الترتيب الصحيح للأمور مهمومين فيما يختص بهذه الحياة. وحيث أننا نعرف كم أن ربنا صالح فلنستسلم له في كل الأشياء وليتنا لا نكون مهمومين فيما يختص بهذه الحياة. إن ذاك الذي في محبته الحانية خلقنا من لا شيء وأعطانا كياننا سيكون حريصًا من باب أولى أن يهتم بكل أمورنا (المادية). إن ربنا قال "إن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه الأشياء كلها قبل أن تسألوه" (مت 6: 32، 8).
![]() |
20- لهذا السبب هو يرغب أن يحرر نفوسنا من كل اهتمام بالأمور الدنيوية وأن نخصص كل أوقات فراغنا لما هو روحي. إنه يقول اطلبوا الروحيات وأنا سأقدم لكم الأمور المادية بوفرة. كل الأبرار قد اكتسبوا شهرتهم كأبرار بهذه الطريقة وحديثي هذا قد بدأ بذكر فضيلتهم - إنني قلت رغم أنهم نالوا وعدًا بأمور مرئية لكنهم طلبوا الأمور التي هي روحية، ونحن نصنع العكس؛ فمع أن لنا وعدًا بالأمور الروحية لكننا نلهث وراء تلك التي يمكن أن تُرى بالعين.
21- لهذا السبب فأنا أتوسل إليكم على الأقل الآن ونحن بين يديّ النعمة فلنقتدي بأولئك الذين فاقوا الآخرين في إدراك قمم عالية جدًا من الفضيلة، وهم وصلوا لهذا باستخدام الناموس المغروس بعناية في الطبيعة (البشرية) أكثر من (استخدامهم) الناموس المكتوب.
ليتنا نسعى بكل غيرة -مثلهم- للاهتمام بنفوسنا. ليتنا نستبدل اهتماماتنا ونبدد اضطرابنا، لنسلم لله أمر العناية بأرواحنا، لأن هذه هي أهم الأشياء التي لنا، ليتنا نترك لربنا كل هموم ومشاغل حياة الجسد.
22- لأن أعظم برهان على حكمته وحنانه غير الموصوف هو حقيقة كونه أوكل إلينا أمر الاهتمام بما هو أكثر أهمية لنا - أعني الروح. لقد عرّفنا بذات هذه الطريقة أنه يعمل أشياء تجعلنا أحرارًا (من الهمّ) وترك في مقدورنا وإرادتنا، إما أن نختار الفضيلة أو ننحاز بمحض إرادتنا إلى جانب الشر. لكن هو نفسه يعد أنه سيمدنا بكل احتياجاتنا الجسدية. وهو يرغب بهذا أن يغيّر الطبيعة البشرية إلى الدرجة التي لا تركن فيها إلى قوتها الذاتية أو الاعتقاد أنه بإمكانها المساهمة في استمرارية الحياة الحاضرة.
23- لهذا السبب هو يحرضنا -نحن الذين اعتبرهم جديرين بمثل هذه العناية والذين قد حباهم بالعقل- أن نقتدي بالمخلوقات غير العاقلة. إنه يقول "انظروا إلى طيور السماء، إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن وأبوكم السماوي يقوتها" (مت 6: 26). إنه كما لو كان يقول لنا: إن كنت اهتم هكذا بالطيور التي تفتقر إلى العقل وأمدها بكل احتياجاتها دون أن تزرع أو تحصد، فأنتم يا من تتحلون بالعقل سأهتم بكم أكثر إن اخترتم وانحزتم إلى الأمور الروحية باعتبارها أكثر أهمية وكرامة عن أمور الجسد. لأنني أوجدت هذه (الطيور) وكل الخليقة من أجلكم، وإن كنت اهتم بها هكذا، أفلا اهتم -بمن أوجدت لأجلهم كل هذه الأشياء- اهتمامًا أعظم؟
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
24- ليتنا -إذن- نثق بوعد الله ولنجتهد بكل نفوسنا أن نرغب في الخيرات الروحية ولنجعل كل الأشياء ثانوية بالنسبة للاستمتاع ببركات الحياة القادمة، فهكذا سيكون لنا فيض من الخيرات الحاضرة وبذلك نستحق الأشياء الحسنة التي قد وعدنا الله بها، وبذلك يمكننا أن نستحق النجاة من عقوبات جهنم. أتوسل إليكم مرة أخرى ألا تضيعوا اليوم كله في الاسترخاء والتسليات الفارغة واللقاءات المضرة والولائم والشرب اليومي (للخمور). ينبغي علينا أن نحرص ألا ندع ما جمعناه يتسرب منا بعيدًا بسبب إهمالنا اللاحق، بل ينبغي أن نؤمّن كل العطايا التي أُعطيت لنا بصلاح الله.
25- وأنا أحثكم أنتم -على الأخص- يا من لبستم المسيح حديثًا ونلتم حلول الروح (في داخلكم)، انظروا كل يوم إلى بهاء ثوبكم حتى لا يناله على الإطلاق أي وسخ أو غضن إما بكلمات غير لائقة أو بالإنصات إلى الأمور الباطلة أو بأفكار شريرة أو بعين تندفع بحماقة وبدون سبب لترى ما لا شأن لها به. ليتنا نحض أنفسنا من كل جانب ونضع باستمرار أمام أذهاننا -ذلك اليوم الرهيب- لكيما نبقي على بهائنا الساطع ونحفظ ثوب خلودنا بلا دنس أو غضن فنستحق تلك العطايا التي لا توصف.
ليته يحدث أن ننال كلنا تلك العطايا بنعمة وصلاح ربنا يسوع المسيح الذي له مع الآب والروح القدس المجد والقوة والإكرام الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.

انتهت بنعمة الله هذه العظات الثمانية والتي من المرجح أن القديس يوحنا ذهبي الفم ألقاها في إنطاكية عام 390م، وتم الرجوع في الترجمة إلى النص الفرنسي الآتي:
Sources Chrétiennes 50 - Huit Catécheses Baptismales.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/frx7qt2