St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   cyprian-treatises
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب مقالات روحية: للقديس كبريانوس - القمص أنجيلوس المقاري

1- مقدمة

 

محتويات: (إظهار/إخفاء)

مقدمة: القديس الشهيد كبريانوس
اختفاء القديس ورسائله

قال أحدهم تقريظًا للقديس كبريانوس:

[طالما سيسمح المسيح للجنس البشري أن يوجد وللعالم أن يزدهر، طالما سيوجد كتاب وطالما ستوجد تجميعات مقدسة للأعمال الأدبية، فكل مَن يحب المسيح سيقرأ لك يا كبريانوس وسيتعلم من تعاليمك.](1)

  

مقدمة

القديس الشهيد كبريانوس

ولد "ثاسيكوس كبريانوس" حوالي عام 200م في قرطاجنة(2) في شمال أفريقيا، واهتدى إلى المسيحية عام 246م بإرشاد الكاهن القرطاجني سيسيليوس الذي اتخذه لنفسه عندما تعمد (فصار سيسيليوس كبريانوس). وقد دخل إلى عمق الإيمان والكتاب المقدس ونذر عفته للرب واقتدى بقديسين كثيرين، لذلك رُسم كاهنًا، ولما رقد (في الرب) أسقف قرطاحنة، أجمع الشعب كله على أن يكون كبريانوس هو أسقفهم عام 248م، ولما حاول الهرب لم يستطع. وهكذا خدم ودبر القديس كبريانوس أعمال الأسقفية بمحبة وصلاح وشجاعة ممتزجة بنشاط وثبات حتى استشهد عام 258م(3). وقد أُثير الاضطهاد على المسيحيين في عهد هذا القديس مرتين: الأولى بأمر الإمبراطور داكيوس عام 250م والثانية بأمر الإمبراطور ﭬاليريان عام 257م.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

اختفاء القديس ورسائله:

فكّر كبريانوس ماذا يصنع: هل يختار الاستشهاد لخلاص نفسه وحده أم الاختفاء لمنفعة الرعية؟ ففضّل الأمر الأخير واختفى قائلًا "طالما أن إكليل الشهيد يُعطى له بنعمة الله ولا يمكن أن يناله قبل الوقت المعيّن، فالذي يعتزل لوقت ما ويظل مخلصًا للمسيح فهو لا ينكر إيمانه ولكنه فقط يؤجل وقته المعين له"..

ويقول تلميذه الشماس "ﭘونتيوس" الذي كتب سيرته: [إن ما حدث بعد اختفائه يُثبت أن اختفاءه لم يكن جبنًا منه، بل إنه بالحق كان إلهيًا. فقد أثبت عنف الاضطهاد أنه كانت هناك حاجة ماسة إلى واحد يستطيع -عندما يتأذى ويُجرح الشعب بتفنن العدو الذي يهاجمهم- أن يعالج بالدواء السماوي حسب طبيعة الجراح سواء لقطعها أو لتضميدها. وهكذا حفظت العناية الإلهية مثل هذا الرجل الروحاني المحنّك الملء بالفضائل الذي استطاع أن يقود دفة الكنيسة رغم عنف الانشقاقات من الداخل وُرعب الاضطهادات من الخارج. أليست هذه خطة إلهية؟ وهل كان ممكنًا أن يحدث هذا بدون الله؟ إنني اعترف وأؤمن أن مثل هذا القديس لا يُستبق في هذه الظروف بدون تدبير إلهي، فمن كان سيُقيم من المسيحيين مثل هؤلاء الشهداء بعظاته الإلهية ومن كان سيشجع معترفين، هم مُعترفون هذا عددهم، لتُختم قلوبهم للرب حتى حُفظوا أحياء خالدين في المسيح لأنه ألهب غيرتهم كما ببوق سماوي؟!]

St-Takla.org Image: Icon of Saint Cyprian Bishop of Carthage - 5 صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة الشهيد كبريانوس أسقف قرطاجنة - 5

St-Takla.org Image: Icon of Saint Cyprian Bishop of Carthage - 5

صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة الشهيد كبريانوس أسقف قرطاجنة - 5

كم كان القديس كبريانوس يشدد عزائم المؤمنين برسائله المتوالية؟ وكان يقول لهم ما معناه: قد حان الوقت الذي فيه يُعرف من هم الأصيلون في الإيمان وأحباء السيد المسيح الذي قال بفمه الطاهر "من لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني. إن كان أحد يأتي إليّ ولا يبغض... حتى نفسه أيضًا فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا" (مت 10: 38؛ لو 14: 26). وكان يوصيهم ألا يبغضوا مضطهديهم، بل يصلّوا لأجلهم ويحبوهم، لأن الوثني هو الذي لا يحب إلا الذين يحبونه، أما المسيحي فيحب محبيه وأعدائه.

كم اعتنى القديس بالذين في السجون ووجّه الكهنة أن يزوروهم ويعطونهم سر الشركة المقدسة في زنزاناتهم! وكم اعتنى بأجساد الشهداء وأرسل في الليل من يحملون أجسادهم ويدفنونهم! وكم كان يؤازر الذين تحت العذاب ويساعد أهاليهم!

ولما بدأ اضطهاد الإمبراطور ﭬاليريان عام 257م، أراد القديس أن يسلّم نفسه للموت، ولكن الرب أراد تأجيل ذلك لمدة سنة، وهكذا نُفي إلى "كوربيس" المدينة الصغيرة التي كانت تبعد عن قرطاجنة بحوالي خمسين ميلًا، حيث لم يكفّ عن اهتمامه برعيته سواء بالصلاة أو بالرسائل.

علم القديس في منفاه أن بعض الكهنة قبُض عليهم وساقوهم إلى المحاجر وإلى مناجم الذهب والفضة، وأنهم يستخدمونهم كالعبيد الأسرى في تلك الأشغال الشاقة ويموت منهم الكثيرون من شدة العذاب، فكتب إليهم يعزيهم قائلًا "لا عجب إذا كان الولاة قد أرسلوا إلى مناجم الذهب والفضة آنية كريمة من الفضة والذهب، ولكن العجب من كون تلك المناجم التي اعتادت أن تعطينا هذه الكنوز صارت هي تأخذها منا. لقد وضعوا الأغلال في أرجلكم وشدوا الوثق في أجسامكم التي هي هياكل الله الحي، ولكن هل استطاعوا أن يوثقوا نفوسكم؟ هل استطاع حديدهم أن يمتد بصدئه على ذهبكم؟ إن أغلال الشهداء لا تعيّرهم، بل إن أغلالكم هي أكاليل لكم. إيه أيتها الأرجل المكبلة بالأغلال! ليس من بشرٍ يفك قيودك، بل هو الله تعالى!".

ولما حوكم كبريانوس، قرأ الوالي الحكم عليه هكذا: "لقد عشت طويلًا في تدنيس المقدسات (التي لنا)، وجمعت حولك شركاء كثيرين في رفقة غير شرعية وصرت لهم قدوة، وجعلت نفسك عدوًا لآلهة الرومان... فبما أنك أنت المؤسس والزعيم لهذه الجرائم المخجلة! فستصير أنت عبرة لهؤلاء الذين أشركتهم معك في هذا الشر، وسيصير (سفك) دمك تثبيتًا لشرائع الإمبراطورية. فليُعدم ثاسكيوس كبريانوس بالسيف".

فقال القديس (ردًا عليه): "أشكر الله وأباركه لأنه سيخرجني من سجن هذا الجسد".

وهل يمكن أن تكون هناك شهادة أعظم من هذه الشهادة؟ لقد صدرت من إنسان وثني، إلا أنها إلهية حقًا! لقد أعطى نفسه مثالًا لشعبه في الشهادة لأجل فاديه.

ولما سمع المؤمنون الحكم قالوا "لنقطع رؤوسنا معه" كدليل على تعلقهم براعيهم. ثم تبعوه وهم في حالة هياج إلى مكان الإعدام حيث تسلق الكثيرون الشجر لتوديع أسقفهم. ثم خلع ثيابه الحبرية وأعطاها للشمامسة وجثا على ركبتيه مصليًا، ثم أمر بإعطاء الجلاد 25 قطعة ذهبية. وضع المؤمنون لفائف ومناديل تحته ليتلقوا بها دمه الطاهر بركة لهم، ثم عصب عينيه بيديه وحاول أن يتعجل الجلاد المتباطئ في تنفيذ الحكم. أما الجلاد فبصعوبة قبض على سيفه بيده المرتعشة حتى اللحظة المعينة من الله التي فيها شعر بقوة من الأعالي لكي يتمم مسرة الله في قديسيه، وهكذا انطلقت نفسه إلى مسيحها لترث نصيبها المُعد لها مع الشهداء.

وهكذا رأى الشعب أحاديث راعيه وعظاته تتحقق عمليًا أمام عينيه. ولقد صار القديس كبريانوس هو أول أسقف صبغ تاجه الكهنوتي بدم الاستشهاد في (شمال) أفريقيا، وهكذا توّج كل أعماله المقدسة بأن زيّن شارة كهنوته السماوي بدمه الثمين.

ثم حمل المؤمنون جسده ليلًا بالشموع والمشاعل مع الصلوات بمشاعر النصرة إلى مقره الأخير. وبعد أيام قليلة مات الوالي جاليريوس الذي حكم عليه. وبُنيت بعد ذلك كنيستان فوق مكان استشهاده ومكان دفنه. وهكذا ظل اسمه ويوم استشهاده محفوظين في ذاكرة الكنيسة التي تحتفل به حتى الآن(4).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) prudentius in his Peristephanon (13, 5, 6ff).

(2) وهي الآن إحدى ضواحي مدينة تونس العاصمة وتقع على خليج تونس وقد وصلت إليها المسيحية عام 150م ثم استولى عليها العرب في أواخر القرن السابع.

(3) خلط بعض المؤرخين بين كبريانوس هذا وكبريانوس الذي استشهد مع القديسة يوستينة في إنطاكية سوريا، ودخل هذا الخلط في سنكسار كنيستنا الذي يذكر في يوم 21 توت أنهما شخص واحد وأنه بعد أن آمن واعتمد ذهب إلى قرطاجنة حيث صار أسقفًا. ولكن معظم المؤرخين يفصلون بينهما كما هو واضح من كتاب بتلر Butler الذي يضع كبريانوس القرطاجني تحت يوم 16 سبتمبر وكبريانوس الإنطاكي تحت يوم 26 سبتمبر، كما أن سيرة أسقف قرطاجنة التي كتبها تلميذه ﭘونتيوس تذكر بوضوح أنه ولد وتربى في قرطاجنة ولم يذكر أي شيء عن إنطاكية ولا علاقته السابقة بالسحر أو القديسة يوستينة

(4) عن حياة القديس التي كتبها تلميذه بونتيوس ووردت في Butler's Lives of the Saints. Vol.3  وتم نقلها عن مجلة مرقس عددي سبتمبر وأكتوبر عام 1987م.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/cyprian-treatises/introduction.html

تقصير الرابط:
tak.la/2jfwd7g