الفصل السادس
الطوفان (تك 7: 1 - 8: 15)
توجد بساطة جليلة وعظيمة في السرد الكتابي للطوفان تتحدى وتتخطى كل مقارنة معها. مرتان فقط على مدى العهد القديم يتم الإشارة مرة ثانية للحدث، كل مرة بلغة رزينة ومختصرة تناسب مهابة ووقار الحدث. في (مز 29: 10) نقرأ: "الرَّبُّ بِالطُّوفَانِ جَلَسَ وَيَجْلِسُ الرَّبُّ مَلِكًا إِلَى الأَبَدِ"، وهي نوع من الترجمة للعهد القديم لعبارة "يسوع المسيح هو نفسه أمس واليوم وإلى الأبد".
ثم لو نمضي بالتشبيه، سنجد تطبيق إنجيلي لرواية العهد القديم هذه في (إش 54: 9-10): [9- لأَنَّهُ كَمِيَاهِ نُوحٍ هَذِهِ لِي. كَمَا حَلَفْتُ أَنْ لاَ تَعْبُرَ بَعْدُ مِيَاهُ نُوحٍ عَلَى الأَرْضِ هَكَذَا حَلَفْتُ أَنْ لاَ أَغْضَبَ عَلَيْكِ وَلاَ أَزْجُرَكِ. 10- فَإِنَّ الْجِبَالَ تَزُولُ وَالآكَامَ تَتَزَعْزَعُ أَمَّا إِحْسَانِي فَلاَ يَزُولُ عَنْكِ وَعَهْدُ سَلاَمِي لاَ يَتَزَعْزَعُ قَالَ رَاحِمُكِ الرَّبُّ.]
أول نقطة في رواية الطوفان تسترعي انتباهنا هي التشديد على ذكر طاعة نوح المطلقة، حيث قيل مرتين: "ففعل نوح حسب كل ما أمره به الله" (تك 6: 22؛ 7: 5). بعد ذلك نلاحظ "فترة سكون وتوقف مهيبة لمدة سبعة أيام" قبل بدء الطوفان فعليًا، عندما "انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء" وبتعبير آخر انفتحت أبواب الطوفان التي للأرض والسماء على مصراعيها.
والحدث تم: "فِي سَنَةِ سِتِّ مِئَةٍ مِنْ حَيَاةِ نُوحٍ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فِي الْيَوْمِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ" بمعنى أنه لو حسبنا الموسم بحسب بداية السنة العبرية المدنية، يكون الطوفان بدأ في منتصف أو نهاية شهر نوفمبر بتوقيتنا. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَيْنِهِ دَخَلَ نُوحٌ وَسَامٌ وَحَامٌ وَيَافَثُ بَنُو نُوحٍ وَامْرَأَةُ نُوحٍ وَثَلاَثُ نِسَاءِ بَنِيهِ مَعَهُمْ إِلَى الْفُلْكِ. هُمْ وَكُلُّ الْوُحُوشِ كَأَجْنَاسِهَا وَكُلُّ الْبَهَائِمِ كَأَجْنَاسِهَا وَكُلُّ الدَبَّابَاتِ الَّتِي تَدُبُّ عَلَى الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا وَكُلُّ الطُّيُورِ كَأَجْنَاسِهَا، وبعدها أَغْلَقَ الرَّبُّ عَلَيْهِ. ولمدة أربعين يومًا وأربعين ليلة كان المطر يسقط على الأرض(4)، بينما في ذات الوقت انفجرت ينابيع الغمر العظيم(5). استمر الطوفان على الأرض لمدة مائة وخمسين يومًا بعدها بدأ في الانحسار.
وقد وصفت الكارثة هكذا: [17- وَكَانَ الطُّوفَانُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَى الأَرْضِ. وَتَكَاثَرَتِ الْمِيَاهُ وَرَفَعَتِ الْفُلْكَ فَارْتَفَعَ عَنِ الأَرْضِ. 18- وَتَعَاظَمَتِ الْمِيَاهُ وَتَكَاثَرَتْ جِدًّا عَلَى الأَرْضِ فَكَانَ الْفُلْكُ يَسِيرُ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ. 19- وَتَعَاظَمَتِ الْمِيَاهُ كَثِيرًا جِدًّا عَلَى الأَرْضِ فَتَغَطَّتْ جَمِيعُ الْجِبَالِ الشَّامِخَةِ الَّتِي تَحْتَ كُلِّ السَّمَاءِ. 20- خَمْسَ عَشَرَةَ ذِرَاعًا فِي الارْتِفَاعِ تَعَاظَمَتِ الْمِيَاهُ فَتَغَطَّتِ الْجِبَالُ. 21- فَمَاتَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ كَانَ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ وَالْوُحُوشِ وَكُلُّ الزَّحَّافَاتِ الَّتِي كَانَتْ تَزْحَفُ عَلَى الأَرْضِ وَجَمِيعُ النَّاسِ. 22- كُلُّ مَا فِي أَنْفِهِ نَسَمَةُ رُوحِ حَيَاةٍ مِنْ كُلِّ مَا فِي الْيَابِسَةِ مَاتَ. 23- فَمَحَا اللهُ كُلَّ قَائِمٍ كَانَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ: النَّاسَ وَالْبَهَائِمَ وَالدَّبَّابَاتَ وَطُيُورَ السَّمَاءِ فَانْمَحَتْ مِنَ الأَرْضِ. وَتَبَقَّى نُوحٌ والَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ فَقَطْ. (تك 7: 17-23).]
إن الملاحظات التي أبداها كاتب حديث على هذا الموضوع لائقة من كل وجه حتى أننا سوف نسجلها هنا كما هي: "إن الرواية مفعمة بالحيوية والقوة وإن كان يعوزها تمامًا نوع الوصف الذي سيشغل به مؤرخ حديث أو شاعر مساحة كبيرة مما يكتبه. فنحن لا نرى شيء من الصراع مع الموت ولا نسمع صرخات اليأس، ولم يتم دعوتنا لنعاين الكآبة الجنونية لزوج ولزوجته وللوالدين والأبناء عند هروبهم رعبًا من المياه المتعاظمة. بل ولم تُقل كلمة عن حزن البار الوحيد الذي وإن كان هو نفسه في أمان، لكنه عاين الهلاك الذي هو نفسه لم يستطع تجنبه وتفاديه.
![]() |
لكن تولد انطباع على الذهن يتميز بحيوية خاصة من البساطة الشديدة للرواية، وهو انطباع عن الخراب العام الذي حل بالأرض. وهو يتعظم بالتكرار والمقارنة بين فكرتين. فمن ناحية يتم تذكيرنا ليس بأقل من ست مرات في الرواية (تك6-8) من كانوا نُزلاء الفلك، القليلين الذين نجوا ونالوا رضا الله، ومن ناحية أخرى المحو المطلق والتام لكل حي لم يكن التشديد والتركيز عليه أقل. (تك 6: 13، 17؛ 7: 4، 21-23).
لن نقلل من مهابة انطباع الصمت والذي أثنائه يُرينا السفر الفلك يطفو بمفرده على مياه الهلاك التي دفنت الأرض وكل ما فيها بمحاولة وصف المشاهد التي يلزم أنها نتجت عن الحدث. فقط الانطباع الذي ترسخ في أذهاننا أن الكلمات "أَغْلَقَ الرَّبُّ عَلَيْهِ"، قد يكون مقصود منها أن تُرينا أنه حتى لو حاول نوح، لن يمكنه تقديم المعونة لمعاصريه الهالكين.
وفي نهاية المائة والخمسين يومًا قيل لنا بلغة السفر المؤثرة بصفة خاصة: "ثُمَّ ذَكَرَ اللهُ نُوحًا وَكُلَّ الْوُحُوشِ وَكُلَّ الْبَهَائِمِ الَّتِي مَعَهُ فِي الْفُلْكِ" (تك 8: 1). كان لريح جافة أن تجتاز الأرض لكي ينحسر الطوفان: "وَأَجَازَ اللهُ رِيحًا عَلَى الأَرْضِ فَهَدَأَتِ الْمِيَاهُ"، "وَرَجَعَتِ الْمِيَاهُ عَنِ الأَرْضِ رُجُوعًا مُتَوَالِيًا". وبعد خمسة أشهر بالضبط من دخول نوح الفلك: "وَاسْتَقَرَّ الْفُلْكُ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ عَلَى جِبَالِ أَرَارَاطَ"، ليس بالضرورة على أعلى قمة فيه وارتفاعها 17250 قدم، بل وربما ليس على القمة التي تليها وارتفاعها 12000 قدم، بل على ذلك الموقع الجبلي بينهما.
واستمرت المياه في انحسارها وبعد ذلك بثلاث وسبعين يومًا في اليوم الخامس من الشهر العاشر صارت كل قمم الجبل مرئية حولهم. وَحَدَثَ مِنْ بَعْدِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَنَّ نُوحًا فَتَحَ طَاقَةَ الْفُلْكِ الَّتِي كَانَ قَدْ عَمِلَهَا. وَأَرْسَلَ الْغُرَابَ، والذي وجد مأوى على أحد قمم الجبل وطعامًا له من الجثث الطافية، فلم يرجع إلى الفلك.
وفي نهاية سبعة أيام أَرْسَلَ الْحَمَامَةَ مِنْ عِنْدِهِ لِيَرَى هَلْ قَلَّتِ الْمِيَاهُ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ، أي من الأراضي المنخفضة في الوديان. فَلَمْ تَجِدِ الْحَمَامَةُ مَقَرًّا لِرِجْلِهَا فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ إِلَى الْفُلْكِ لأَنَّ مِيَاهًا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ. فَلَبِثَ أَيْضًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَادَ فَأَرْسَلَ الْحَمَامَةَ مِنَ الْفُلْكِ. فَأَتَتْ إِلَيْهِ الْحَمَامَةُ عِنْدَ الْمَسَاءِ وَإِذَا وَرَقَةُ زَيْتُونٍ خَضْرَاءُ فِي فَمِهَا.
وهذه حقيقة جديرة بالملاحظة لكونها تحمل شهادة غير مباشرة لصدق هذه الرواية لأن شجر الزيتون من المتيقن له أن يحمل ورق تحت الماء(6).
فَلَبِثَ أَيْضًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُخَرَ وَأَرْسَلَ للمرة الثالثة الْحَمَامَةَ رسول السلام فَلَمْ تَعُدْ تَرْجِعُ إِلَيْهِ أَيْضًا. ويقول الكاتب الذي اقتبسنا منه منذ قليل "إنه لا توجد صورة في التاريخ الطبيعي يمكن أبدًا أن تُرسم بجمال رائع وأمانة أكثر من هذه. فهي تثير الإعجاب على السواء لأجل ما فيها من شعر وصدق".
"وَكَانَ فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ وَالسِّتِّ مِئَةٍ فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَنَّ الْمِيَاهَ نَشِفَتْ عَنِ الأَرْضِ. فَكَشَفَ نُوحٌ الْغِطَاءَ عَنِ الْفُلْكِ وَنَظَرَ فَإِذَا وَجْهُ الأَرْضِ قَدْ نَشِفَ. وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ جَفَّتِ الأَرْضُ". بالضبط بعد سنة وعشرة أيام من دخول نوح الفلك.
وإن كان هذا خارج نطاق السرد الكتابي، فقد تم التنويه مرارًا بأن غرض الكتاب المقدس هو أن يعطينا تاريخ ملكوت الله وليس أن يتعامل مع مسائل فضولية أو حتى مسائل علمية، حتى يمكننا أن نرفض موضوع تم مناقشته مؤخرًا كثيرًا بروح لا تليق بالمرة في هذه الكلمات لكاتب حديث(7): "إنه سؤال يتردد بين اللاهوتيين ورجال العلم إن كان الطوفان عالمي بطريقة مطلقة، أم هو عالمي فقط بمعنى أنه امتد إلى كل أجزاء العالم المأهولة بالسكان آنذاك. نحن لا ندخل هنا في هذا الجدال، لكن يمكننا أن نلاحظ الحقيقة الرائعة وهي أن المنطقة التي تقع إلى الشرق من أراراط حيث استقر الفلك تحمل آثار جيولوجية تؤكد أنها كانت ذات مرة مغمورة بالمياه. فهي منطقة منخفضة بصورة ملحوظة، وفي مستوى أدنى من كل المواقع حولها، وبهذا تقدم مبررات معقولة لوقوعها تحت المياه وتغمرها".
لكن يوجد موضوع آخر مرتبط بالطوفان ملحوظ ولافت للنظر بحيث يتطلب منا انتباه خاص. إنه موضوع تذكر الطوفان والذي تم حفظه في تقاليد شعوب كثيرة بعيدة عن بعضها ومنفصلة تمامًا عن بعضها البعض حتى أنه يستحيل التشكك في كون كل هذه التقاليد مشتقة من نفس المصدر الأصلي الوحيد.
وكما هو متوقع، تحتوي هي على تفاصيل أسطورية كثيرة، وبصفة عامة تثّبت موقع الطوفان بكونه في أراضيها الخاصة بها، لكن هذه التفاصيل تميزها بكونها تشوهات للتاريخ الحقيقي المسجل في الكتاب المقدس، وحملتها مختلف الأمم إلى الأقطار التي استقروا فيها. وقد جمع مستر بيرووني Mr. Perowne هذه التقاليد في بلاد آسيا الغربية وتشمل تقاليد الكلدانيين والفينيقيين، وروايات الفريجيين، السوريين والأرمينيين، وتلك التي في أسيا الشرقية وتشمل فارس والهند والصين، وثالثًا تلك التي في الأمم الأمريكية: الشيروكي ومختلف قبائل هنود المكسيك -وإن كان قد يبدو غريبًا- جمع تلك التي لجزر فيجي. وإلى هذه أضاف كحلقة رابعة التقاليد المشابهة للأمم اليونانية.
لكن الأكثر أهمية في كل هذه التقاليد هو الكلداني أو البابلي والذي يستحق أكثر من مجرد ملاحظة عابرة. وإن كنا لسنا في حاجة لمثل هذه التأكيدات غير المباشرة لتقنعنا بصدق روايات الكتاب المقدس، من الملاحظ جدًا كيف أن كل الأبحاث والتحقيقات التاريخية عندما يتم إكمالها حقًا وتطبيقها بطريقة صحيحة، تؤكد دقة وصحة ما تم تسجيله في الأسفار المقدسة. لكن قيمتها الأساسية بالنسبة لنا يلزم على الدوام أن تكون هذه أنها تخبرنا أن الفلك الذي وحده ركب فوق مياه الطوفان وحفظ بأمان من أغلقت يد الرب على من بداخله.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
الرواية الكلدانية عن الطوفان
بصفة عامة يمكننا القول أنه لدينا روايتين كلدانيتين عن الطوفان. واحدة جاءت لنا من مصادر يونانية، من بيرسوس Berosus، كاهن كلداني ترجم إلى اليونانية سجلات بابل. هذه لكونها الأقل وضوحًا لسنا بحاجة هنا لنعطيها مزيد من الانتباه الخاص. لكن الاهتمام الكبير يرتبط بالنقوش المسمارية الأقدم، والتي اكتشفها وحل شفرتها عام 1872م مستر ج. سميث الذي يعمل في المتحف البريطاني، ومن ذلك الوقت قام نفس العالم بمزيد من التحقيق فيها(8). هذه النقوش تغطي اثنتي عشر لوحًا ولم يُجعل سوى جزء فقط مُتاح منها. يمكن وصفها بصورة عامة بكونها تجسد الرواية البابلية عن الطوفان والذي كحدث تم في هذه المنطقة له قيمة خاصة.
يُفترض أن تاريخ هذه الرواية البابلية يرجع من ألفين إلى ألفين وخمسمائة سنة قبل المسيح. رواية الطوفان يسردها بطل، حُفظت لأجله الرواية، وكان البطل ملك يدعوه مستر سميث ازدوبار Izdubar، لكنه يفترض أنه نمرود الذي ذكره سفر التكوين. يوجد -مثلما يمكن لأي شخص أن يتوقع- اختلافات كثيرة بين الرواية الكتابية والبابلية عن الطوفان. ومن الناحية الأخرى توجد نقاط اتفاق ملفتة للنظر بينهما، والتي كلها تصب لصالح مزيد من التأكيد للرواية الكتابية، بكونها تُظهر أن الحدث صار جزء مميز في تاريخ المنطقة التي تم فيها الحدث. توجد إشارات متكررة إلى آرك المدينة التي جاء ذكرها في (تك 10: 10)، إشارات إلى جنس الجبابرة، الذين تم وصفهم بتعبيرات خرافية؛ ذكر للامك والد نوح وإن كان تحت اسم مختلف، وذكر لنوح نفسه بكونه شخص حكيم وورع ومحترم، والذي عندما عزم الله على أن يهلك العالم بالطوفان لأجل الخطية، بنى الفلك.
أحيانًا تأتي اللغة قريبًا جدًا من نص سفر التكوين حتى أنه يكاد يبدو للمرء أنه يقرأ اقتباسات منفصلة ومشوهة من النص الكتابي. ونذكر كأمثلة منها، السخرية التي قيل أن بناء الفلك أطلقها من قبل معاصريه، طلاء الفلك من داخل ومن خارج بالقار، إغلاق الباب وراء من تم نجاتهم، فتح الكوة بعد أن هدأت المياه، ذهاب ورجوع الحمامة لأنها لم تجد مقرًا لرجلها، إرسال الغراب والذي لوجود جثث طافية يتغذي عليها لم يرجع، وأخيرًا بناء مذبح بواسطة نوح.
ونلخص نتائج هذا الاكتشاف بكلمات مستر سميث: [لو نتابع هذه المقارنة للأمام سندرك أنه عندما نقارن الرواية الكلدانية بالرواية الكتابية، سنجد أن القصتين تتفقان في الملامح الرئيسية إلى حد بعيد، فمن جهة شر عالم ما قبل الطوفان، الغضب الإلهي والأمر ببناء الفلك، وملئه بالطيور والبهائم، مجيء الطوفان، المطر والعاصفة، استقرار الفلك على جبل، بذل محاولات بإرسال طيور لمعرفة ما إذا كانت المياه انحسرت أم لا، وبناء مذبح بعد الطوفان. كل هذه الحقائق الرئيسية تحدث بنفس الترتيب في كلا الروايتين، ولكن عندما نأتي إلى فحص تفاصيل هذه المراحل في كلا الروايتين ستوجد نقاط اختلاف عديدة، من جهة من تم إنقاذهم ونجاتهم، مدة الطوفان، الموضع الذي عليه استقر الفلك، ترتيب إرسال الطيور وأمور أخرى شبيهة](9).
ونختم هنا باقتباس آخر من نفس الكتاب السابق حيث يُرينا كم أن كثير من المعرفة الأولية للإلهيات، وإن اختلطت بتشويهات مرعبة، حُفظت بين أُناس تلك الفترة المبكرة: [يتضح في ذلك العصر البعيد أن البابليين كان لديهم تقليد عن طوفان كان عقوبة إلهية لأجل شر العالم، وعن إنسان قديس بنى فلك به أفلت من الهلاك، إنسان نُقل فيما بعد وأقام بين الآلهة. هم يؤمنون بجهنم كموضع عذاب تحت الأرض، والسموات موضع المجد في السماء، ووصفهما لهذين الموضعين يتشابه بصورة ملفتة للنظر في نقاط عديدة لتلك التي في الكتاب المقدس. هم يؤمنون بتميز النفس أو الروح عن الجسد، والتي لم تهلك بموت الإطار المائت (أي الجسد)، وهم يصورون هذه الروح بكونها صاعدة من الأرض بناء على أمر واحد من الآلهة وتشق طريقها نحو السماء].
_____
(4) بمقارنة (تك 8: 3-4؛ مع تك 7: 11) يبدو أن النص يعني أن الأربعين يوم مطر يلزم أنها من ضمن 150 يومًا وليست مضافة لها.
(5) قد نستطيع أن نكون فكرة عن هذا الأمر من خلال التسونامي الذي حدث منذ سنوات قليلة مضت واكتسح بلاد كثيرة في اندونيسيا وبعض دول مجاورة حيث غرقت البلاد الساحلية بفعل طوفان المياه الذي غمر اليابسة وقتل الألوف.
(6) من المعروف عن شجر الزيتون أنه لا يتأثر سلبًا من ارتفاع منسوب المياه الجوفية، بل اكتشف الخبراء أنه لو أردت أن تُنزل منسوب المياه الجوفية في وادي ما لحماية مزروعات أخرى عليك بزراعة شجر زيتون.
(7) Dr. Blaikie, Bible History, p. 29.
(8) See Assyrian Discoveries, by George Smith. London, 1875.
(9) Assyrian Discoveries, p. 218.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/bible-history-edersheim-1/flood.html
تقصير الرابط:
tak.la/zkga6xh