* 8- عقيدة قيامة الأجساد والدينونة العامة:
وهي من العقائد الأساسية التي علَّمت بها الكنيسة الأولى، امتدادًا لِمَا علَّم به العهد القديم. وقد أوضح الآباء الرسل مدى أهمية هذا المعتقد... فالقيامة الأخيرة للبشر، ترتبط بقيامة المسيح من بين الأموات. حتى إنَّه أن كان الموتى لا يقومون فلا يكون المسيح قد قام. وإن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيماننا... إذن فالموضوع حيوي وجوهري، ويرتبط بإيماننا كله، وبحياتنا هنا في الجسد، وبأبديتنا...
وفي إصحاح بأكمله -هو الخامس عشر من الرسالة الأولى إلى كنيسة كورنثوس- يوضح القديس بولس عقيدة القيامة، مُدلِّلًا عليها بأدلة قوية، مُحذرًا من الهراطقة الذين ينكرون القيامة، مُجيبًا على التساؤلات التي ثارت بشأنها(111).
"لَكِنْ إن كَانَ الْمَسِيحُ يُكْرَزُ بِهِ أَنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ فَكَيْفَ يَقُولُ قَوْمٌ بَيْنَكُمْ أن لَيْسَ قِيَامَةُ أَمْوَاتٍ؟. فَإن لَمْ تَكُنْ قِيَامَةُ أَمْوَاتٍ فَلاَ يَكُونُ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ!. وَإن لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أيضًا إِيمَانُكُمْ... لأَنَّهُ إن كَانَ الْمَوْتَى لاَ يَقُومُونَ فَلاَ يَكُونُ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ. وَإن لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ. أنتُمْ بَعْدُ فِي خَطَايَاكُمْ!.. إن كَانَ لَنَا فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ فَقَطْ رَجَاءٌ فِي الْمَسِيحِ فَإِنَّنَا أَشْقَى جَمِيعِ النَّاسِ. وَلَكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ" (1كو 15: 12-20).
ويوضح معلمنا بولس في هذا الفصل أنَّ قيامة الأموات هي الدافع لكل القديسين الذين يُقابلون الأهوال من أجل الرب "إن كَانَ الأَمْوَاتُ لاَ يَقُومُونَ... لِمَاذَا نُخَاطِرُ نَحْنُ كُلَّ سَاعَةٍ؟. إِنِّي... أَمُوتُ كُلَّ يَوْمٍ" (1كو 15: 29-31). وهي الدافع على الجهاد وحياة الفضيلة... "إن كَانَ الأَمْوَاتُ لاَ يَقُومُونَ فَلْنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ لأَنَّنَا غَدًا نَمُوتُ" (1كو 32:15)... وفي الرسالة إلى فيلبي يُعبِّر بولس أنَّ قيامة الأموات هي أمله، فيقول: "لَعلى أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ" (في 11:3).
وفي رسالته الثانية إلى كورنثوس عاد بولس يؤكد حقيقة القيامة... "عَالِمِينَ أَنَّ الَّذِي أَقَامَ الرَّبَّ يَسُوعَ سَيُقِيمُنَا نَحْنُ أيضًا بِيَسُوعَ، وَيُحْضِرُنَا مَعَكُمْ" (2كو 14:4)... "لأَنَّهُ لا بُد أَنَّنَا جَمِيعًا نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِالْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْرًا كَانَ أَمْ شَرًّا" (2كو 10:5)... ويقول لتيموثاوس: "صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ: أَنَّهُ أن كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَهُ فَسَنَحْيَا أيضًا مَعَهُ. أن كُنَّا نَصْبِرُ فَسَنَمْلِكُ أيضًا مَعَهُ" (2تي 12،11:2)(112).
وقد أعلن بولس حقيقة الدينونة العامة وقيامة الأجساد في الآريوس باغوس أمام الفلاسفة الأبيقوريين والرواقيين، وأمام مجلس اليهود الأعلى (السنهدرين)، وشهد بذلك أمام الوالي فيلكس والملك أغريباس(113).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
* وقد وضع الآباء الرسل قانون إيمان يحفظه طالب العماد ويتلوه إعلانًا لإيمانه وقت عماده. وهو في نفس الوقت بمثابة تعهد بحفظ هذا الإيمان... والدينونة العامة وقيامة الأجساد تؤلفان نقطتيْن جوهريتيْن في هذا القانون.
وبعض نقاط هذا القانون أشار إليه معلمنا بولس في (عب 2،1:6) حينما قال: "لِذلِكَ وَنَحْنُ تَارِكُونَ كَلاَمَ بَدَاءَةِ الْمَسِيحِ، لِنَتَقَدَّمْ إِلَى الْكَمَالِ، غَيْرَ وَاضِعِينَ أيضًا أَسَاسَ التَّوْبَةِ مِنَ الأَعْمَالِ الْمَيِّتَةِ، وَالإِيمَانِ بِاللهِ، تعليم الْمَعْمُودِيَّاتِ، وَوَضْعَ الأَيَادِي، قِيَامَةَ الأَمْوَاتِ، وَالدَّيْنُونَةَ الأَبَدِيَّةَ"(114).
وجاء في قوانين الرسل عن القيامة والدينونة العامة... (الله الكُلِّى القدرة نفسه سيُقيمنا بربنا يسوع المسيح حسب وعده الصادق - يُقيمنا مع جميع الذين رقدوا منذ بدء العالم. وسنكون كما نحن الآن في صورتنا الحالية، دون عطب أو فساد. وسنقوم بغير فساد، سواء متنا في البحر، أو بُعثرت أشلاؤنا في الأرض، أو قطَّعت الحيوانات أو الطيور المفترسة أوصالنا. سيُقيمنا الله بقوته، فيده تضبط العالم كله)(115)...
* الآباء الرسوليون:
وعقيدة قيامة الراقدين واضحة في كتابات الآباء الرسوليين:
فالقديس إكليمنضس الروماني يقول: (ليتنا نضع في اعتبارنا يا أحبائي كيف أنَّ الرب يُثبت لنا دائمًا أنَّه ستكون قيامة في المستقبل، تلك التي كان الرب يسوع المسيح باكورتها)(116)...
والقديس بوليكاربوس في رسالته إلى كنيسة فيلبي يقول: (مَنْ لا يعترف بشهادة الصليب هو من إبليس. وكل مَنْ يُعوِّج أقوال الرب من أجل شهواته، ويقول إنَّه ليس قيامة ولا دينونة، فهو بكر الشيطان)(117).
وقد كتب الفيلسوف يوستينوس الشهيد كتابًا عن قيامة الموتى، ضاع معظمه، ولم يتبقَّ منه سوى شذرات تحوي عشر فصول قصيرة(118).
_____
(111) انظر: سمعان سليدس؛ الصلاة عن المنتقلين ص 4-31.
(112) انظر: (2تي 12،10:1؛ 8،1:4؛ أع 42:10؛ 1تس 16،14:4).
(113) انظر: (أع 31:17؛ 6:23؛ 25،15:24؛ 23،22:26).
(114) يشير معلمنا بولس إلى قانون الإيمان هذا في (رو 17:6؛ غل 16:6).
Rufinus; Acommentary on the Apostles' Creed (N.P.N.F., series 2) Vol. 3, pp. 541-563.
انظر أيضًا:
Rawson Lumby; The History of the Creeds, pp. 1-11.
Documents of the Christion Church, pp. 33, 34.
(115) Apost. Const. B. 5, ch. 7.
(116) Clement, 1 Corinthians, ch. 24.
(117) Phil., 7. 1.
(118) Fragments of the Lost work of Justin Martyr on the Resurrection A.N.F. Vol. 1, pp. 294-299.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/resurrection.html
تقصير الرابط:
tak.la/4zdf8aa