الدخلاء والمتعبدون(29):
كان ليهود الشتات رسالة بين الأمم الوثنية، إتمامًا لوصية الرب "اعترفوا للرب يا بني إسرائيل، وسبحوه أمام جميع الأمم. فإنه فرقكم بين الأمم الذين يجهلونه، لكي تخبروا بمعجزاته، وتُعرفوهم أن لا إله قادر على كل شيء سواه" (طوبيا 13: 3، 4)... ومن هنا فقد طافوا البحر والبر ليكسبوا دخيلًا واحدًا (مت 23: 15). وهكذا، فقد كان كل يهودي -بحسب تعبير القديس بولس- يثق أنه قائد العميان ونور للذين في الظلمة، ومهذب للأغبياء، ومعلم للأطفال (رو 2: 19، 20).
كان اليهودي بين جيرانه الوثنيين يتمتع بمهارة تثير عليه كراهيتهم... كما أنه كان موضع سخريتهم بسبب الأمور التي تنفرد بها ديانته(30)، كما كان مكروهًا للإصرار على الوقوف بمعزل عن بقية الجنس البشري... لكن على الرغم من ذلك، فقد استطاعت اليهودية في كل عصر أن تجذب إليها بعض المفكرين، الذين راقتهم عقيدتها التوحيدية وسمو شريعتها الأدبية بالمقارنة مع خرافات الوثنية وفساد أدبياتها... ومن أمثلة هؤلاء بعض قواد المائة الذين أحبوا اليهودية والشعب اليهودي وبنوا لهم مجامع (لو 7: 5)...
لقد رحبت اليهودية بأمثال هؤلاء وقدمت لهم كتابها المقدس باللغة اليونانية (الترجمة السبعينية)، وسمحت لهم في بعض الأحيان بحضور خدمات المجمع (انظر أع 13: 42)... كان بعض هؤلاء المعجبين باليهودية يخطون الخطوة الأخيرة نحو انضمامهم لليهودية، فيختتنون، وكان يُطلق عليهم اسم "الدخلاء"، ويوضعون في وضع يقارب اليهود بالمولد. والبعض الآخر كانوا يقبلون حقائق الديانة اليهودية الكبرى، لكنهم كانوا يرفضون حمل نير الناموس اليهودي بما فيه من قيود دائمة، وعُزلة لا مفر منها... وقد سُمح لهؤلاء بحضور المجمع وبالاختلاط بأصدقائهم من اليهود، مقابل امتناعهم عن بعض الأطعمة والممارسات التي يمتنع عنها اليهود(31). كما كانوا يصومون ويقدمون صدقات كأكثر اليهود تدقيقًا (أع 10: 2،3)... ودُعي هؤلاء باسم "المتعبدين" أو "خائفي الله".
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وكثيرًا ما نقرأ في سفر أعمال الرسل عن الدخلاء والمتعبدين(32)... كانوا يحجون إلى أورشليم لزيارة الهيكل في الأعياد الكبيرة (أع 2: 10)... وكان لهم مكان مخصص في الهيكل عرف باسم "دار الأمم"... بين هؤلاء المتعبدين، وُجِدت المسيحية -وقد طرحت عنها نير اليهودية الثقيل- سامعيها المستعدين، إذ وجدوا فيها أفضل وأسمى مما جذبهم نحو اليهودية، وبلا قيود أو معوقات...
_____
(29) Smith; Dictionary of the Bible, Vol. 3, pp. 940, 941; Hill, pp. 56-59; L’Eglise Primitive, p. 60.
(30) كالختان وحفظ السبت وعدم أكل الخنزير وبعض المأكولات، ورفض الأوثان... إلخ.
(31) يغلب على الظن أن تلك القيود كانت هي نفس القيود التي فرضت في العهد القديم على الغريب الذي يقيم بين بني إسرائيل (انظر لا 17، 18).
(32) انظر: (أع 13: 42، 43، 50 - أع 17: 4 - أع 18: 7).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/proselytes.html
تقصير الرابط:
tak.la/c5bk24r