1. التهود:
ويهدف أصحاب هذا الاتجاه إلى ربط أنفسهم بالناموس اليهودي القديم، وإدماج المسيحية باليهودية، بحيث يصبح الإنجيل هو الناموس القديم محسنًا أو مكملًا. إنهم يعتبرون المسيح مجرد نبي، أو موسى الثاني. وهم ينكرون أو يغفلون طبيعته الإلهية ووظائفه ككاهن وملك(3)...
كان هؤلاء المسيحيون المتهودون، في حقيقتهم يهودًا، وفي ظاهرهم مسيحيين بالاسم... وقد مارسوا وأتموا ناموس موسى الأدبي والطقسي، واعتبروه ملزمًا لهم، وأنه لازم للخلاص. ولم يفهموا المسيحية على أنها ديانة عامة مسكونية جديدة، متحررة من الناموس القديم(4)...
2. ومن الناحية المقابلة، قام بعض الأمميين المتنصرين، وحاولوا الانفصال عن الماضي كلية، وقطع أنفسهم عنه، على عكس المسيحيين المتهودين. ومن هنا يمكن تسمية هذا النوع من الهرطقة [الهرطقة المتأممة] Paganizing Heresy أو [الغنوسية] Gnostic Heresy. واللفظ اليوناني غنوسيس Gnosis معناه (معرفة)... والغنوسية هي محاولة فلسفية دينية، رأت أن تطلق على ذاتها هذه التسمية، لتعبر عن أنها لا تؤمن الإيمان الأعمى، بل تعتمد على العقل والمعرفة. لقد وضع الغنوسيون العقل فوق الإيمان، والفلسفة فوق الدين، وجعلوا الفكر الخالص رقيبًا على الوحي، يستطيع أن يرفض منه ما لا يقبله العقل... وإن كانت الغنوسية لم تظهر كهرطقة في الكنيسة تحمل هذا الإسم إلَّا في القرن الثاني، لكن جذورها ومبادئها وتعاليمها وجدت في العصر الرسولي. وهناك إشارات واضحة في رسائل الرسل إليها، خاصةً رسائل كولوسي وتيموثاوس الأولى وتيطس وبطرس الثانية، ويوحنا الأولى والثانية وسفر الرؤيا في الرسائل الموجهة إلى أساقفة السبع كنائس(5).
وتتلخص الغنوسية(6) في أنها محاولة فلسفية لتفسير الشر والخلاص منه، مع رفض كتاب العهد القديم... وهي تمجد العلم أكثر من اللازم، وتقلل من شأن الإيمان، وهكذا حولوا الإيمان إلى معرفة عقلية لله... وحاولوا تفسير وجود الشر بالقول بالاثنينية، أي وجود أصلين للكائنات، الروح الأعلى والمادة، أو الخير والشر... أما خلاص روح الإنسان المحبوسة في المادة (الجسد) فيكون -حسب تعاليمهم- إما بالتزام النسكيات الصارمة والابتعاد عن كل ما هو مادى بقدر الإمكان، وإما بالانغماس في كل ما هو شهواني، زاعمين الانتصار على الحس بالانغماس فيه... أما عقيدتهم في المسيح، فهي أنه خيال، منكرين ناسوته(7). وإلى هذه النقطة بالذات -إنكار ناسوته(8)- أشار يوحنا الرسول في رسالتيه الأولى والثانية "كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله. وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد، فليس من الله" (1يو 4: 2، 3).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
3. كما وجدت محاولات معاصرة لنشأة الكنيسة المسيحية، لإدماج الديانة اليهودية في الفلسفة الوثنية، بخاصةً فلسفتي فيثاغورث وأفلاطون وقد قام بهذه المحاولات الفيلسوف اليهودي الإسكندري فيلو Philo في القرن الأول الميلادي، وبعض جماعات المتعبدين من الثيرابوت Therapeutae والأسينيين وغيرهم. وأخذ هذا الخليط العجيب يظهر في المسيحية بالاسم المسيحي، مكونًا إما يهودية مختلطة بالوثنية، أو وثنية متهودة(9).
ومهما يكن الاختلاف بين هذه الأنواع الثلاثة من الهرطقات، فإنها تكاد تصل في النهاية إلى إنكار واضح للحق الجوهري في الإنجيل، وهو تجسد ابن الله من أجل خلاص العالم. إنها تجعل من المسيح إما مجرد إنسان، أو شخصية خيالية فائقة للطبيعة. وهي لا تعترف على أي الحالات بأى اتحاد حقيقى دائم بين اللاهوت والناسوت في شخص المسيح. وهذه هي العلامة التي وضعها يوحنا الرسول لضد المسيح (1يو 2: 23 4: 1-3). إنها تقوض أساس المسيحية بلا منازع. لأنه إذا لم يكن المسيح هو الله المتأنس والوسيط بين الله والناس، فإن المسيحية تختفي غارقة في الوثنية أو اليهودية(10).
_____
(3) Schaff
, Vol. 1, pp. 565, 566.(4) عن موضوع التهود بالتفصيل انظر الفصل الخاص به في هذا الكتاب، وأيضًا:
Wuest, Galatians in the Greek N.T. pp. 11- 23.
(5) Schaff, Vol. 1, p. 566.
(6) عن الغنوسية ومبادئها بالتفصيل، انظر:
Harnack, History of Dogma, Vol. 1, pp. 263- 264.
(7) فكرة إنكار الناسوت (الجسد) عند الغنوسيين، مصدرها الاعتقاد القديم أن الجسد هو العنصر المادي الذي فسد بالشر. فكيف للمسيح القدوس الذي غلب الشر أن يأتي في جسد؟!
(8) سمى هؤلاء المنكرين لناسوت المسيح Docetics من الفعل اليوناني dokei أي لاح وبدا. أي أن المسيح لم يولد من لحم ودم، ولم يكن له جسد ولم يتألم، لكن (شبه لهم) - انظر:
Carrington, Vol. 1, pp. 308, 309.
(9) Schaff, Vol. 1, pp.566. 567.
(10) Schaff, Vol. 1, p. 567.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/jewishlike.html
تقصير الرابط:
tak.la/r67cs7t