3- الكرازة بإنجيل الخلاص:
الإنجيل كما بشر به ربنا يسوع المسيح هو ديانة فداء وخلاص. ولما قال على الصليب "قد أكمل"، كان قد أتم عمله كمخلّص أو شاف... والحق أن الرب يسوع ظهر وسط شعبه كطبيب "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب، بل المرضى" (مر 2: 17؛ لو 5: 31) والأناجيل الثلاثة الأولى تصوره كطبيب للنفس والجسد، وكمخلص أو شاف للبشر. هكذا نقرأ عنه أنه كان "يطوف المدن كلها والقرى يعلم في مجامعها، ويكرز ببشارة الملكوت، ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب. ولما رأى الجموع تحنن عليهم، إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها. حينئذ قال لتلاميذه الحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون" (مت9: 35- 37)... ونلاحظ هنا، كيف أن الرب يربط بين مرض الجسد ومرض النفس لقد نظر إليهما كتعبيرين مختلفين لعلة البشرية الكبيرة الواحدة... كان أيسر له أن يقول للمريض "قم وامش" لكنه قال له: "أيها الإنسان مفغورة لك خطاياك" (لو5: 18-25).
لم ينفر من الخطاة وينفصل عنهم حسب المفهوم اليهودي الفريسي في عصره بل كان تصرفه هذا مثيرًا لدهشة اليهود بقدر ما كان اتهامًا موجهًا إليه "يأكل ويشرب مع عشارين وخطاة"(*)... كان المحيطون به، أناسًا شفاهم من مرض الروح والجسد... هذا كان في أيام جسده. ولما ارتفع على الصليب أظهر قوته المخلّصة في أروع صورها، وادخرها لمَنْ لم يبصره في الجسد "الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة، لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر. الذي بجراحه شفيتم" (1 بط 2: 24)... كان هذا هو الحق الجديد الذي انبثق من الصليب، وينبوع التطهير الذي تفجر منه.
انتشر الرسل والتلاميذ حاملين بشرى الإله المخلص والطبيب الشافي، الذي كانت حياته وأعماله وموته هي خلاص البشر(46)... لقد كانت كل هذه المعاني مرتسمه أمام القديس بولس حينما قال للغلاطيين: "الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي" (غل 2: 20)، وحينما كتب لتيطس يقول: "لأنه قد ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس... الذي بذل نفسه من أجلنا لكي يفدينا من كل إثم ويطهر لنفسه شعبًا خاصًا غيورًا في أعمال حسنة" (تي 2: 11- 14).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
هذا هو الحق الذي أعلنه رسل ربنا يسوع المسيح منذ البداية... هكذا قال معلمنا بطرس أمام السنهدرين اليهودي: "ليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخر تحت السماء، قد أُعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص" (أع 4: 12)... لذا يتساءل القديس بولس الرسول في دهشة: "فكيف ننجو نحن إذا أهملنا خلاصًا هذا مقداره، قد ابتدأ الرب بالتكلم به، ثم تثبت لنا من الذين سمعوا" (عب 2: 3).
لاقت هذه الدعوة إلى الخلاص، قبولًا كبيرًا وعميقًا في العالم القديم، وبخاصةً بين الطبقات الدنيا المرذولة والمحتقرة... هذه الطبقات التي ما كان يحسب لها أدنى حساب -ليس سياسيًا أو اجتماعيًا فحسب- بل وحتى دينيًا. كان الدين -بالنسبة للعالم الذي حمل إليه الرسل بشراهم الجديدة- للأصحاء وليس للمرضى، للأطهار وليس للخطاة... كانت هذه هي فكرة الوثنيين واليهود على السواء. كان المرضى والخطاة يُتركون فريسة لقوات الظلمة، لأن الآلهة لا تسر بهم(47). وكان هذا الفهم موجودًا عند الفيلسوف الوثني كلسوس عدو المسيحية اللدود في القرن الثاني(48).
كانت الخليقة كلها تئن، متطلعة إلى المخلص... اليهود يعلنون بلسان مريض بيت حسدا: "ليس لي إنسان" (يو 5: 7)، والأمم يعلنون بلسان ذلك الرجل المكدوني الذي تراءى لبولس في رؤيا: "اعبر إلى مكدونية وأعنا" (أع 16: 9)... وهكذا عاونت هذه المشاعر، الكارزين بالمسيحية...
_____
(*) انظر: (مت 9: 11، مر2: 16، لو 15: 2).
(46) انظر: (لو 2: 11؛ يو 4: 42؛ تي 3: 4، 6).
(47) Harnack; Missions...pp. 103, 104.
(48) Origin, C. Cels.،3.59-.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/gospel.html
تقصير الرابط:
tak.la/45xakh5