2- الكرازة بديانة الروح والقوة(44):
لقد أثبتت المسيحية في نشاطها الكرازي أنها ديانة الروح والقوة. ولا نقصد بهذا القول المثاليات والمفاهيم الروحية التي قدمتها للعالم، والنهج الروح الذي نهجته، بل نقصد قوة رسالتها وفعاليتها في النفوس. فعظة يوم الخمسين التي ألقاها بطرس، هي عظة قصيرة وبسيطة ولكن تأثيرها كان عجيبًا... "لما سمعوا نُخِسوا في قلوبهم، وقالوا لبطرس ولسائر الرسل ماذا نصنع أيها الإخوة". (أع 2: 37). وانضم إلى الكنيسة في ذلك اليوم ثلاثة آلاف نفس... ما الذي حدث؟ هل هذا هو تأثير كلمات صياد الجليل ورفقائه البسطاء؟ بكل تأكيد، لا... إنها تأثير روح الله المصاحب لهذه الكلمات... من هنا نفهم ما حدث "نخسوا في قلوبهم"... وما الذي يستطيع أن ينخس القلب إلا روح الله؟!
والقديس بولس الفيلسوف يخاطب الكورنثيين في بلاد الفلسفة قائلًا: "وأنا لما أتيت إليكم أيها الأخوة أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة مناديًا لكم بشهادة الله... وكلامي وكرازتي لم يكونوا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع، بل ببرهان الروح والقوة. لكي لا يكون إيمانكم بحكمة الناس، بل بقوة الله" (1 كو2: 1-5). أما برهان الروح والقوة فيشير به إلى عمل الروح القدس المصاحب للكرازة(45)، روح الله الذي لا يمكن أن يقاوم.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
من هنا نفهم كلمات رب المجد "متى ساقوكم ليسلموكم، فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون ولا تهتموا... لأن لستم أنتم المتكلمين بل الروح القدس" (مر 13: 11)... ونرى صدقها في محاكمة استفانوس، حينما لما يقدر الذين تصدوا لمناقشته "أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به" (أع 6: 10).
ومن هنا نفهم كلمات القديس بولس: "لأنه إذ كان العالم في حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة، استحسن الله أن يخلص المؤمنين بجهالة الكرازة" (1 كو1: 21)... وهذا يوضح أن المسيحية في انتشارها لم تكن تعتمد على الأساليب العقلية في الأقناع، بل أن برهان صدق رسالتها كان وما يزال هو "برهان الروح والقوة".
وكانت كرازة الروح مؤيدة بقوة الروح والعجائب والآيات... "خلاص هذا مقداره قد ابتدأ الرب بالتكلم به، ثم تثبت لنا من الذين سمعوا. شاهدًا الله معهم بآيات وعجائب قوات متنوعة ومواهب الروح القدس حسب إرادته" (عب 2: 3، 4)... وتنوع التعبيرات هنا في كلام الرسول عن هذه العجائب، هو في حد ذاته برهان على الظواهر العديدة المرتبطة بهذا الموضوع... ومنها شفاء المرضى وإخراج الشياطين باسم الرب يسوع، وما أكثر الإشارات عنها في سفر أعمال الرسل... لقد كان ظل بطرس يشفي الأمراض (أع 5: 15)، وكانت مناديل ومآزر بولس تشفي الأمراض وتخرج الأرواح الشريرة (أع 19: 12).
_____
(44) Harnack; missions... pp. 199-206.
(45) انظر: (لو 24:49؛ أع 1: 8).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/religion.html
تقصير الرابط:
tak.la/k452k6q