مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الكنيسة المسيحية في عصر الرسل - الأنبا يوأنس أسقف الغربية📖

189- سر الإفخارستيا

 

3 - سر الافخارستيا:

ولعله أكثر أسرار الكنيسة السبعة وضوحًا وتلألأً... به يتناول المؤمن جسد المسيح ودمه الحقيقيين الأقدسين، تحت أعراض الخبز والخمر، بعد استحالتهما بفعل الروح القدس الذي يستدعيه الكاهن في صلوات التقديس...

والرب يسوع المسيح نفسه هو مؤسس هذا السر، وقد مارَسته كنيسة الرسل، ودعته "كسر الخبز"⁽¹⁵⁹⁾، والافخارستيا⁽¹⁶⁰⁾ (الشكر)، وذلك لأن الرب يسوع في إتمامه لهذا السر، شكر وكسر، كما أننا نشكر الرب على كل إحساناته، ص 318 وفي مقدمتها ذبيحة جسده ودمه غير الدموية، التي هي امتداد لذبيحة الصليب، والتي بها ننال غفران خطايانا، وثباتًا في شخصه بل واتحادًا معه... ثم في النهاية حياة أبدية.

St-Takla.org Image: Verse: "I am the bread of life" (John 6:35) - Saint Mary & St. Demiana Coptic Orthodox Church, Bray, Co. Wicklow, Ireland, Europe - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, May 7, 2017. صورة في موقع الأنبا تكلا: آية: "أنا هو خبز الحياة" (يوحنا 6: 35، 48) - صور كنيسة القديسة مريم العذراء والشهيدة دميانة، كيلارني، براي، ويكلو، أيرلندا - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 7 مايو 2017 م.

نظرة كنيسة الرسل للافخارستيا:

1- تمسكت كنيسة الرسل بما تسلمته من الرب (1كو 11: 23)، (1 كو 10، 11) وحذر المتهاونين من الكورنثيين وكشف لهم حقيقة هذا السر... "إذًا، أيًا من أكل هذا الخبز وشرب كأس الرب بدون استحقاق، يكون مجرمًا في جسد الرب ودمه. لكن ليمتحن الإنسان نفسه، وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس. لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب"... ثم هو يكشف لهم بعض نتائج استخفافهم وتهاونهم بهذا السر فيقول: "من أجل هذا، فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون" (1كو 11: 27-30).

وكلام الرسول في غاية الوضوح، ولا يحتاج إلى تعليق أو إيضاح...

وفي نهاية صلوات التقديس، في كتاب تعاليم الرسل - وهو أقدم ما وصل إلينا عن صلوات الافخارستيا، يقول: "من كان طاهرًا فليتقدم، ومن ليس كذلك فليتب"⁽¹⁶¹⁾.

ويقول أغناطيوس الشهيد [ليس لي مسرة بالطعام البائد أو بملذات هذه ص 319 الحياة، أشتهي خبز الله الذي هو جسد يسوع المسيح الذي كان من نسل داود، وأود أن أشرب دمه]⁽¹⁶²⁾.

وقد حذرت الكنيسة المؤمنين من الهراطقة الذين ينكرون وجود جسد يسوع المسيح في الافخارستيا... قال أغناطيوس الشهيد: [يمتنعون من الافخارستيا والصلاة، لأنهم ينكرون وجود جسد يسوع المسيح مخلصنا في الافخارستيا، ذاك الجسد الذي تألم لأجل خطايانا، والذي أقامه الآب بصلاحه. وهكذا، فإن الذين ينكرون عطية الله، يلقون الموت من جراء إنكارهم واعترافاتهم... تجنبوهم]⁽¹⁶³⁾.

 

2 - وآمنت كنيسة الرسل أن الافخارستيا ذبيحة غير دموية، وأنها في طبيعتها وجوهرها امتداد لذبيحة الصليب:

تقول تعاليم الرسل⁽¹⁶⁴⁾: [في كل يوم أحد اجتمعوا معًا، واكسروا الخبز، وقدموا الشكر بعد أن تكونوا قد اعترفتم بآثامكم، حتى ما تصبح ذبيحتكم طاهرة. ولا يشترك معكم من كان على خلاف مع رفيقه، حتى يتصالحا⁽¹⁶⁵⁾، لئلا تتدنس ذبيحتكم. فهذا ما قاله الرب: في كل مكان وزمان يقرب لي ذبيحة طاهرة، لأني ملك عظيم، يقول الرب، واسمي عجيب بين الأمم]⁽¹⁶⁶⁾.

واضح أن الافخارستيا في تعاليم الرسل -تلك الوثيقة المبكرة- تدعى ذبيحة بكلمات صريحة وبصورة قاطعة... وليس ذلك فقط، بل أن العلماء الذين فحصوا كتاب تعاليم الرسل هذا Didache, اعتبروا ما ذكر فيها عن الافخارستيا، شاهدًا على وجود الله الحقيقي في هذا السر، وأنه ليس رمزًا⁽¹⁶⁷⁾.

ص 320 ويوستينوس الشهيد في حواره مع تريفو اليهودي، يدعو الافخارستيا ذبيحة مقبولة⁽¹⁶⁸⁾.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

3 - وأنها شركة جسد المسيح ودمه، واتحاد به، ومع بعضنا البعض... قال القديس بولس: "كأس البركة التي نباركها أليست هي شركة دم المسيح. الخبز الذي نكسره أليس هو شركة جسد المسيح؟ فإننا نحن الكثيرين خبز واحد، لأننا جميعًا نشترك في الخبز الواحد" (1كو 10: 16، 17).

يقول أغناطيوس الشهيد: [من ثم احرصوا ألا يكون لكم سوى افخارستيا واحدة. لأنه يوجد جسد واحد لربنا يسوع المسيح، وكأس واحدة، للاتحاد بدمه، مذبح واحد]⁽¹⁶⁹⁾.

وفي تعليم الرسل تشبيه لطيف لاتحاد المؤمنين في هذا الجسد... فكما أن حبات كثيرة من القمح المزروع في جهات متفرقة وعلى التلال، اشتركت في الخبز الواحد، الذي تقدس، هكذا تطلب الكنيسة من الله أن يجمعها من أقاصي الأرض⁽¹⁷⁰⁾.

يقول الأستاذ ليتزمان [جميع آكلي هذا الخبز -الذي هو جسد المسيح- يصيرون متحدين في جسد واحد معًا]⁽¹⁷¹⁾.

 

4 - وإنها ذبيحة عينية لموت المسيح وقيامته:

قلنا إن ذبيحة الافخارستيا هي عينها ذبيحة الصليب، وأنها امتداد لها في طبيعتها وجوهرها... ومن ثم تصبح الافخارستيا ذكرى عينية لذبيحة الجلجثة... هذا ما عناه الرب حينما قال:" اصنعوا هذا لذكري" (لو 22: 19، 1كو 11: 25)... ص 321 أي أننا كلما قدمنا هذه الذبيحة نتذكر آلام الرب وموته وقيامته "فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء" (1كو 11: 26)... وعبارة "إلى أن يجيء" تفيد استمرار تقديم هذه الذبيحة بهذا المفهوم حتى إلى مجيء الرب⁽¹⁷²⁾...

 

5 - وأن التناول من جسد الرب ودمه ذو بركات روحية جمة:

فهو يمنحنا غفرانًا للخطايا، وثباتًا في المسيح، وحياة أبدية⁽¹⁷³⁾... وهو غذاء دائم لأرواحنا وأنفسنا وأجسادنا.

يقول يوستينوس الشهيد: [نحن لا نتناول (الافخارستيا كخبز عادي أو شراب عادي... هكذا تعلمنا أن الغذاء الذي يتقدس بالصلاة التي نطق بها هو (يسوع المسيح)، وبه يتغذى لحمنا ودمنا، بواسطة الاستحالة هو لحم ودم يسوع ذاك الذي تجسد]⁽¹⁷⁴⁾.

آمنت كنيسة الرسل بمفاعيل هذا السر العجيبة الفائقة، فاستفادت منه إلى أقصى حد، وعلمت المؤمنين أن يواظبوا على شركة الجسد والدم الأقدسين... تلك الشركة التي تعطينا حياةً وثباتًا واستنارةً...

ما أجمل العبارة التي ذكرها الدكتور تورانس بعد أن فحص كتابات الآباء الرسوليين... قال: "[كانت الحياة المسيحية تطعم في المؤمن بواسطة الافخارستيا بنوع خاص]⁽¹⁷⁵⁾.

ص 322 ويوستينوس الشهيد في دفاعه الأول يصف خدمة الافخارستيا في زمانه، ويخبرنا أن جميع المؤمنين الذين يحضرون الخدمة كانوا يتناولون من الجسد والدم كل يوم أحد... أما الغائبون، الذين كانت ظروفهم لا تسمح لهم بالحضور، فكان الخدام يحملون إليهم جزء من الجسد⁽¹⁷⁶⁾.

هذه الشهادة المبكرة ترسم لنا صورة حية للمؤمنين القديسين، وتفصح لنا عن سر قداستهم وثباتهم في الرب...

إن التناول من جسد المسيح ودمه هو شركة حية مع المسيح إلهنا، يجب ألا تتوقف... إنه كالمن الذي كان بنو إسرائيل يقتاتون به في غربتهم في البرية... هكذا نحن أيضًا يجب أن نتغذى بهذا المن الروحي السماوي طيلة مدة غربتنا في هذا العالم حتى نصل إلى أورشليم السماوية...

لذا أقولها في حسرة وأسى: كم يخطئ المسيحي إلى ذاته حينما يتهاون في تناول جسد الرب ودمه... بل يمضي على البعض سنوات طويلة دون تناول... والبعض لا يتناول إلا في المناسبات...

يقول أغناطيوس الشهيد: [لا يضلن أحد. من يبتعد عن المذبح يحرم نفسه من خبز الله]⁽¹⁷⁷⁾... لنذكر كلمات رب المجد دائمًا:"إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم" (يو6: 53).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(159) (أع 2: 42، 46، 20: 7-11).

(160) Didache 9: 10, 14.

(161) Didache, 10. 6 -

في موضوع الافخارستيا، طبقت تعاليم الرسل قول الرب: "لا تعطوا القدس للكلاب" (مت 7: 6) على غير المؤمنين، وأنهم يجب ألا يتناولوا من الافخارستيا (Didache, 9.5) - وهنا نلاحظ كيف تُدعَى الافخارستيا قدسًا.

(162) Rom., 7. 3.

(163) Smyrn., 7.

(164) Didache, 14.

(165) هذه الكلمات صدى لكلمات السيد المسيح الواردة في العظة على الجبل (مت 5: 23، 24).

(166) (ملاخي 1: 11، 14).

(167) The Riddle of the Didache, pp. 4،5.

(168) Dial., 117.

(169) Phild., 4.

(170) Didache, 9. 4; Les Premires Chretiens, p. 85.

(171) Leitzmann, pp. 150, 151.

(172) هذا ما تردده الكنيسة في صلوات القداس الإلهي، سواء ما يقوله الكاهن أو الشعب "...تبشرون بموتي وتعترفون بقيامتي وتذكرونني إلى أن أجيء"...

(173) (مت 26: 28، يو 6: 51، 55، 56، 58).

وهذا ما تعبر عنه الكنيسة في القداس الإلهي... "اجعلنا مستحقين كلنا يا سيدنا أن نتناول من قدساتك طهارةً لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا".

(174) 1 Apol., 66.

(175) The Doctrine of grace in the Apostolic Fathers; p. 64.

أليس هذا هو نفس المعنى الذي رمى إليه القديس بولس بتشبيهه المؤمن بغصن زيتونة برية، طعم في الزيتونة الجيدة ربنا يسوع المسيح، وهكذا يصير شريكًا في أصل الزيتونة ودسمها (رو 11: 17، 24).

(176) 1 Apol. 65, 67.

(177) Eph., 5.

سر الاعتراف

الكنيسة المسيحية في عصر الرسل كتب الأنبا يوأنس أسقف الغربية

سر التثبيت: سر مسحة الميرون المقدسة

---