كانت مدينة الإسكندرية وقت كرازة الرسل، تعتبر -من الناحية السياسية- المدينة الثانية في الإمبراطورية الرومانية بعد العاصمة روما. لكنها من جهة شهرتها العلمية والثقافية، كانت دون منازع، عاصمة العالم الثقافية في ذلك الحين... فمدرستها الشهيرة، كانت أكبر مركز علمي وفلسفي في العالم الوثني، بما توفر لها من مشاهير العلماء والفلاسفة، وما زخرت به مكتبتها الشهيرة من الكتب والمخطوطات القيمة... كانت الإسكندرية مدينة دولية، عامرة بالسكان من المصريين وإغريق ورومان ويهود وبعض أجناس أخرى... وكانت جاليتها اليهودية، أهم الجاليات اليهودية خارج فلسطين.
وصل الإيمان المسيحي إلى مصر قبل كرازة مارمرقس بها، نظرًا لقرب مصر من بلاد اليهودية... كما كان بين من شاهدوا معجزة يوم الخمسين بعض من سكان "مصر ونواحي ليبيا التي نحو القيروان" (أع 2: 10). وليس ما يمنع أن يكون هؤلاء الذين آمنوا بأورشليم يوم الخمسين، قد حملوا الإيمان معهم إلى مواطنيهم... وهناك إشارة في سفر الأعمال إلى أبلوس الإسكندري الذي كان يهوديًا وتنصر، مقتدرًا في الكتب وخبيرًا في طريق الرب: "وكان وهو حار بالروح يتكلم ويعلم بتدقيق ما يختص بالرب" (أع 18: 24، 25)... والقديس لوقا كتب إنجيله إلى أحد وجهاء الإسكندرية المدعو ثاؤفيلس... ولم يكن إنجيل لوقا هو الوسيلة الأولى التي حملت الإيمان إلى ذلك الرجل، بل إنه كان مؤمنًا قبل وصول إنجيل لوقا إليه، إذ يقول له لوقا: "لتعرف صحة الكلام الذي علّمت به" (لوقا 1: 3،4)... وقيل إن الرسول سمعان القانوي كرز في جنوبي مصر (منطقة أسوان والنوبة)... وعلى أية الحالات فقد وصل الإيمان المسيحي إلى القطر المصري قبل وصول مارمرقس إليه... لكن تأسيس الكنيسة المصرية التي تعرف باسم كنيسة الإسكندرية، يُنْسَب إلى القديس مارمرقس.
والقديس مارمرقس -أحد السبعين رسولًا- أسس هذه الكنيسة حوالي سنة 60 م... وتميزت بكثرة عدد من آمن، وبسمو روحانياتهم، وبحياة الزهد الفلسفية الفائقة الحد التي عاشها جمهور المؤمنين... ومن فرط إعجابه بهذه الحياة، أشار إليها فيلو الفيلسوف اليهودي الإسكندري في القرن الأول الميلادي في كتاب حياة التأمل(68).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
كما أسس مارمرقس في الإسكندرية مدرسة لاهوتية، لتثبيت المؤمنين في الدين الجديد، وتقف أمام المدرسة الوثنية الشهيرة، تقاوم تيارها وأفكارها وترد عليها... وقد قدر لهذه المدرسة -فيما بعد- بما توفر لها من علماء أن تجذب بعض فلاسفة المدرسة الوثنية وتهديهم إلى الإيمان، بل أن تصبح أكبر مركز دراسي لاهوتي مسيحي في العالم كله شرقًا وغربًا لعدة قرون. وقدمت هذه المدرسة للكنيسة المسيحية في مصر وخارجها علماء وفلاسفة، استطاعوا أن يخدموا المسيحية أجل خدمة، ويذودوا عن إيمانهم بأقلامهم التي فندت ادعاءات الفلاسفة الوثنيين...
ولا صحة مطلقًا للادعاء الضعيف القائل بأن بطرس الرسول في جولاته الكرازية عرج على مصر، ومنها -من بابليون- كتب رسالته الأولى (1 بط 5: 13). وقد تناولنا هذه النقطة بالرد والتفنيد في موضوع آخر.
_____
(68) Eusebius, H. E., 2-17.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/alexandria-church.html
تقصير الرابط:
tak.la/4d2zsax