محتويات: (إظهار/إخفاء) |
ماذا أعمل لأرث
الحياة الأبدية؟ التطرف المضاد الطريق الوسطى خلَّصت كثيرين الفكر المُعتدل والمُتزن |
عنوان هذا الكُتيب هو سؤال سأله شاب غني للسيد المسيح.. "مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟" (مر17:10).
وبغض النظر عن تفاصيل إجابة السيد المسيح له، فإننا لو فكرنا في سؤال الشاب نجد أنه سؤال يطرأ على أذهاننا جميعًا: "ماذا أعمل..؟"، "ما هو المطلوب مني لأدخل الحياة الأبدية؟!".
وهناك إجابات كثيرة يمكن أن يتطوع الناس بالإجابة بها، فبعضهم يقولون: "آمن فقط"، بمعنى أن الإيمان بالسيد المسيح وألوهيته كافٍ لضمان دخول السماء.. وآخرون يجاوبون بإجابات أخرى.
على كل الأحوال دعنا نقول الآن إن السيد المسيح لم يعترض على سؤال الشاب ولكنه أجابه.. الإجابة في حد ذاتها برهان على أن السؤال مشروع، وهناك فعلًا شيء يجب أن نعمله لنرث الحياة الأبدية.. وإلاَّ لأجاب السيد المسيح: "لا تفعل شيئًا.. آمن فقط".
هذا السؤال يقودنا إلى مناقشة القضية.. فبكل تأكيد يهدف كل منَّا في جهاده الروحي أن يرث ملكوت السماوات، ولا يوجد هدف أسمى من هذا المطلب الذي يشغل بال الروحانيين منَّا.. هؤلاء الذين قال عنهم مُعلِّمنا بولس الرسول: "أَمَّا الَّذِينَ بِصَبْرٍ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ يَطْلُبُونَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْبَقَاءَ، فَبِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ" (رو7:2).
والسؤال الآن: هل يمكن للإنسان المسيحي الحقيقي أن يضمن نوال ملكوت السماوات ضمانًا نهائيًا وهو ما زال على الأرض؟
وقد يعبِّر البعض عن هذا السؤال بعبارة: "هل خلُصتَ يا أخ؟".
والمقصود بهذا السؤال: "هل لو مُت الآن ستكون عارفًا مُسبقًا أنك داخل إلى الملكوت بالتأكيد؟".
إنني سأجيب عن هذا السؤال أولًا بآية واحدة، ثم بالشرح التفصيلي في هذا الكتيب.. أما الآية فهي:
"لأَنَّنَا بِالرَّجَاءِ خَلَصْنَا. وَلكِنَّ الرَّجَاءَ الْمَنْظُورَ لَيْسَ رَجَاءً،
لأَنَّ مَا يَنْظُرُهُ أَحَدٌ كَيْفَ يَرْجُوهُ أَيْضًا؟
وَلكِنْ إِنْ كُنَّا نَرْجُو مَا لَسْنَا نَنْظُرُهُ فَإِنَّنَا نَتَوَقَّعُهُ بِالصَّبْرِ"
(رو24:8-25).
بمعنى أن ما حصلت عليه بالفعل لا يصير موضوع رجاء، لأنه أصبح شيئًا واقعًا بالفعل! فنحن إذن لم نخلُص بعد، ولكننا نتوقع هذا الخلاص بالصبر والرجاء، وسوف يحدث لنا في المستقبل (أي في الأبدية) وليس الآن!! أما الآن فنحن (بِالرَّجَاءِ خَلَصْنَا).. وهذا الخلاص لم ننظره بعد، بدليل أننا مازلنا نرجوه ونتوقع حدوثه بالصبر.
مثال لذلك: الطالب قبل وفي وقت الامتحانات.. له رجاء أن ينجح، ولكن بعد انتهاء الامتحانات وحينما تظهر نتيجة الامتحان بالنجاح فحينئذ لا يوجد موضع للرجاء بعد، إذ قد تحقق الأمل ولم يعد النجاح مجرد رجاء فقط.
وبالمثل.. نحن الآن لنا الرجاء في الخلاص، ولكننا لم نصل إليه أو نناله بعد.. بل نتوقعه بالصبر.
فإذا سُئلت: (هل خلُصت يا أخ؟). فقل: (بِالرَّجَاءِ خَلَصْنَا.. إنني أتوقعه بالصبر).
وكما أنه لا يستطيع الطالب أن يطمئن تمامًا إلى نجاحه إلاَّ بعد الانتهاء من امتحاناته وظهور النتيجة.. كذلك لا أستطيع أن أقول إنني ضمنت السماء إلاَّ بعد دخولها.
وليحذر البعض في أثناء شرحهم للفكر الأرثوذكسي في هذا الأمر أن يقعوا في التطرف الآخر المضاد مما قد يشوه الأرثوذكسية.. إذ يعطي البعض إيحاءً بأن الأمل في الخلاص ضعيف جدًا أو منعدم. فالخلاص في نظرهم يتطلب أصوامًا وصلوات وميطانيات وتوبة وقرع صدر.. وبعد كل ذلك يكون الأمل في ميراث الملكوت ضعيفًا!!
إن الفكر الأرثوذكسي الحقيقي هو فكر متوازن، وفيه نركز على نعمة الرجاء والأمل العظيم في نوال ملكوت السموات، لكن مع ضرورة الحرص والجهاد والاستمرارية والصبر إلى المنتهى، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.
ويجب أن نلاحظ أن كلا التطرفين خطير، ويُفقد الإنسان حماسه الروحي.
^ فمثلًا لو أن طالبًا في الثانوية العامة أو دارسًا لدرجة الدكتوراه.. رأى أن المناهج صعبة وقيل له إن الامتحانات غاية في التعقيد.. قد يفقد الأمل في النجاح أو التفوق فيقل حماسه ومجهوده إذ لا رجاء له!
^ وعلى النقيض لو وُجد مَنْ يُبسِّط له الموضوع بزيادة ويقنعه بأنه ناجح بكل تأكيد، ولا داعي للاجتهاد والمذاكرة والمثابرة! فيفكر في نفسه.. لماذا يتعب ويجتهد فيما بعد؟! وينطفئ حماسه للعمل والمواصلة، فيفقد فرصته في النجاح.
إن كلا الاتجاهين يحطم الإنسان ويفقده مستقبله.. (الخوف الزائد وصغر النفس أو الثقة الزائدة والاطمئنان المزيف).
الطالب الذي يضع التفوق هدفًا يسعى إليه ويجتهد جهادًا عظيمًا للحصول عليه دون تهويل أو تهوين، ويضع أمامه معونة الله الذي سند مَنْ كانوا قبله حتى وصلوا لما كانوا يرجونه.. فإنه بكل تأكيد سيجتهد وهو ممتلئ بالأمل والرجاء في النجاح.
هذا هو وضع الإنسان المسيحي الحقيقي وهو سائر في طريق الملكوت، يحذوه كل الأمل في الحصول على الأبدية السعيدة ويُمارس كل الحرص ألاَّ يفقد هذا الرجاء السعيد.
إذًا فيجب أن يكون لنا الرجاء ونجاهد من أجل تحقيقه دون السماح لأي مشاعر سلبية بالفشل أو بضياع الحياة الأبدية بالتسلل إلى داخل الإنسان.
في شعور حقيقي بعدم الاستحقاق.. أضع هذا المجهود الصغير بين يدي الله القدير ليحفظ لنا نقاوة إيماننا، ببركة أمنا العذراء الطاهرة مريم وجميع القديسين، وبصلوات أبينا الطاهر قداسة البابا تواضروس الثاني، وشريكه في الخدمة الرسولية أبينا الطوباوي المكرّم الأنبا موسى أسقف الشباب.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/inherit-eternal-life/preface.html
تقصير الرابط:
tak.la/3d44fq8