2- آباء الكنيسة:
وهم الآباء الذين ساهموا في شرح، وصياغة الإيمان، ويُشترط للأخذ برأيهم، أن يكون هذا الرأي عليه إجماع كنسي.
كيف نقرأ الآباء؟ - قواعد قراءة الآباء
قد يتفق البعض معنا فيما نؤمن، وقد يختلف البعض الآخر من الاحباء الدارسين؛ ويستند كل فريق إلى أقوال آباء، ودراسات جادة، محترمة، جديرة بأن ننظر إليها بعين الاعتبار؛ فلا يوجد حق مطلق إلا في الله ذاته، ولا يمكن أن يخلو أي رأي من بعض الحق، وقد تكون الآراء المتباينة متكاملة، لو نظرنا إليها بعين التوافق، وليس بعين الاصطدام، والتصيد، والازدراء.
كل ما نرغبه ونتمناه، هو الوصول إلى فهم متبادل في قضايانا الإيمانية المختلف عليها حاليًا، دون أن نفقد المحبة، وسلام الكنيسة. “لِتَصِرْ كُلُّ أُمُورِكُمْ فِي مَحَبَّةٍ.” (1كو 16: 14)
“وَثَمَرُ ٱلْبِرِّ يُزْرَعُ فِي ٱلسَّلَامِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَفْعَلُونَ ٱلسَّلَامَ.” (يع 3: 18)
فتعالوا نتفق على بعض المبادئ عند قراءة تعاليم الآباء.
1- نقرأ نصوص الآباء في أصولها، أو الترجمات الأمينة المعتمدة.
“وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا.” (2تي 2:2)
القديس أثناسيوس الرسولي: " دعونا ننظر إلى تقليد الكنيسة الجامعة، وتعليمها، وإيمانها، الذي هو من البداية، والذى أعطاه الرب، وكرز به الرسل، وحفظه الآباء، وعلى هذا الاساس تأسست الكنيسة، ومن يسقط منه فلن يكون مسيحيًا، ولا ينبغي ان يدعى كذلك فيما بعد. "[1]
2- نقرأ الدراسات الآبائية التي قام بها الباحثون، والدارسون الأمناء لروح الكنيسة، وإيمانها، ويكون لنا دائمًا روح التمييز والافراز؛ لئلا تقودنا أفكار الآخرين إلى متاهات فكرية، بعيدة عن ما قصده الآباء في كتاباتهم.
"وَتَعْرِفُ مَشِيئَتَهُ، وَتُمَيِّزُ ٱلْأُمُورَ ٱلْمُتَخَالِفَةَ، مُتَعَلِّمًا مِنَ ٱلنَّامُوسِ." (رو 2: 18).
3- نقرأ للآباء المعتبرين أعمدة في الكنيسة، والذين ساهموا بصورة أمينة في شرح وصياغة الإيمان، فليست كل كتابة قديمة اعتمدتها الكنيسة.
“«هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: قِفُوا عَلَى ٱلطُّرُقِ وَٱنْظُرُوا، وَٱسْأَلُوا عَنِ ٱلسُّبُلِ ٱلْقَدِيمَةِ: أَيْنَ هُوَ ٱلطَّرِيقُ ٱلصَّالِحُ؟ وَسِيرُوا فِيهِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا: لَا نَسِيرُ فِيهِ!” (إر 6: 16)
ينصح القديس كيرلس عمود الدين، بقراءة كتب تفسيرية مُعينة فيقول: “أعتقد أن الذين يدرسون الأسفار المقدسة، يمكنهم الإستعانة بكل الكتابات الأمينة، والصالحة، الخالية من الأخطاء، وهكذا يجمعون أفكار الكثيرين في وحدة واحدة، لخدمة الرؤيا، وإدراك الحق، هؤلاء يرتفعون إلى مستوى جيد من المعرفة، ويتشبهون بالنحلة، أو المرأة الحكيمة النشيطة التي تجمع شهد العسل، الذي للروح القدس”(502).
4- الحذر من أخذ أراء واستنتاجات الدارسين كمُسلّمات، لا مناقشة فيها؛ فالدارسون أنفسهم يختلفون في استنتاجاتهم.
“وَكَانَ هَؤُلَاءِ أَشْرَفَ مِنَ ٱلَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي، فَقَبِلُوا ٱلْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ ٱلْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هَذِهِ ٱلْأُمُورُ هَكَذَا؟” (أع 17: 11)
5- يجب أن تكون القراءة والدراسة، بروح أمينة، وغير موجهة بأفكار مسبقة، أو بأشخاص نحبهم. أو نرفض الفكر لمجرد أن علّم به شخص لا نقبله، أو نرفض تعليمه. والقراءة يجب أن تكون بتأني، ووعي، وتأمل، ومقارنة النصوص ببعضها لعمل رؤية شاملة.
“فَتِّشُوا ٱلْكُتُبَ لِأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ ٱلَّتِي تَشْهَدُ لِي.” (يو 5: 39)
6- نقرأ للآباء بصفة عامة، وليس لأحدهم فقط، لانه لا يمكن أن ينحصر الحق الإلهي في أب واحد؛ لذلك يُشترط الإجماع الكنسي على الرأي أو الفكر، حتى يصلح أن يكون تعليمًا تتبناه الكنيسة.
“رَأَيْنَا وَقَدْ صِرْنَا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ أَنْ نَخْتَارَ رَجُلَيْنِ وَنُرْسِلَهُمَا إِلَيْكُمْ مَعَ حَبِيبَيْنَا بَرْنَابَا وَبُولُسَ، (أع 15: 25)
يقول القديس كيرلس الكبير: "نحن نفسر تدبير مخلصنا كما فسره الاباء القديسون، فنحن نهذب عقولنا بقراءة اعمالهم، ونتتبع خطاهم، ولا ندخل شيئا جديدا على تعاليمنا الارثوذكسية"
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
7- نقرأ فكر الأب ككل، بلا اقتطاع، لنفهم قصده وتيار تعليمه؛ لانه كما توجد خطورة من استخدام آية واحدة من الكتاب المقدس، كذلك هناك خطورة في استخدام قول واحد لأب قديس.
“وَٱحْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلَاصًا، كَمَا كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَخُونَا ٱلْحَبِيبُ بُولُسُ أَيْضًا بِحَسَبِ ٱلْحِكْمَةِ ٱلْمُعْطَاةِ لَهُ، كَمَا فِي ٱلرَّسَائِلِ كُلِّهَا أَيْضًا، مُتَكَلِّمًا فِيهَا عَنْ هَذِهِ ٱلْأُمُورِ، ٱلَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ ٱلْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا غَيْرُ ٱلْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ ٱلثَّابِتِينَ، كَبَاقِي ٱلْكُتُبِ أَيْضًا، لِهَلَاكِ أَنْفُسِهِمْ.” (2 بط 3: 15-16).
8- يجب قراءة فكر الأب في ضوء قضايا عصره، والهرطقات التي كان يواجهها؛ وفي ضوء سياقه الفكري، واللغوي، والفلسفي. وفي ضوء الهدف من كتاباته؛ فكتابات القديس كيرلس الكبير على سبيل المثال قبل ظهور بدعة نسطور، تختلف تمامًا عن فترة مواجهته لهذه البدعة حتى نياحته.
والمصطلحات اللاهوتية كان لها دلالتها، ومعناها، الذي يختلف في بعض الأحيان من مكان لآخر، ومن أب لآخر.
فحتى الآن، يظن الخلقدونيون، أننا نؤمن بإيمان أوطاخي؛ لمجرد أننا نستخدم تعبير الطبيعة الواحدة في وصفنا لطبيعة المسيح المتحدة من طبيعتين، بغير اختلاط، ولا امتزاج، ولا تغيير.
“لِيَفْهَمِ ٱلْقَارِئُ” (مت 24: 15)
“كَيْفَ تَقْرَأُ؟»” (لو 10؛ 26)
9- كنيستنا لا تؤمن بعصمة البشر، حتى الآباء القديسين العظماء. والكتاب المقدس يعطينا أمثلة لآباء، وأنبياء، وقديسين أخطأوا، ونحن أنفسنا نخطئ كثيرًا، وطوبى لمن يصحح نفسه، ولا يعاند ويستمر في الخطأ؛ لذلك لا نقبل رأي أب بطريقة مطلقة، الا إذا كان عليه اجماع كنسي.
“لَا تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ كَثِيرِينَ يَا إِخْوَتِي، عَالِمِينَ أَنَّنَا نَأْخُذُ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ! لِأَنَّنَا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ نَعْثُرُ جَمِيعُنَا. إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يَعْثُرُ فِي ٱلْكَلَامِ فَذَاكَ رَجُلٌ كَامِلٌ، قَادِرٌ أَنْ يُلْجِمَ كُلَّ ٱلْجَسَدِ أَيْضًا.” (يع 3: 1-2)
10- نؤمن بعمل الروح القدس في آباء الكنيسة حتى اليوم، فلا نقف ونتحجر عند جيل معين؛ لان الروح مازال يعطي الكنيسة من كنز خيراته؛ ليشرح نفس الحق الإلهي بدون تغيير، ولا تطوير، ولكن بأسلوب يناسب العصر، والقضايا، والمشاكل التي تقابل الناس.
“وَأَمَّا ٱلْمُعَزِّي، ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ، ٱلَّذِي سَيُرْسِلُهُ ٱلْآبُ بِٱسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ.” (يو 14: 26)
“وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ ٱلْآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى ٱلْأَبَدِ، رُوحُ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ ٱلْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَرَاهُ وَلَا يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لِأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ.” (يو 14: 16-17)
يقول القديس كيرلس الكبير: “على المرء أن يفسر الكتب المقدسة حتى ولو سبقه آخَرونَ"(503).
فخدام هذا الجيل من أباء أساقفة، وكهنة، وشمامسة، وخدام، وخادمات، مطالبون أن يعلنوا حق الإنجيل، والتعليم الآبائي، بطريقة معاصرة، وتعبيرات مفهومة، وتأملات متجددة، دون حرج أو تقيد.
فأباؤنا الأولون لم يكرروا كلام بعضهم البعض، وكان كل أب له تعبيره، ولغته، وشرحه الذي لم يخرج عن إطار التعليم السليم.
فلا يكون المعلم المعاصر أبائيًا، بمجرد أنه يردد أقوال الآباء، بل بالأحرى ان يهضم تعليمهم، ويعيد صياغته بطريقة مناسبة لشباب وأناس جيله.
11- ندرس الآباء لنتشبه بإيمانهم، وبحياتهم، وأخلاقهم؛ فلا ينبغي لدارس الآباء ان يتكلم بعصبية، أو بتهكم، أو ازدراء حتى للمخالفين له في الرأي.
“اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ ٱلَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ ٱللهِ. ٱنْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ.” (عب 13: 7)
يقول القديس أثناسيوس الرسولي: “إن دراسة الكتب المقدسة ومعرفتها معرفة حقيقية، تتطلبان حياة صالحة، ونَفْسًا طاهرة، وحياة الفضيلة، التي بالمسيح، ذلك لكي يستطيع الذهن باسترشاده بها، أن يصل إلى ما يتمناه، وأن يدرك بقدر استطاعة الطبيعة البشرية، ما يختص بالله الكلمة”[2]
_____
(501) رسائل الروح القدس- الرسالة الأولى - فقرة 28.
[1] رسائل الروح القدس - الرسالة الأولى - فقرة 28.
(502) القديس كيرلس الكبير، شرح إنجيل يوحنا الكتاب الأول - المقدمة.
(503) تفسير سفر إشعياء PG.71.12A.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/i-willingly-ate/patrology.html
تقصير الرابط:
tak.la/bcg6zwm