هذا البحث ليس بصدد إعادة اكتشاف الإيمان بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أو للتوصية بعقد مجامع لوضع تحديدات إيمانية جديدة. فأمر الإيمان راسِخ و"مُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ" (يه 1: 3). والكنيسة القبطية الأرثوذكسية حافظت على إيمانها الْمُسَلَّم لها من الرب والذي كرز به مارمرقس الإنجيلي وحفظه الآباء بتقوى وروحانية وخوف الله على مدى الأجيال.
يقول القديس أثناسيوس الرسولي:
"دعونا ننظر إلى تقليد الكنيسة الجامعة، وتعليمها، وإيمانها، الذي هو من البداية، والذي أعطاه الرب، وكرز به الرسل، وحفظه الآباء، وعلى هذا الأساس تأسَّسَت الكنيسة، وَمْن يسقط منه فلن يكون مسيحيًا، ولا ينبغي أن يُدعى كذلك فيما بعد".[12]
وبطبيعة الحال، فإن مرور واحد وعشرين قرنًا على المسيحية، أدَّى إلى تَرَاكُم خبرات تفسير لاهوتية عديدة على مستوى كنائس العالم أجمع، وظهرت في التاريخ نظريات عديدة تُفَسِّر الإيمان المسيحي، وصار الأمر مُعَقَّدًا جدًا، لا يستهوي إلا الدارِس المتخصص الذي يبحث في كل فكرة وَيَتَتَبَّع قائلها وتَطَوُّر فكرته وتأثيرها في الفكر المسيحي عمومًا. وتشابكت مدارس الفكر حتى تجد نفسك أمام دوامة من الأفكار التي لا تعرف من أين جاءت ولا إلى مَنْ تنتمي. فهناك أفكار تنتمي إلى التفسيرات البروتستانتية، وأفكار أخرى تنتمي إلى الرؤية اللاهوتية الغربية، وأخرى تَتَبَنَّاهَا مدرسة اللاهوت الليبرالي، وبعضها تُعَبِّر عن فكر مدرسة النيوباترستيك. وأفكار مدارس فكرية أخرى. وكل فكرة لها بريقها، وفلسفتها، وبراهينها، ولها مناصرون ومؤيدون، وقد تكون فِكرة سليمة إيمانيًا وسط أفكار كثيرة خاطئة، أو العكس تكون فكرة خاطئة منحرفة بين أفكار كثيرة سليمة، أو قد يكون فيها بعض الحق. مما يجعل المرء غير قادر على التمييز بين الحق والباطل. لذلك صار من الضرورة الآن الرجوع إلى بساطة الإيمان المُعْلَن في الكتاب المقدس والذي شرحه الآباء الأولون بنقاوة وإجماع، والأهم أنهم صَلُّوا به في الليتورجيا. فيجب الالتزام بالدرجة الأولى بما تَتَكَلَّم به الكنيسة مع الله في الصلوات الليتورجية، بغض النظر عن تعاليم وكتابات العلماء والفهماء.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
عَبَّرَ الكُتَّاب المسيحيون الأولون، وآباء الكنيسة منذ القديم، وحتى هذا العصر، كلٌ منهم عَبَّر بشرحه الخاص، ورؤيته الشخصية، عن جانب لعمل المسيح الفدائي على الصليب. فكلٍ منهم قد عكس شارحًا ما اختبره، وتذوقه، والتقاه في عمل المسيح، دون أن يتجاهل، أو يُحَقِّر من تفاسير، وشرح الآباء الآخرين، المُعْتَبَرِين أَعْمِدَة.
_____
[12] القديس أثناسيوس الرسولي. "الرسائل عن الروح القدس" الرسالة الأولى فقرة 28. ترجمة د. موريس تاوضروس ود. نصحي عبد الشهيد. المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية. الطبعة الرابعة يوليو 2018، ص95.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/economy-of-salvation/fixed-faith.html
تقصير الرابط:
tak.la/35vf7n5