تعليم الآباء
الرسل بخصوص أسرار الكنيسة
(أ) سر المعمودية
(ب) سر الميرون المقدس
(ج) سر الإفخارستيا
(د) سر التوبة والاعتراف
(ه) سر مسحة المرضى
(و) سر الزيجة
(ز) سر الكهنوت
السيد المسيح رئيس
الكهنة
وضع اليد
مواهب خدمة الكهنوت
لقد كتب الآباء الرسل ومن قبلهم الأنبياء، فصول الكتاب المقدس مسوقين من الروح القدس (راجع 2 بط 1: 21).
فالكتاب المقدس كله هو قصة الله مع الإنسان، ولم يخلُ في أي من فصوله، من شرح التمييز بين فكر الله، والأفكار المنحرفة، التي يبثها الشيطان في عقول الناس، من جهة طبيعة الله، ومحبته، وفدائه العظيم، ومن جهة الثالوث والتجسد... إلخ. ولا يمكن أن نختصر الكتاب المقدس إلى كلمة (آمن فقط)، أو أن نكتفي منه بالشريعة الأدبية من وصايا سلوكية، ومحبة أخوية وعمل الخير، ونحذف منه الفكر العقيدي.
وكنيستنا القبطية تُؤمن بالأسرار المقدسة وضرورتها للخلاص، وتُؤمن بفاعليتها في حياتنا، وكل هذا تعليم وارد في الكتاب المقدس بيد آبائنا الرسل مسوقين من الروح القدس، فبالإضافة إلى ما استعرضناه من فكر السيد المسيح نفسه، بخصوص أسرار الكنيسة (في الفصل الأول).. خاصة المعمودية والإفخارستيا والزيجة، فإن الآباء الرسل قد شرحوا وأسهبوا في التفسير بخصوص هذه الأسرار المقدسة:
← لا يوجد خلاص بدون المعمودية... حسب تعليم الكتاب المقدس.
* "الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ" (يو 3: 3).
* "الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ" (يو 3: 5).
* "مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ" (مر 16: 16).
* "وَلكِنْ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا اللهِ وَإِحْسَانُهُ لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (تي 3: 4، 5).
← وقد مارس الآباء الرسل المعمودية منذ يوم حلول الروح القدس، وما زلنا نقتفى آثارهم... "تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (أع 2: 38).
← وفي الحديث عن الخصي الحبشي وزير الملكة كنداكة يقول سفر الأعمال: "فَفَتَحَ فِيلُبُّسُ فَاهُ وابْتَدَأَ مِنْ هذَا الْكِتَابِ فَبَشِّرَهُ بِيَسُوعَ" (أع 8: 35).. يا ترى ماذا قال له عن الرب يسوع؟!!! هل كلام روحاني بسيط قوامه الحب والتوبة وعمل الخير... أم أن هناك فكر عقيدي استعرضه معه، من جهة لاهوت السيد المسيح وموته وقيامته؟
إن الآية التالية تُخبرنا بكل تأكيد أن فيلُبس قد تكلم معه في أمور عقيدية كثيرة، حتى بخصوص المعمودية وضرورتها: "وَفِيمَا هُمَا سَائِرَانِ فِي الطَّرِيقِ أَقْبَلاَ عَلَى مَاءٍ، فَقَالَ الْخَصِيُّ: هُوَذَا مَاءٌ. مَاذَا يَمْنَعُ أَنْ أَعْتَمِدَ؟" (أع 8: 36).
* كيف عرفت أيها الرجل الغريب أنه لابد من المعمودية للخلاص، والدخول في الإيمان المسيحي؟
* وكيف عرفت أن المعمودية بالماء؟
* وكيف عرفت أنها بالتغطيس، وتحتاج ماءً كثيرًا عميقًا؟
* وكيف عرفت أنه توجد موانع تمنع الشخص من نوال المعمودية... إن لم يكن قد شرحها له معلمنا فيلبُس؟ لذلك قال له فيلبُس: "إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ يَجُوزُ. فَأَجَابَ وَقَالَ: أَنَا أُومِنُ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ ابْنُ الله" (أع 8: 37)، وتم عماد الخصي بالتغطيس (أع 8: 38).
حقًا لم تكن كرازة فيلبُس للخصي الحبشي خالية من العقيدة، والفكر اللاهوتي، والتدقيق الأرثوذكسي.
← وكذلك مُعلمنا بولس الرسول وسيلا مع سجان فيلبى.. "اعْتَمَدَ فِي الْحَالِ هُوَ وَالَّذِينَ لَهُ أَجْمَعُونَ" (أع 16: 33).
← ومُعلمنا بطرس الرسول مع كرنيليوس.. "أَتُرَى يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَ الْمَاءَ حَتَّى لاَ يَعْتَمِدَ هؤُلاَءِ الَّذِينَ قَبِلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ كَمَا نَحْنُ أَيْضًا؟ وَأَمَرَ أَنْ يَعْتَمِدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ" (أع 10: 47، 48).
← وبولس الرسول مع ليديا.. "اعْتَمَدَتْ هِيَ وَأَهْلُ بَيْتِهَا" (أع 16: 15).
وللمعمودية فعل باطني سرائري في النفس.. "لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ" (غل 3: 27)، وهي دفن مع المسيح... "أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ، فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ" (رو 6: 3، 4).
وفي تعليم مُعلمنا بطرس الرسول ذكر أيضًا فعل المعمودية الخلاصي مقارنًا إياها بالطوفان.. "أَيَّامِ نُوحٍ، إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى، الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاءِ. الَّذِي مِثَالُهُ يُخَلِّصُنَا نَحْنُ الآنَ، أَيِ الْمَعْمُودِيَّةُ. لاَ إِزَالَةُ وَسَخِ الْجَسَدِ، بَلْ سُؤَالُ ضَمِيرٍ صَالِحٍ عَنِ اللهِ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (1 بط 3: 20، 21). فكما أن الطوفان غسل العالم من الخطية... كذلك المعمودية تغسلنا، وبها ينقذها مُخلصنا الصالح من دنس العالم.
* والكنيسة تُعمد الأطفال، لأن السيد المسيح أمرنا ألا نمنعهم... "دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لاَ يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ" (لو 18: 16، 17). ولأننا نُؤمن أن المعمودية هي نعمة غنية مجانية.. فلذلك نحن لا نمنع النعمة عن الأطفال.
تُؤمن كنيستنا أن الروح القدس يحل علينا، ويسكن فينا عندما نُدهن بالميرون بعد المعمودية.. "وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (أع 2: 38).
وبدون الروح القدس لا يُمكن للإنسان أن يحيا حياة روحية، أو يكون له نصيب في السماء... إذًا لا بد من هذه المسحة المقدسة:
* "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ" (1 يو 2: 20).
* "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَالْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ، بَلْ كَمَا تُعَلِّمُكُمْ هذِهِ الْمَسْحَةُ عَيْنُهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهِيَ حَقٌ" (1 يو 2: 27).
وطبعًا هذه المسحة هي الميرون المقدس الذي نُمسح به، فننال عطية الروح القدس الذي قال عنه السيد المسيح:
* "يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ" (يو 14: 26).
وكان قبلًا يُؤخذ الروح القدس بوضع الأيادي... "حِينَئِذٍ وَضَعَا الأَيَادِيَ عَلَيْهِمْ فَقَبِلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ" (أع 8: 17). وقد رتب الآباء الرسل هذه المسحة، لمنح الروح القدس بدلًا من وضع الأيادي، بدليل وجود هذه الآيات التي أوردناها سابقًا عن المسحة في رسائل القديس يوحنا وقت العصر الرسولي.
لكي نُدرك أهمية التناول من جسد الرب ودمه... علينا أن نتأمل هذه الآيات:
"الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ، فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ. مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ، لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌ. مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ. كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ الْحَيُّ، وَأَنَا حَيٌّ بِالآبِ، فَمَنْ يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي. هذَا هُوَ الْخُبْزُ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. لَيْسَ كَمَا أَكَلَ آبَاؤُكُمُ الْمَنَّ وَمَاتُوا. مَنْ يَأْكُلْ هذَا الْخُبْزَ فَإِنَّهُ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ" (يو 6: 53-58).
وكنيستنا تُعلمنا في القداس أن الجسد والدم "يُعطى عنا خلاصًا وغفرانًا للخطايا، وحياة أبدية لمن يتناول منه" (القداس)... فلا توجد حياة أو خلاص أو غفران بدون التناول من جسد الرب ودمه الأقدسين.
وكنيستنا تؤمن أن الذي على المذبح هو جسد حقيقي ودم حقيقي "لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌ" (يو 6: 55).
أما موضوع "اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي" (لو 22: 19)... فنحن نعرف أن الذكرى لا تعنى أن الجسد الحاضر على المذبح هو رمز... بل هو حضور حقيقي وحي للسيد المسيح في القربانة تحت أعراض الخبز والخمر... فنذكر أعماله، وميلاده، وصليبه، وموته، وقيامته، وصعوده، وجلوسه عن يمين الآب، ومجيئه الثاني للدينونة... "هوذا كائن معنا على هذه المائدة اليوم عمانوئيل إلهنا" (قسمة أعياد الملائكة).
"عمانوئيل إلهنا في وسطنا الآن" (لحن إبؤرو). فالسيد المسيح ليس إلهًا غائبًا أو ميتًا حتى نصنع له تذكارًا... بل هو حي وحاضر كل يوم على المذبح في سر الإفخارستيا.
← وآباؤنا الرسل كانوا يُمارسون سر الإفخارستيا، ويأكلون جسد الرب، ويشربون دمه بصفة مستمرة كما هو واضح من النصوص التالية:
* "كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا، أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ، أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟ فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ، لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ" (1 كو 10: 16، 17).
* "لا تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْرَبُوا كَأْسَ الرَّبِّ وَكَأْسَ شَيَاطِينَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْتَرِكُوا فِي مَائِدَةِ الرَّبِّ وَفِي مَائِدَةِ الشَيَاطِينَ" (1 كو 10: 21).
* "وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ، وَالشَّرِكَةِ، وَكَسْرِ الْخُبْزِ، وَالصَّلَوَاتِ" (أع 2: 42).
* وكان اجتماعهم الإفخارستي هذا يقام يوم الأحد من كل أسبوع "وَفِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ إِذْ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِيَكْسِرُوا خُبْزًا" (أع 20: 7).
* "ثُمَّ صَعِدَ وَكَسَّرَ خُبْزًا وَأَكَلَ وَتَكَلَّمَ كَثِيرًا إِلَى الْفَجْرِ. وَهكَذَا خَرَجَ" (أع 20: 11).
* وكان كل هذا بناء على تسليم من الرب يسوع نفسه لهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. "لأنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا: إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ فَكَسَّرَ، وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا هذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي كَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَمَا تَعَشَّوْا، قَائِلًا: هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي. اصْنَعُوا هذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هذِهِ الْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ" (1 كو 11: 23 - 26).
* وكانوا يعتبرون التناول من الجسد والدم بدون استحقاق جُرمًا عظيمًا... "إِذًا أَيُّ مَنْ أَكَلَ هذَا الْخُبْزَ، أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَّبِّ، بِدُونِ اسْتِحْقَاق، يَكُونُ مُجْرِمًا فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ. وَلكِنْ لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَهكَذَا يَأْكُلُ مِنَ الْخُبْزِ وَيَشْرَبُ مِنَ الْكَأْسِ. لأَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِدُونِ اسْتِحْقَاق يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ، غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ الرَّبِّ. مِنْ أَجْلِ هذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى، وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ. لأَنَّنَا لَوْ كُنَّا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا لَمَا حُكِمَ عَلَيْنَا" (1 كو 11: 27-31).
* لا يكون خلاص بدون توبة... فالتوبة لازمة لكل إنسان في كل مراحل عمره، وفي كل أطوار علاقته مع المسيح... "إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا" (1 يو 1: 8).
* ولا تُحسب التوبة توبة بدون اعتراف... "إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ" (1 يو 1: 9).
* والكتاب المقدس يتوافق مع فكر الكنيسة من جهة الاعتراف في مسامع الأب الكاهن، إذ يقول: "مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَحُ، وَمَنْ يُقِرُّ بِهَا وَيَتْرُكُهَا يُرْحَمُ" (أم 28: 13).
* وكذلك في العهد الجديد: "وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَأْتُونَ مُقِرِّينَ وَمُخْبِرِينَ بِأَفْعَالِهِمْ" (أع 19: 18). وهذا ما عمله الناس مع يوحنا المعمدان... "وَاعْتَمَدُوا مِنْهُ فِي الأُرْدُنِّ، مُعْتَرِفِينَ بِخَطَايَاهُمْ"(مت 3: 6). وقيل أيضًا "اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِالزَّلاَتِ" (يع 5: 16).
طبعًا "بعضكم لبعض" هنا لا تَعنى أن يعترف كل واحد لصديقه أو لأي آخر، ولكنه يقصد اعتراف المؤمنين للكهنة. لذلك أعطى السيد المسيح كهنته سلطان الحِلْ والربط وغفران الخطايا...
* "اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ.مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ" (يو 20: 22، 23).
* "كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاءِ" (مت 18: 18).
وواضح أن هذا السلطان مُعطى لفئة خاصة من الناس، وليس كل المؤمنين، كمثل القاضي المُعطى له سلطان أن يحكم بالبراءة أو الإعدام، أما كافة المواطنين فلهم فقط أن يُسامحوا المُسيئين إليهم، أو يشتكونهم للسلطات المسئولة، وليس لكل مواطن سلطان أن يقتص لنفسه من أعدائه.
كذلك المؤمنون لهم أن يُسامحوا فقط، ويغفروا فقط، وليس لهم أن يمسكوا الخطايا، أو يربطوا الناس... وفي هذا يقول السيد المسيح: "فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلاَتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَلاَتِهِمْ، لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضًا زَلاَتِكُمْ" (مت 6: 14، 15).
أرجو من القارئ العزيز أن يتأمل الفارق بين: سلطان الغفران والإمساك والحِلْ والربط، وبين الأمر لجميع الناس أن يغفروا بلا قيود أو حدود.
كيف إذًا يخلص إنسان خارج الكنيسة بدون كل هذه الأسرار المقدسة؟
كنيستنا تتميز بأنها تُصلى على المرضى، وتدهنهم بالزيت حسب أمر الرب... "أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ قسوس (شُيُوخَ) الْكَنِيسَةِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرَّبِّ، وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ، وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً تُغْفَرُ لَهْ" (يع 5: 14، 15).
وهذا بعينه ما فعله آباؤنا الرسل حيث "دَهَنُوا بِزَيْتٍ مَرْضَى كَثِيرِينَ فَشَفَوْهُمْ" (مر6: 13).
وهناك طوائف أخرى تنتقدنا على استخدامنا للزيت في دهن المرضى، ويتناسون أنه أمر كتابي مقدس، وتسليم رسولي طاهر، وممارسة قديمة في الكنيسة منذ الأجيال الأولى.
كنيستنا تنظر إلى الزواج على إنه سر مُقدس بحضور الثالوث القدوس، وليس مجرد عقد بين اثنين بتوقيع شهود كثيرين "فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ" (مت 19: 6).
إن الله في الفكر الأرثوذكسي، هو الذي يُجمِّع الزوجين، ويحِلْ فيهما، لذلك لا تسمح الكنيسة الأرثوذكسية بالطلاق، إلا في حالة الزنا، حسب تعليم السيد المسيح نفسه.. "وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ بِسَبَب الزِّنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي، وَالَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي" (مت 19: 9).
وإننا نتعجب من كنائس أخرى مسيحية لا تلتزم بالإنجيل في هذا الأمر، ويسمحون بالطلاق، وبزواج المُطلَّقة بدون شروط أو قيود، ثم يدّعون أنهم يؤمنون بالإنجيل، ويتبعون تعاليمه المقدسة!
وقد أسهب أيضًا آباؤنا الرسل في شرح معنى الزيجة في المسيحية:
* "َلْيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَجُلُهَا. ليوفي الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ حَقَّهَا الْوَاجِبَ، وَكَذلِكَ الْمَرْأَةُ أَيْضًا الرَّجُلَ. لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهَا، بَلْ لِلرَّجُلِ. وَكَذلِكَ الرَّجُلُ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهِ، بَلْ لِلْمَرْأَةِ. لاَ يَسْلُبْ أَحَدُكُمُ الآخَرَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُوافَقَةٍ، إِلَى حِينٍ، لِكَيْ تَتَفَرَّغُوا لِلصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ، ثُمَّ تَجْتَمِعُوا أَيْضًا مَعًا لِكَيْ لاَ يُجَرِّبَكُمُ الشَّيْطَانُ لِسَبَبِ عَدَمِ نَزَاهَتِكُمْ" (1 كو 7: 2 -5).
* وقد أكدّوا كلام ربنا يسوع المسيح من جهة منع الطلاق... "وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُونَ، فَأُوصِيهِمْ، لاَ أَنَا بَلِ الرَّبُّ، أَنْ لاَ تُفَارِقَ الْمَرْأَةُ رَجُلَهَا، وَإِنْ فَارَقَتْهُ، فَلْتَلْبَثْ غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ، أَوْ لِتُصَالِحْ رَجُلَهَا. وَلاَ يَتْرُكِ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ" (1 كو 7: 10، 11).
* "الْمَرْأَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِالنَّامُوسِ مَا دَامَ رَجُلُهَا حَيًّا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَ رَجُلُهَا، فَهِيَ حُرَّةٌ لِكَيْ تَتَزَوَّجَ بِمَنْ تُرِيدُ، فِي الرَّبِّ فَقَطْ. وَلكِنَّهَا أَكْثَرُ غِبْطَةً إِنْ لَبِثَتْ هكَذَا، بِحَسَبِ رَأْيِي. وَأَظُنُّ أَنِّي أَنَا أَيْضًا عِنْدِي رُوحُ اللهِ" (1 كو 7: 39، 40).
* ومُعلمنا بطرس يوصى كذلك الرجال والنساء باحترام عهد الزيجة... "كَذلِكُنَّ أَيَّتُهَا النِّسَاءُ، كُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِكُنَّ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ لاَ يُطِيعُونَ الْكَلِمَةَ، يُرْبَحُونَ بِسِيرَةِ النِّسَاءِ بِدُونِ كَلِمَةٍ، مُلاَحِظِينَ سِيرَتَكُنَّ الطَّاهِرَةَ بِخَوْفٍ" (1 بط 3: 1، 2).
* "فَإِنَّهُ هكَذَا كَانَتْ قَدِيمًا النِّسَاءُ الْقِدِّيسَاتُ أَيْضًا الْمُتَوَكِّلاَتُ عَلَى اللهِ، يُزَيِّنَّ أَنْفُسَهُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ، كَمَا كَانَتْ سَارَةُ تُطِيعُ إِبْرَاهِيمَ دَاعِيَةً إِيَّاهُ "سَيِّدَهَا" الَّتِي صِرْتُنَّ أَوْلاَدَهَا، صَانِعَاتٍ خَيْرًا، وَغَيْرَ خَائِفَاتٍ خَوْفًا الْبَتَّةَ" (1 بط 3: 5، 6).
* "كَذلِكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ، كُونُوا سَاكِنِينَ بِحَسَبِ الْفِطْنَةِ مَعَ الإِنَاءِ النِّسَائِيِّ كَالأَضْعَفِ، مُعْطِينَ إِيَّاهُنَّ كَرَامَةً، كَالْوَارِثَاتِ أَيْضًا مَعَكُمْ نِعْمَةَ الْحَيَاةِ، لِكَيْ لاَ تُعَاقَ صَلَوَاتُكُمْ" (1 بط 3: 7).
أيضًا ما يُميز كنيستنا القبطية هو أنها كنيسة كهنوتية... فنحن نُؤمن أن الكهنوت في العهد الجديد لم يُلغَ... بل تغير من طقس هارون إلى طقس ملكي صادق.
* "فَلَوْ كَانَ بِالْكَهَنُوتِ الّلاَوِيِّ كَمَالٌ إِذِ الشَّعْبُ أَخَذَ النَّامُوسَ عَلَيْهِ مَاذَا كَانَتِ الْحَاجَةُ بَعْدُ إِلَى أَنْ يَقُومَ كَاهِنٌ آخَرُ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ؟ وَلاَ يُقَالُ عَلَى رُتْبَةِ هَارُونَ" (عب 7: 11).
* "لأَنَّهُ إِنْ تَغَيَّرَ الْكَهَنُوتُ، فَبِالضَّرُورَةِ يَصِيرُ تَغَيُّرٌ لِلنَّامُوسِ أَيْضًا" (عب 7: 12).
وكما كان أُناس في العهد القديم مفروزين لعمل الكهنوت، وهم سبط لاوي، ونسل هارون.. كذلك في العهد الجديد أيضًا يوجد أُناس مفروزين لعمل الكهنوت... "قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ: أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ. فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا" (أع 13: 2، 3).
صحيح أن كل الشعب هو مملكة كهنة...
* "كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ بَيْتًا رُوحِيًّا، كَهَنُوتًا مُقَدَّسًا، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ" (1 بط 2: 5).
* "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ" (1 بط 2: 9).
* "وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ" (رؤ 1: 6).
ولكن لا ننسى أنه هو نفس الأمر الذي كان بعينه في العهد القديم أيضًا... "وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً" (خر 19: 6). وهذا لم يمنع من وجود أُناس متخصصين في عمل الكهنوت داخل الجماعة المقدسة (نسل هارون من سبط لآوى).
كذلك في العهد الجديد... نحن مملكة كهنة، ولكن يوجد الكهنة المتخصصون في خدمة الكنيسة الكهنوتية. وإلا لماذا قال مُعلمنا بولس الرسول عن نفسه: "حَتَّى أَكُونَ خَادِمًا لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ الأُمَمِ، مُبَاشِرًا لإِنْجِيلِ اللهِ كَكَاهِنٍ، لِيَكُونَ قُرْبَانُ الأُمَمِ مَقْبُولًا مُقَدَّسًا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ" (رو 15: 16).
إن وساطة الكاهن بين الله والناس، ليست حاجزًا يحجز الناس عن الله... بل بالعكس، إنه كمثل الرقبة التي تصل الرأس (المسيح) بالجسد (الكنيسة).
* "فَإِذْ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ اجْتَازَ السَّمَاوَاتِ، يَسُوعُ ابْنُ اللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ بِالإِقْرَارِ" (عب 4: 14).
* "كَمَا يَقُولُ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ" (عب 5: 6).
* "مَدْعُوًّا مِنَ اللهِ رَئِيسَ كَهَنَةٍ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ" (عب 5: 10).
كيف يكون السيد المسيح رئيس كهنة، ويدّعى البعض أنه لا كهنوت في المسيحية؟!!
والكهنوت في كنيستنا يُؤخذ بوضع اليد، فيحلْ الروح القدس على الشخص المدعو للكهنوت، ويملأه من النعمة ومواهب الخدمة، وهذا يؤيده الكتاب المقدس حيث قيل: "أَنَّهُ بِوَضْعِ أَيْدِي الرُّسُلِ يُعْطَى الرُّوحُ الْقُدُسُ" (أع 8: 18).
وليس المقصود هو وضع اليد العمومي لكل الناس لنوال الروح القدس - الذي يتم الآن بالدهن بالميرون... "وَلَمَّا وَضَعَ بُولُسُ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ" (أع 19: 6)... بل المقصود هو وضع اليد الخاص بالكهنوت...
* "لاَ تُهْمِلِ الْمَوْهِبَةَ الَّتِي فِيكَ، الْمُعْطَاةَ لَكَ بِالنُّبُوَّةِ مَعَ وَضْعِ أَيْدِي القسيسية (الْمَشْيَخَةِ)" (1 تي 4: 14).
* "فَلِهذَا السَّبَبِ أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضًا مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ" (2 تي 1: 6).
والكهنوت في كنيستنا منحدر إلينا من أبينا القديس "مرقس الرسول" الذي بشرنا بالمسيح وسَام أول أسقف لمصر، وهو القديس "إنيانوس".. واستمرت الخدمة الرسولية في كنيستنا، والتسلسل الكهنوتي حتى اليوم في أبينا المحبوب البابا شنودة الثالث، وكل الأحبار الأجلاء مطارنة وأساقفة الكنيسة، وكذلك في الآباء الكهنة المُباركين القمامصة، والقسوس الأرثوذكسيين. إنها موهبة عظيمة لا يتمتع بها كثيرون من الطوائف الأخرى.
والكهنوت في الكنيسة نعمة عظيمة لا نستغني عنها.. لأن الكاهن:
* مُعلم.. "لأَنَّ شَفَتَيِ الْكَاهِنِ تَحْفَظَانِ مَعْرِفَةً، وَمِنْ فَمِهِ يَطْلُبُونَ الشَّرِيعَةَ، لأَنَّهُ رَسُولُ رَبِّ الْجُنُودِ" (ملا 2:7).
* والكاهن يغفر خطايا الناس التائبين بسلطان من المسيح.. "مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ" (يو 20: 23).
والذين يرفضون الكهنوت يعتقدون أن هذه الآية قيلت لجميع المؤمنين، وليس للآباء الرسل وخلفائهم الكهنة فقط، وهؤلاء أُريد منهم أن يشرحوا لي:
كيف يكون هناك سلطان لكل إنسان مؤمن أن يغفر خطايا الناس؟ وإن فهمنا أن: "يغفر" بمعنى "يُسامح مَنْ أخطأ في حقه"... فكيف يمسك على الناس خطاياهم؟ هل مسموح للمسيحي العادي أن يُسامح أو لا يُسامح، ثم يُصادق الله على قراره، ويتوقف خلاص الآخرين على غفران المسيحيين لهم من عدمه؟!!
لأن المطلوب من المسيحيين جميعًا.. هو أن يغفروا فقط للمُسيئين في حقهم، وليس لهم أن يغفروا خطايا البشر عمومًا، وكذلك ليس لهم أن يمسكوا على أحد أخطاءه.
أما الكهنة فمن أجل تدبير الكنيسة، وحفظ التعليم، والحُكم بين الناس، فقد أُعطوا هذا السلطان بالروح القدس.
* والكاهن يُعمد بتفويض من السيد المسيح.. "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ" (مت 28: 19).
* ويمارس كل الأسرار... "كَوَكِيلِ اللهِ" (تي 1: 7). "هكَذَا فَلْيَحْسِبْنَا الإِنْسَانُ كَخُدَّامِ الْمَسِيحِ، وَوُكَلاَءِ سَرَائِرِ اللهِ" (1 كو 4: 1).
* والكاهن أيضًا سفير عن المسيح، ومحسوب أنه ملاك الكنيسة، وراعى لها، وأب للشعب، ومُرشد، ومُدبر، وخادم لمذبح الله، وهو الذي يُبارك الشعب، ويفتقده، ويرعاه، ويحنو عليه، وينبهه للذئاب الخاطفة.
* وعندما يستدعى الأمر يُوبخ، وينتهر بصفته أب يخاف على أبنائه من الانحراف... "وَبِّخِ، انْتَهِرْ، عِظْ بِكُلِّ أَنَاةٍ وَتَعْلِيمٍ" (2 تي 4: 2)، "كَذلِكَ عِظِ الأَحْدَاثَ أَنْ يَكُونُوا مُتَعَقِّلِينَ" (تي 2: 6). "تَكَلَّمْ بِهذِهِ، وَعِظْ، وَوَبِّخْ بِكُلِّ سُلْطَانٍ. لاَ يَسْتَهِنْ بِكَ أَحَدٌ" (تي 2: 15).
مغبوط هو الإنسان الذي يجد أبًا يتعهده بالرعاية.. ومسكينة هي الجماعة التي ترفض الكهنوت، والأبوة الروحية... ستحرم نفسها كثيرًا من النعمة العظيمة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/church/sacraments.html
تقصير الرابط:
tak.la/dv8q42c