سؤال عن الأزمنة والأوقات
قيامة السيد المسيح من
الأموات
طريق الخلاص
نحن شهود بذلك
ليس بأحد غيره الخلاص
قبول الأمم
سلطان الكنيسة في التكريس
التهود
قبول الآخر
لقد استقى الآباء الرسل من السيد المسيح منهجه في التعليم، فبالحق كانوا له تلاميذًا، لذلك نراهم لا يتوانون عن شرح العقيدة ومفاهيم الإيمان، وقد قاسوا من أجل ذلك الكثير من المتاعب والاضطهادات والآلام، ومع ذلك لم يكفُّوا عن نشر العقيدة، بل والدفاع عنها، بل وأيضًا التحذير ضد الهراطقة، الذين يخالفون الفكر السليم والإيمان الأرثوذكسي.
تعالوا معًا لنبحر في سفر أعمال الرسل، لنتقابل معهم ونسمع تعاليمهم:
لقد اهتم الآباء الرسل أن يسألوا السيد المسيح: "يَا رَبُّ، هَلْ فِي هذَا الْوَقْتِ تَرُدُّ الْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟" (أع 1: 6)، لقد كانوا مُهتمين بقضية عقيدية... وهي معرفة أزمنة رد المُلك لإسرائيل، ولم يكن السؤال محتقرًا في نظر السيد المسيح، ولم يوبخهم على اهتماماتهم العقيدية، مع أنه لم يُجيبهم عن سؤالهم... ومع ذلك فإن كلامه أيضًا لم يخلُ من معلومة لاهوتية أراد أن يُعلمها لتلاميذه القديسين إذ قال: "لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ" (أع 1: 7).
أما موضوع قيامة السيد المسيح من الأموات، فكان بالنسبة لهم هو محور كل تعليم وكل عظة، ففي حديثهم مع اليهود يُمكنك أن تلّخص أية عظة لأي من الآباء الرسل في عبارة: "يسوع هذا الذي أنتم صلبتموه قام". لذلك قيل عنهم: "وَبِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ كَانَ الرُّسُلُ يُؤَدُّونَ الشَّهَادَةَ بِقِيَامَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ، وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ كَانَتْ عَلَى جَمِيعِهِمْ" (أع 4: 33)، لم يكن الكلام مجرد عظة روحية بدون عقيدة.. لأنه ما كان لليهود أن يصدقوا كلام الرسل ويتبعونهم، إن لم يُبرهنوا لهم أن يسوع المصلوب قام.
وهذه عقيدة أساسية في الإيمان المسيحي، حتى أن الشرط الوحيد الذي اشترطه بطرس في مَنْ يُختار بديلًا عن يهوذا أن يكون "شَاهِدًا مَعَنَا بِقِيَامَتِهِ" (أع 1: 22)، حتى يستطيع أن يُؤكد عقيدة قيامة السيد المسيح بخبرة حيّة. إلى هذا الحد كانت العقيدة شيئًا أساسيًا للآباء الرسل؟!!!
وعندما نُخست قلوب السامعين لعظة مُعلمنا بطرس التي يشرح فيها قيامة السيد المسيح... قالوا: "مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ؟ فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ: «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. لأَنَّ الْمَوْعِدَ هُوَ لَكُمْ وَلأَوْلاَدِكُمْ وَلِكُلِّ الَّذِينَ عَلَى بُعْدٍ، كُلِّ مَنْ يَدْعُوهُ الرَّبُّ إِلهُنَا" (أع 2: 37- 39).
لاحظ هنا في إجابة معلمنا بطرس الرسول.. أنه لم يكتفِ بأن يُؤمن الناس بقيامة السيد المسيح، وأنهم سيخلُصون ببساطة الإيمان، والعودة إلى الله فقط، ولم يقُل لهم طوباكم إذ آمنتم، وقد انتهى الموضوع بالنسبة لكم وسأذهب لآخرين!! إنما أكمل لهم شرح الطريق.
فلابد من التوبة والمعمودية لغفران الخطايا، وبعد المعمودية ننال عطية الروح القدس (بوضع اليد ثم بعد ذلك - تاريخيًا - بالميرون)، وهذه المعمودية هي موعد (عطية - نعمة) من الله لنا، ولأولادنا (معمودية الأطفال).
تأمل كيف أن آية واحدة بها كل هذه العقائد، تلك التي يُريد البعض اليوم أن يلغيها، أو يُغيبها عن أذهان الناس... لم يكن مُعلمنا بطرس هكذا.
وفي قصة معجزة شفاء العرج من بطن أمه، التي وردت في الإصحاح الثالث من سفر الأعمال، لم يكتفِ مُعلمنا بطرس بأن يندهش الناس ويتحيروا، أو حتى يُؤمنوا بسبب المعجزة، بل اهتم أيضًا بأن يشرح النبوات التي أشارت إلى السيد المسيح، وأن المعجزة تمت بسبب الإيمان بلاهوت المسيح، مُظهرًا بهذا أنه لا يكفى الإيمان المبنى على الانبهار بالمعجزة، بل يجب أيضًا أن نعرف ونعى العقيدة الصحيحة في السيد المسيح، والإيمان بشخصه القدوس المبارك.. لذلك قال لهم: "أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ تَتَعَجَّبُونَ مِنْ هذَا؟ وَلِمَاذَا تَشْخَصُونَ إِلَيْنَا، كَأَنَّنَا بِقُوَّتِنَا أَوْ تَقْوَانَا قَدْ جَعَلْنَا هذَا يَمْشِي؟ إِنَّ إِلهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، إِلهَ آبَائِنَا، مَجَّدَ فَتَاهُ يَسُوعَ، الَّذِي أَسْلَمْتُمُوهُ أَنْتُمْ وَأَنْكَرْتُمُوهُ أَمَامَ وَجْهِ بِيلاَطُسَ، وَهُوَ حَاكِمٌ بِإِطْلاَقِهِ. وَلكِنْ أَنْتُمْ أَنْكَرْتُمُ الْقُدُّوسَ الْبَارَّ، وَطَلَبْتُمْ أَنْ يُوهَبَ لَكُمْ رَجُلٌ قَاتِلٌ. وَرَئِيسُ الْحَيَاةِ قَتَلْتُمُوهُ، الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَنَحْنُ شُهُودٌ لِذلِكَ. وَبِالإِيمَانِ بِاسْمِهِ، شَدَّدَ اسْمُهُ هذَا الَّذِي تَنْظُرُونَهُ وَتَعْرِفُونَهُ، وَالإِيمَانُ الَّذِي بِوَاسِطَتِهِ أَعْطَاهُ هذِهِ الصِّحَّةَ أَمَامَ جَمِيعِكُمْ" (أع 3: 12- 16)، (راجع النص كاملًا في أع 3: 1- 26).
لاحظ هنا -عزيزي القارئ المُبارك- أن مُعلمنا بطرس انتهز فرصة انبهار الناس بالمعجزة ليعلن عدة حقائق هي:
* الإيمان باسم المسيح القدوس والبار ورئيس الحياة، وأن المعجزة تمت باسمه القدوس.
* تأكيد عقيدة آلام المسيح، وموته من أجل خلاصنا.
* ضرورة التوبة لمحو الخطايا.
* السيد المسيح هو الوحيد الذي تقبله السماء، وهو المتنبئ عنه من جميع الأنبياء خاصة "موسى وصموئيل".
وعند محاكمة بطرس أمام مجمع السنهدريم، لم يَغفل أن يشرح لهم طريق الخلاص، وأن السيد المسيح وحده هو المُخلِّص، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. "لَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ" (أع 4: 12). ولم يُجاملهم مُعلمنا بطرس، وبالرغم أنه في موقف صعب واتهام ومحاكمة.. لم يقُل لهم إن الله يقبل الجميع، وكلنا واحد ولا يوجد فارق... بل شرح الصدق في الإيمان بدون مداراة، ولو أدى الأمر أن يموت من أجل هذا الشرح والإعلان الإيماني. بل الأكثر من هذا أنه رفض مع القديس يوحنا تهديد اليهود لهما، وأوامرهم بألا ينطقا بهذا التعليم والإيمان.. "فَدَعَوْهُمَا وَأَوْصَوْهُمَا أَنْ لاَ يَنْطِقَا الْبَتَّةَ، وَلاَ يُعَلِّمَا بِاسْمِ يَسُوعَ. فَأَجَابَهُمْ بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا وَقَالاَ: إِنْ كَانَ حَقًّا أَمَامَ اللهِ أَنْ نَسْمَعَ لَكُمْ أَكْثَرَ مِنَ اللهِ، فَاحْكُمُوا. لأَنَّنَا نَحْنُ لاَ يُمْكِنُنَا أَنْ لاَ نَتَكَلَّمَ بِمَا رَأَيْنَا وَسَمِعْنَا" (أع 4: 18- 20).
لقد قصد مُعلمنا لوقا الإنجيلي وهو يكتب قصة كرنيليوس في سفر الأعمال -بالروح القدس- أن يُبرز: "أَنَّ الأُمَمَ شُرَكَاءُ فِي الْمِيرَاثِ وَالْجَسَدِ وَنَوَالِ مَوْعِدِهِ فِي الْمَسِيحِ بِالإِنْجِيلِ" (أف 3: 6)، وكذلك أبرز عدة عقائد لا يُمكن تجاهلها:
* أن كرنيليوس بالرغم من أنه رجل "تَقِيٌّ وَخَائِفُ اللهِ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ، يَصْنَعُ حَسَنَاتٍ كَثِيرَةً لِلشَّعْبِ، وَيُصَلِّي إِلَى اللهِ فِي كُلِّ حِينٍ" (أع 10: 2).. إلا أنه يحتاج شيئًا آخر ليَخلُص... ولم يكن ظهور الملاك له لمجرد طمأنته أنه بأعماله هذه مقبول عند الله بل قال له: "صَلَوَاتُكَ وَصَدَقَاتُكَ صَعِدَتْ تَذْكَارًا أَمَامَ اللهِ. وَالآنَ أَرْسِلْ إِلَى يَافَا رِجَالًا وَاسْتَدْعِ سِمْعَانَ الْمُلَقَّبَ بُطْرُسَ.... هُوَ يَقُولُ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ" (أع 10: 4- 6).
* وأنه لابد من وجود الكاهن الذي يُعلم ويُعمِّد، ويضع اليد لنوال الروح القدس... والكاهن هنا هو مُعلمنا "بطرس الرسول"، وفي قصة شاول الطرسوسي كان "حنانيا الدمشقي" (أع 9: 17، 18).
* وحقيقة أن: "فِي كُلِّ أُمَّةٍ، الَّذِي يَتَّقِيهِ وَيَصْنَعُ الْبِرَّ مَقْبُولٌ عِنْدَهُ" (أع 10: 35)، لا تمنع أن يعرف كرنيليوس الإيمان المسيحي ويعتمد كشرط لخلاصه.. وإلا لاكتفى مُعلمنا بطرس بالاطمئنان على تقوى وبرّ كرنيليوس، ولم يشرح له الإيمان ولا قال: "أَتُرَى يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَ الْمَاءَ حَتَّى لاَ يَعْتَمِدَ هؤُلاَءِ... وَأَمَرَ أَنْ يَعْتَمِدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ" (أع 10: 47، 48).
وفي قصة اختيار برنابا وشاول للخدمة، أراد مُعلمنا لوقا الإنجيلي -بالروح القدس- أن يُؤكد دور الكنيسة وحتميته، وضرورة وجود رجال كهنة مفروزين بالروح القدس عن طريق الكنيسة.. "بَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ الرَّبَّ وَيَصُومُونَ، قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ: أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ. فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا" (أع 13: 2، 3).
* لماذا لم يفرزهم الروح القدس بنفسه، ويرسلهم بدون الحاجة إلى صوم وصلاة من الكنيسة ووضع أيادي؟
* ولماذا قال افرزوا لي؟ ولماذا وضعت الكنيسة (مُمثلة في الآباء الرسل) الأيادي على المدعوين للخدمة؟
* ولماذا يهتم مُعلمنا لوقا بإبراز هذه الأفكار إن كانت عديمة الأهمية.. ومطلوب أن تُؤخذ الأمور بأكثر بساطة؟
وهناك قضية أثارت اهتمام الكنيسة الناشئة لفترة طويلة، واستنفذت كثيرًا من الجهد، وهي (قضية التهود) حيث علّم المسيحيون من أصل يهودي أنه ينبغي على الأمم أن يتهودوا (بالختان وحفظ الناموس وحفظ السبت) قبل أن يتنصروا.. "إِنْ لَمْ تَخْتَتِنُوا حَسَبَ عَادَةِ مُوسَى، لاَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَخْلُصُوا" (أع 15: 1)، "فَاجْتَمَعَ الرُّسُلُ وَالقسوس (الْمَشَايخُ) لِيَنْظُرُوا فِي هذَا الأَمْرِ. فَبَعْدَ مَا حَصَلَتْ مُبَاحَثَةٌ كَثِيرَةٌ قَامَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُمْ" (أع 15: 6، 7).
وهذا هو أول مجمع مسكوني في تاريخ الكنيسة، للبحث باهتمام وتدقيق في أمور العقيدة، وتقرير الأمور الصحيحة، ورفض الأفكار الخاطئة.
فهل كان الآباء الرسل يُضيعون وقتهم الثمين في مباحثات لا داعي لها؟ أم أن منطوق الإيمان وشرحه وصحته، أمور لا تقل أهمية -بل تزيد- عن الكرازة والوعظ وجذب النفوس البعيدة؟
إن العقيدة في الكنيسة هي: العمود الفقري الذي يُبنى عليه الإيمان البسيط.
* فليس من المعقول أن تُوافق إنسانًا بسيطًا يُؤمن ببساطة.. أن السيد المسيح رجل فاضل أو نبي عظيم، ولا يعرف أنه الله الظاهر في الجسد.
* وليس من المعقول أن تُوافق إنسانًا بسيطًا يُؤمن ببساطة دون وعى وتفكير.. أن السماء مفتوحة لكل مَنْ يعمل الخير، حتى لو لم يعتمد، ولم يتناول، ولم يكن في جسد المسيح... إذ ليس بأحد غيره الخلاص.
إن الإيمان يجب أن يُشرح وأن يُعاش... يجب على الكنيسة أن تُنبه أبناءها لخطر الأفكار الغريبة، والشروحات الخاطئة، التي قد تُعطل خلاصهم... بل قد تُفقدهم إياها.
نحن نقبل الآخر كشخص، نحبه ونتعامل معه ونشاركه في حياته، ونتعاون معه في العمل والدراسة والجيرة وغيرها... ولكننا لا نستطيع أن نوافق على أفكاره من جهة الله إذا كانت منحرفة وغير سليمة أو غير كتابية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/church/apostles.html
تقصير الرابط:
tak.la/ma2wwh7