ثالثًا: خطورة عدم وجود خلافة رسولية:
الخطورة هي انحراف التعليم، وتعدّد المدارس الفكرية في المسيحية، وخروج أناس من تلقاء أنفسهم يدّعون المعرفة ويُحرِّفون الإيمان، وأناس يؤسسون كنائس على أمزجتهم الخاصة، وتتعدد الطوائف، وينحرف الإيمان الأصيل، وتنقسم الكنيسة، ولا تعود كنيسة واحدة مُقدَّسة جامعة رسولية!!
إننا لا نعرف إلاَّ هذا: "رَبٌّ واحِدٌ، إيمانٌ واحِدٌ، مَعموديَّةٌ واحِدَةٌ" (أف 5:4)، وكنيسة واحدة، هي جسد واحد لرأس واحد، وعروس واحدة لعريس واحد.
ولهذا قيل عن الكنيسة جماعة المؤمنين إنهم "مَبنيينَ علَى أساسِ الرُّسُلِ والأنبياءِ، ويَسوعُ المَسيحُ نَفسُهُ حَجَرُ الزّاويَةِ" (أف 20:2).
هناك قضية رئيسية تحتل مكانًا كبيرًا في رسائل مُعلِّمنا بولس الرسول، تشير إلى فكرة وجود الخلافة الرسولية.
القضية هي.. دفاع مُعلِّمنا بولس الرسول بشدة عن قانونية رسوليته؟
الأمر الذي أُثير في العصر الرسولي هو: هل بولس رسول للمسيح أم أنه كارز عادي؟
وكان هناك فريقان أحدهما يؤيد رسولية بولس والآخر ينفيها بشدة بحجة أنه لم يرَ الرب بالجسد، ولم يلتصق به، بل عرفه بعد القيامة والصعود عن طريق ظهوره له في الطريق إلى دمشق.
وكان يمكن ألاَّ يُثار الأمر من الأصل وألاَّ يأخذ هذا الحيز الكبير من الاهتمام لو كان أي خادم أو كارز يدعو نفسه رسولًا؟!
فإن كان الأمر غير مهم أن يكون بولس رسولًا رسميًا أم لا.. لماذا اهتم بعض المؤمنين في العصر الرسولي أن يتهموا بولس بأنه ليس رسولا؟! ولماذا اهتم بولس الرسول بتخصيص أجزاء كثيرة في رسائله لإثبات رسوليته وقانونيتها.. إن كان الأمر لا يفرق شيئًا؟!
اقرأ معي هذه الآيات.. ثم دعنا نتناقش:
* "ألستُ أنا رَسولًا؟ ألستُ أنا حُرًّا؟ أما رأيتُ يَسوعَ المَسيحَ رَبَّنا؟ ألستُمْ أنتُمْ عَمَلي في الرَّب؟ إنْ كُنتُ لستُ رَسولًا إلَى آخَرينَ، فإنَّما أنا إلَيكُمْ رَسولٌ! لأنَّكُمْ أنتُمْ خَتمُ رِسالَتي في الرَّب" (1كو 1:9-2).
* "أقولُ أيضًا: لا يَظُنَّ أحَدٌ أني غَبيٌّ. وإلا فاقبَلوني ولو كغَبي، لأفتَخِرَ أنا أيضًا قَليلًا" (2كو 16:11).
* "لَيتَكُمْ
تحتَمِلونَ غَباوَتي قَليلًا! بل أنتُمْ مُحتَمِليَّ. فإني أغارُ
علَيكُمْ غَيرَةَ اللهِ، لأني خَطَبتُكُمْ لرَجُلٍ واحِدٍ،
لأُقَدمَ عَذراءَ عَفيفَةً للمَسيحِ. ولكنني أخافُ أنَّهُ كما خَدَعَتِ
الحَيَّةُ حَوّاءَ بمَكرِها، هكذا تُفسَدُ أذهانُكُمْ عن البَساطَةِ
التي في المَسيحِ. فإنَّهُ إنْ كانَ الآتي يَكرِزُ بيَسوعَ آخَرَ لم
نَكرِزْ بهِ، أو كنتُم تأخُذونَ روحًا آخَرَ لم تأخُذوهُ، أو
إنجيلًا آخَرَ لم تقبَلوهُ، فحَسَنًا كنتُم تحتَمِلونَ! لأني
أحسِبُ أني لم أنقُصْ شَيئًا عن فائقي الرُّسُلِ. وإنْ كُنتُ عاميًّا في
الكلامِ، فلستُ في العِلمِ، بل نَحنُ في كُل شَيءٍ ظاهِرونَ
لكُمْ بَينَ الجميعِ. أم أخطأتُ خَطيَّةً إذ أذلَلتُ نَفسي كيْ
ترتَفِعوا أنتُمْ، لأني بَشَّرتُكُمْ مَجّانًا بإنجيلِ اللهِ؟
سلَبتُ كنائسَ أُخرَى آخِذًا أُجرَةً لأجلِ خِدمَتِكُمْ، وإذ كُنتُ
حاضِرًا عِندَكُمْ واحتَجتُ، لم أُثَقلْ علَى أحَدٍ. لأنَّ
احتياجي سدَّهُ الإخوَةُ الذينَ أتوا مِنْ مَكِدونيَّةَ. وفي كُل شَيءٍ
حَفِظتُ نَفسي غَيرَ ثَقيلٍ علَيكُمْ، وسأحفَظُها. حَقُّ
المَسيحِ فيَّ. إنَّ هذا الاِفتِخارَ لا يُسَدُّ عَني في أقاليمِ
أخائيَة. لماذا؟ ألأني لا أُحِبُّكُمْ؟ اللهُ يَعلَمُ.
ولكن ما أفعَلُهُ سأفعَلُهُ لأقطَعَ فُرصَةَ الذينَ يُريدونَ فُرصَةً كيْ
يوجَدوا كما نَحنُ أيضًا في ما يَفتَخِرونَ بهِ. لأنَّ مِثلَ هؤُلاءِ
هُم رُسُلٌ كذَبَةٌ، فعَلَةٌ ماكِرونَ، مُغَيرونَ شَكلهُمْ إلَى
شِبهِ رُسُلِ
المَسيحِ. ولا عَجَبَ. لأنَّ الشَّيطانَ نَفسَهُ
يُغَيرُ شَكلهُ إلَى شِبهِ مَلاكِ نورٍ! فليس عظيمًا إنْ كانَ خُدّامُهُ
أيضًا يُغَيرونَ
شَكلهُمْ كخُدّامٍ للبِر. الذينَ نِهايَتُهُمْ تكونُ حَسَبَ أعمالِهِمْ"
(2كو 1:11-15).
* "قد صِرتُ غَبيًّا وأنا أفتَخِرُ. أنتُمْ ألزَمتُموني! لأنَّهُ كانَ يَنبَغي أنْ أُمدَحَ مِنكُمْ، إذ لم أنقُصْ شَيئًا عن فائقي الرُّسُلِ، وإنْ كُنتُ لستُ شَيئًا" (2كو 11:12).
إن بولس الرجل المتضع الذي يعتبر نفسه آخر الرسل ومثل "السقط"، عندما اُتهم بأنه ليس رسولًا، انبرى يدافع عن رسوليته دفاعًا مستميتًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وذلك لأنه لو لم يكن بولس رسولًا.. فستكون الكنائس التي أسسها غير رسولية، والأساقفة الذين أقامهم، وكذلك القسوس والشمامسة يكونون غير قانونيين، وكذلك مَنْ يقوم هؤلاء الأساقفة برسامتهم وكل خلفائهم، وتنهار كل خدمة بولس والكنائس التي أسسها... بل أن كرازة وتعليم بولس كانت ستكون موضع شك!
لم تكن خدمة كل المؤمنين من جهة الكرازة والتبشير بنفس الدرجة, بل كان هناك مسئولون رسميون لهم صفة رسولية وامتيازات خاصة من جهة أحقيتهم في تأسيس الكنائس وسيامة الأساقفة والقسوس والشمامسة.
كان هذا الأمر واضحًا جدًّا في ذهن بولس الرسول ومُعاصريه، لذلك كان الموضوع قضية تستحق المناقشة والاتهام والدفاع.
ليست كرازة بولس الرسول مجرد انتشار لاسم السيد المسيح بأية طريقة، وليس شخص بولس الرسول مجرد كارز يتكلّم من نفسه، بل كان بولس الرسول رسولًا مُعتمدًا، وكاهنًا رسميًا، وأسقفًا مَسكونيًا له الحق أن يُقيم آخرين أيضًا.
ولذلك احتاج هو نفسه أن يراجع تعليمه على تعليم سابقيه..
* "ثُمَّ بَعدَ أربَعَ عَشرَةَ سنَةً صَعِدتُ أيضًا إلَى أورُشَليمَ مع بَرنابا، آخِذًا مَعي تيطُسَ أيضًا. وإنَّما صَعِدتُ بموجَبِ إعلانٍ (أي بإعلان خاص من الروح القدس)، وعَرَضتُ علَيهِمِ الإنجيلَ الذي أكرِزُ بهِ بَينَ الأُمَمِ، ولكن بالاِنفِرادِ علَى المُعتَبَرينَ (أي بطرس ويعقوب ويوحنا)، لِئلا أكونَ أسعَى أو قد سعَيتُ باطِلًا" (غل 1:2-2).
* "فإنَّ الذي عَمِلَ في بُطرُسَ لرِسالَةِ الخِتانِ عَمِلَ فيَّ أيضًا للأُمَمِ. فإذ عَلِمَ بالنعمَةِ المُعطاةِ لي يعقوبُ وصَفا ويوحَنا، المُعتَبَرونَ أنهُم أعمِدَةٌ، أعطَوْني وبَرنابا يَمينَ الشَّرِكَةِ لنَكونَ نَحنُ للأُمَمِ، وأمّا هُم فللخِتانِ" (غل 8:2-9).
والسؤال (مرة أخرى) هو:
- لماذا قام أعداء بولس الرسول بتوجيه هذا الاتهام بالذات له؟ ولماذا قابل بولس الرسول هذا الاتهام باهتمام شديد ودفاع مُستميت؟
- إن كانت لا توجد خلافة رسولية، ولا يوجد كهنوت مسيحي، ولا يوجد أوضاع رسمية في تأسيس الكنيسة وسياستها.. فلماذا يُضيع مُعلِّمنا بولس وقته في الدفاع عن قانونية رسوليته؟ لولا أن هذا مهم للغاية في تأكيد رسوليته ومهمة رسالته!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/apostolic-succession/dangers.html
تقصير الرابط:
tak.la/mftq7zq