محتويات: (إظهار/إخفاء) |
(1) سر مسحة
المرضى يُعلِّمنا المشاركة (2) افتقاد الغائب (3) الشفاء الحقيقي (4) روح خدمة الآخر الخلاصة |
(4) سر مسحة المرضى:
الكنيسة تصلي من أجل المريض، لتشاركه في آلامه وشدته.. ليس فقط في سر مسحة المرضى، بل أيضًا كل يوم في رفع بخور باكر في أوشية المرضى.. "تعهدهم بالمراحم والرأفات، اشفهم، انزع عنهم وعنا كل مرض، وكل سقم، وروح الأمراض أطرده، والذين أبطأوا مطروحين في الأمراض أقمهم وعزهم... رجاء من ليس له رجاء، معين من ليس له معين، عزاء صغيري القلوب... ونحن أيضًا أمراض نفوسنا اشفها، والتي لأجسادنا عافها، أيها الطبيب الحقيقي...".
إن علامة عضويتنا في الجسد الواحد.. هو إحساسنا بالآخر.. "فإن كان عضو واحد يتألَّم، فجميع الأعضاءِ تتألَّم معه" (1كو12: 26). والكنيسة تُعبِّر عن هذا الإحساس بالصلاة من أجل المرضى، والذين في السجون أو المعتقلات أو النفي أو السبي أو المقبوض عليهم في عبودية مُرّة، وتصلى من أجل المربوطين والساقطين، وتُصلى من أجل الأنفس المتضايقة.. كل هذا في أوشية المرضى التي تُعبِّر بجمال روحي بديع عن روح الشركة، والإحساس بالآخر.
إنك حينما لا تستطيع أن تقدم خدمة عملية تنقذ بها أخاك من ضيقة أو أزمة، عليك أن تُصلى من أجله.. "وصلاة الإيمان تشفي المريض، والرب يُقِيمُه" (يع5: 15)، "لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر، لتُعلَم طلباتُكُم لدى الله" (في4: 6).
فالصلاة لها قوة عظيمة فعَّالة.. حتى أن مُعلِّمنا بولس الرسول طلب من أحبائه أن يصلوا عنه.. "وأنتم أيضًا مساعدون بالصلاة لأجلنا" (2كو11:1)، "طلبة البار تَقتدر كثيرًا في فِعلِها" (يع5: 16).
إن طبيعة الكنيسة هي أن نكون معًا.. "وجميع الذين آمنوا كانوا معًا" (أع2: 44)، ولا شك أن المرض قد يعوق الإنسان أن يشارك الكنيسة في حياتها من جهة الصوم، ومن جهة النشاط في الصلاة، ومن جهة الاجتماع المقدس في الكنيسة للإفخارستيا أو الليتورجيا.. لذلك عندما يتغيب أحد الأعضاء بسبب المرض.. فإن الكنيسة تجتمع عنده للصلاة.
وعندما نصلي، فنحن نطلب أن يعود إلينا هذا الأخ بكامل صحته، ليعاود مشاركته للكنيسة في حياتها وعبادتها.. "اسمع طلبتنا، ومسكنة دعائنا نحن عبيدك الخطاة، وامنح الشفاء لعبدك (فلان)... أرسل له الشفاء سريعًا واغفر له كل آثامه، وامنح الصحة لسائر جسده، وجميع أعضائه" (من صلوات القنديل).
إن المرض ينبهنا إلى اقتراب ساعة الوفاة.. والكنيسة لا تخاف الموت بل تشتهيه.. "ذاك أفضل جدًّا" (في1: 23)، وما يؤلمنا هو آلام الأخ وليس انتقاله.. لذلك فحينما نصلى عن المريض.. نطلب له الشفاء أو الانتقال إلى الراحة العظمى.
السبع فتائل للقنديل.. تنبِّه الذهن إلى السبع مناير المحيطة بالسيد المسيح في منظر بديع، يذكرنا بالأبدية السعيدة، وإيقاد الفتائل واحدة فواحدة يشير إلى اقتراب الأبدية تدريجيًا.
وفي الصلاة نفسها يقول الأب الكاهن: "وإن أردت أن تأخذ نفسه، فليكن ذلك بيد ملائكة نورانيين يخلصونه من شياطين الظلمة، انقله إلى فردوس الفرح، ليكون مع جميع القديسين".
نحن لا نهاب الموت، ولكننا لا نحب الافتراق. فحسن لأخينا المريض أن يُشفى ليكون معنا في الكنيسة على الأرض، وحسن أيضًا أن ينتقل فيكون -أيضًا- معنا في الكنيسة في السماء، إن شاءت إرادة الله، ولكن ليس حسنًا أن يبقى مريضًا هكذا.
وتؤكد الكنيسة على هذه الحقيقة بعدة ملاحظات في طقس القنديل، تُعِّد بها المريض لملاقاة المسيح:
* تبدأ بمزمور التوبة (المزمور الخمسون) بعد صلاة الشكر.. فنحن لا نستطيع أن نقترب إلى المسيح إلا بالشكر والتوبة.
* وفي الصلاة الثانية.. نصلى أوشية المسافرين لتنبهنا إلى حقيقة غربتنا في هذه الأرض، وأننا مسافرون إلى الأبدية السعيدة.
* وفي الصلاة الرابعة.. تتلو الكنيسة على مسامعنا.. "... وقولوا لهم: قد اقترب منكم ملكوت الله" (لو10: 9).
* وفي الصلاة الخامسة.. نصلى أوشية الراقدين، ليتعلق قلبنا بالسماء.. يوم الشفاء الحقيقي من كل أتعاب الجسد وضعفاته واحتياجاته.. حيث نذهب إلى الموضع الذي هرب منه الحزن والكآبة والتنهد.
* وفي الصلاة الخامسة أيضًا يُرتَل المزمور.. "أخرج من الحبس نفسي" (مز142: 7)، ويعلن المسيح لنا - مطمئنًا إيانا.. "في بيت أبي منازل كثيرة..." (يو14: 2).
* وفي الصلاة السادسة.. نفرح بقبول السيد المسيح "... إيمانُكِ قد خلَّصكِ، اذهبي بسلامٍ" (لو50:7).
والكنيسة أيضًا حينما تصلى عن المريض، إنما تُعلِّمنا أن نخدم الآخرين بدون تأفف، بل بنشاط وحب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى:
* في الصلاة الثانية.. تشجعنا الكنيسة على تحمل متاعب المرضى.. فأحيانًا يتسبب المرض في توتر المريض.. وأحيانًا تسبب الأدوية نفسها نوعًا من العصبية الزائدة.. حتى أن المريض نفسه قد يخطئ في حق المحيطين به، ويهينهم بسبب شدة آلامه وتوتره وعصبيته.. فتقرأ علينا الكنيسة فصل البولس من (رومية 15: 1-17) "فيجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل أضعاف (ضعفات) الضعفاء...".
* وفي الصلاة الثالثة.. تشير الكنيسة إلى أن المحبة هي أسمى من موهبة شفاء الأمراض، فنحن بالحب نحتمل المريض، ونحتمل التعب الجسماني فيما نخدمه، ونحتمل التعب النفسي والمعنوي فيما لا يشكرنا، أو يتأفف من خدمتنا، أو حتى يشكونا. هذا الاحتمال بحب وصبر كفيل أيضًا أن يقود مريضنا للشفاء النفسي والجسدي، وأيضًا يقوده إلى التوبة وتحسين علاقاته وتصرفاته، وكما نحتمله بشكر وحب.. سيحتمل هو أيضًا ضيقة المرض وآلامه بحب وشكر.
* والمكافأة التي تنتظرنا جميعًا يعلنها مُعلِّمنا بولس الرسول في الصلاة الرابعة.. "إن كُنَّا نتألَّم معه لكي نتمجَّد أيضًا معه" (رو8: 17).
* والنموذج العالي لهذه الخدمة تبرزه الصلاة الخامسة، وهو تسليم ابن الله نفسه لأجلي.. "مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ. فما أحياهُ الآن في الجسد، فإنما أحياهُ في الإيمان، إيمان ابن الله، الذي أحبني وأسلَم نفسه لأجلي" (غل2: 20).
* وفي الصلاة السادسة.. ينبهنا مُعلِّمنا بولس الرسول أيضًا إلى أهمية خدمة الآخرين بالحب.. "فالبَسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات، ولطفًا، وتواضعًا، ووداعة، وطول أناة، محتملين بعضكم بعضًا، ومسامحين بعضكم بعضًا... وعلى جميع هذه البَسوا المحبة التي هي رباط الكمال. وليَملِك في قلوبكم سلام الله الذي إليه دُعيتُم في جسدٍ واحدٍ..." (كو3: 12-15).
إن هذا الطقس الرائع لسر القنديل يغرس فينا وفي المريض كثيرًا من الفضائل التي تساهم في تجميع الجسد الواحد، وربطه بالحب والخدمة والاحتمال، وبالنظرة إلى الأبدية السعيدة، وبإحساسنا بالآخر وآلامه واحتياجاته.
في سر مسحة المرضى يكون الهدف أيضًا هو الوحدة.. وبرهان الوحدة هو مشاركة الآخر آلامه، وافتقاد غيابه، وخدمته، وطلب الشفاء لأجله ليعود مرة أخرى إلى شركة الكنيسة.. إن هنا على الأرض أو هناك في السماء.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/all-may-be-one/unction.html
تقصير الرابط:
tak.la/pa7x8qg