*ذهب أحد الرهبان الشبان إلى أبو مقار وقال له: قل لي كلمة منفعة؟ فرد عليه قائلًا: "لا تفعل بأحد شرًا ولا تدن أحد أفعل هاتين وأنت تخلص". طبعًا الوصية دي كانت تنفع الأخ ده بالذات، يعني كان الآباء بإلهام الروح القدس لما أولادهم في الرهبنة يذهبوا إليهم طالبين كلمة منفعة (إرشاد) كانوا يقولوا لهم كلمة منفعة مختصرة وهذه الكلمة تكون مثل الروشتة بتناسب المرض اللي عند الأخ ده بالذات ولو راح أخ تاني يطلب كلمة منفعة كان الآب يقول له كلمة منفعة أخرى مختلفة بإلهام روح الله تناسب حالته.
*وكان القديس أبو مقار حريص جدًا تجاه خطية الإدانة وكان لا يدين أحد، ليس فقط بالكلام ولا بالفكر أيضًا. ففي عظة له وكانت هي العظة الأخيرة، قبل نياحته. قال لأولاده: "لا تقبلوا في فكركم أو تصوروا في كلامكم على أي إنسان أنه شرير"، لأن القديس بطرس الرسول قال: "أما أنا قد أمرني الله ألا أقول عن إنسان، أنه دنس أو نجس" (أع10: 28)، وبعد ذلك قال لهم: أن الرسول بولس قال: "كل شيء طاهر للطاهرين" (تي1: 15).
*فالإنسان الطاهر يرى كل الناس طاهرين، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وأيضًا قال لهم: "كل شيء للأعمى ظلام"، يعني لو إنسان لابس نظارة سوداء يرى كل حاجة سوداء، وكان يقول لهم: كل شيء طاهر للطاهرين، والقلب النجس ينجس كل أحد، والرب اعتقنا من غواية الشيطان فلا نعود نستبعد أنفسنا بسوء تصرفنا. يعني أننا عتقنا من عبودية الشيطان فالإنسان لنا يقبل فكر إدانة يستعبد مرة ثانية للخطية وينخدع من عدو الخير.
يحكى عنه أنه لما كان يرى بعينه واحد بيخطئ فهو مش عاير يدينه فكيف يهرب من هذه الخطية، كان لما يضطرب قلبه بالخطية اللي هو شايفها بعينه يقول لنفسه: "يا أغاثون أنت متعملش كده. أنت أهتم بنفسك لئلا تقع في نفس الخطأ". فيقول لما كان ينتهر نفسه كان يستريح من حرب العدو اللي عايزه يدين الآخر.
لما كان يشوف بعينه واحد بيخطئ في ذات الفعل كان يقول لنفسه "أخي يخطئ اليوم وغدا ربما يتوب وأنا ممكن بكره أخطئ ولا ألحق أتوب" فكان لما يرى أحد بيخطئ لم يكن يدينه، لكن يدين نفسه رغم أنه في هذا الوقت لم يكن بيخطئ، ويبرر المخطئ ويدين ذاته، وربما هذا القول مشابه لقول أبو مقار الكبير "على نفسك احكم". يعني هو يحكم على نفسه ولا يحكم على غيره رغم أنه بيرى غيره بيخطئ.
وتوجد قصة في البستان بتقول أنه كان في أحد الأديرة أب مريض وزمان كان المريض في الدير ينقلوه إلى المكان الخاص بالمرضى (ذي المستشفى). حيث يوجد آباء مرضى مثله، ويوجد راهب يقرأ لهم من أقوال الآباء أو من الكتاب المقدس وفي هذا الوقت كان الراهب يقرأ لهم قصة يعقوب من الكتاب المقدس.
(عندما كان يوسف بن يعقوب في مصر وحجز شمعون عن إخوته التسعة. وقال لهم لازم ترجعوا وتجيبوا أخوكم العاشر بنيامين، وابتدأ يعقوب يقول: يوسف مفقود وشمعون كمان غائب وكمان عايزين بنيامين). فلما سمع شيخ من المرضى هذه القصة علق على العبارة اللي قالها يعقوب أب الآباء وقال: يعني مش مكفيك تسعة. وافرض شمعون مش موجود مش كفاية اللي عندك. وكان يوجد أب تاني من المرضى (لكنه متحفظ من خطية الإدانة) قال له: أسكت أيها الشيخ إذا كان الرب برره لأنه أب الأسباط إحنا ندينه، أنت مالك تقول ليه عنده تسعة أو عنده عشرة. ويتضح ده أن تعليق الشيخ المريض على كلام أبينا يعقوب إدانة ليعقوب أب الآباء.
*والقصة دي توضح مدى حرص الآباء الشديد من جهة هذه الخطية.
وهناك قصة معروفة عنه ننتفع منها، لما كان المجلس المسئول عن البرية كلها (برية الإسقيط وهي وادي النطرون حاليًا) وعدده ثمانية آباء كبار، مجتمعين علشان يدينوا أحد الرهبان (يعني يحاكموه على خطية حدثت منه)، وكان الأنبا موسى أحد آباء المجلس وكان موجود في المغارة بتاعته ولم يحضر هذا الاجتماع رغم أنهم أبلغوه بالميعاد والمكان اللي فيه الاجتماع، فلما تأخر عن الحضور وهم منتظريه ذهب إليه قس البرية وقال له: الآباء كلهم منتظريك علشان عايزين يبدأوا يتكلموا في الموضوع.
*فأجاب الأنبا موسى وقال: أنا مش عايز أروح. فقال له: لازم تحضر لأن الآباء منتظرينك، فرد الأنبا موسى: طيب حاحضر. فخرج الانبا موسى من قلايته وجاب شوال ووضع فيه رمل وخرم الشوال (عمل فيه ثقب) ووضعه على ظهره وراح للآباء، فلما رأوه قالوا في فكرهم: ده وقت شيل، إحنا جايين نجتمع إيه اللي شايله ده.
* وواحد من الآباء أصغر من الأنبا موسى في السن قال له: عنك يا أبي إيه الشوال اللي أنت شايله وتاعب نفسك بيه ده من قلايتك لهنا، الشوال ده فيه أيه؟ فأجاب الأنبا موسى وقال لهم: الشوال ده فيه خطيتي وذي ما انتم شايفين، الشوال مثقوب وانا مش شايف، خطاياي بتجري وراء ظهري دون أن أراها وجئت اليوم لإدانة واحد غيري على خطيته.
*فانتفع الآباء من قوله وانفض المجلس من غير محاكمة وغفروا للأخ. وقالوا له: خلاص، يبقى أنت يا أخ مسئول عن نفسك وده أمر يخصك ويخص ربنا ولا يخصنا أحنا.
*وللقديس موسى الأسود قول مشهور: يقول يحتاج العقل دائمًا إلى أربع أمور (وخذوا بالكم لأن القول ده حلو قوي).
1-الصلاة الدائمة بسجود قلبي: (يعني سجود الروح الذي هو خضوع القلب لله، لأنه مش ممكن السجود في كل وقت).
2-محاربة الأفكار الشريرة التي تخطر على الذهن.
3-أن تعتبر ذاتك خاطئًا.
4-أن لا تدين أحدًا.
نلاحظ أن الأربعة وصايا السابقين فيهم وصايا إيجابية ووصايا سلبية، يعني هما بيكملوا بعض، يقول يجب أن تكون دائمًا في صلاة وسجود قلبي لكن توجد أوقات الواحد مش حقدر يصلي على طول، وبيجي الفكر الشرير يحاربه. فممكن الفكر يحاربك بخطية الإدانة فتدين غيرك. تقول له: لا تدن أحد أو يحاربك بخطية الإدانة فتدين غيرك. تقول له: لا تدن احد أو يحاربك بالبر الذاتي ويقول لك مثلًا: أن لا يوجد إنسان مثلك في القداسة، فترد عليه وتقول: أنا إنسان خاطئ. يعني الأربعة يكملوا وصية واحدة متكاملة.
وللأنبا موسى قول آخر: "إن دنا أنفسنا رضى الديان عنا" لأنه كصالح يفرح بتوبة الخاطئ ويرفع عنه وزر خطاياه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-makary/complaint/advice.html
تقصير الرابط:
tak.la/vswg8az