مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب عظات رهبانية - الأنبا بيشوي

3- كيف نقتنى الحكمة والإفراز؟

 

ورد في كلام القديس بولس الرسول أن "تَزْدَادَ مَحَبَّتُكُمْ أَيْضًا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ في الْمَعْرِفَةِ وفي كُلِّ فَهْمٍ، حَتَّى تُمَيِّزُوا الأُمُورَ الْمُتَخَالِفَةَ" (في 1: 9، 10) تمييز الأمور هي موهبة الإفراز والتمييز، فعلًا هناك أمور متضاربة يقف أمامها الإنسان حائرًا، لا يعرف أين الصواب، ما الذي يرضي الله وما الذي لا يرضيه؟ هل إن استخدمت الشدة يغضب الله أم إن لم أستعملها يغضب الله!! هل أسلك بالرقة أم بالشدة في موقف معين.. لا أعرف..

لكل أمر تحت السماء وقت
بعض التداريب لاقتناء الحكمة
* الصلاة لأجل اقتنائها
* الاقتداء بالقديسين
* دور المرشد الروحي
* الخبرات الشخصية
* مجمعية الكنيسة
الرجل ذو الرأيين
فلنمسك به

St-Takla.org Image: He gathered all the crops grown in Egypt and stored the grain from the surrounding fields in the cities. (Genesis 41: 48) - "Joseph rules in Egypt" images set (Genesis 41:47-57): image (2) - Genesis، Bible illustrations by James Padgett (1931-2009)، published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "فجمع كل طعام السبع سنين التي كانت في أرض مصر، وجعل طعاما في المدن. طعام حقل المدينة الذي حواليها جعله فيها" (التكوين 41: 48) - مجموعة "يوسف يحكم في مصر" (التكوين 41: 47-57) - صورة (2) - صور سفر التكوين، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

لكل أمر تحت السماء وقت

 لذلك عالي الكاهن لما تهاون في تأديب أولاده عندما كانوا يخطئون في خيمة الاجتماع (انظر 1صم 2: 22)؛ غضب منه الله جدًا وكُسرت رقبته وقال له أنت تكرم بنيك عليَّ؛ وأماتهم كلهم. وأيضًا قال له الله سينقطع الكهنوت من بيتك إلى الأبد، وإن ظل أحد من بيتك ولم يمت سيشحذ لقمة الخبز... وبالفعل تحققت هذه النبوة عندما قتل شاول الملك كل الكهنة؛ بعدما أخذ داود النبي سيف جليات من خيمة الاجتماع.. (انظر 1صم 2-4) إذًا طيبة عالي الكاهن مع أولاده أضاعته وأضاعتهم أيضًا "فَقَالَ الرَّبُّ لِصَمُوئِيلَ: هُوَذَا أَنَا فَاعِلٌ أَمْرًا في إِسْرَائِيلَ كُلُّ مَنْ سَمِعَ بِهِ تَطِنُّ أُذُنَاهُ" (1صم 3: 11). حتى زوجة ابنه جاءتها آلام المخاض، عندما سمعت أن زوجها وأخيه ماتا وأن حميها كُسرت رقبته وأن تابوت العهد قد أُخذ (هذه أول مرة يؤخذ فيها تابوت العهد)؛ ماتت وهي تلد وأسمت ابنها إيخابود لأنه قد زال المجد عن إسرائيل... لو كان عالي الكاهن قد أخذ موقفًا حاسمًا لما حدث كل هذا، هذا مجرد مثل على أنه ليست الطيبة دائمًا هي التي تفرح الله وليست القسوة دائمًا هي التي تفرحه؛ ومن هنا تظهر أهمية موهبة الحكمة والإفراز والتمييز.

بعض التداريب لاقتناء الحكمة

v الصلاة لأجل اقتنائها

 واضح في كلام القديس بولس الرسول أنه يصلي لأجلهم ليقتنوا هذه الموهبة، وممكن أيضًا هم يصلون لأنفسهم ليقتنوها "وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللَّهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ" (يع 1: 5). لابد أن نطلب الحكمة بصفة عامة، ونطلبها في موقف خاص يحتاج لإرشاد من الله.

 

v الاقتداء بالقديسين

 أيضًا من الوسائل التي نقتني بها الحكمة أن نقرأ في سير القديسين ونتعلم من أسلوبهم ومنهجهم.

 

v دور المرشد الروحي

 أيضًا من خلال الحوار مع مرشد روحي حكيم فهذا الحوار لا يضيع هباءً، بل يتعلم الشخص الحكمة ويتشربها ويزداد اقتناؤه لها "اسْأَل أَبَاكَ فَيُخْبِرَكَ" (تث 32: 7)، "اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ... أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا" (عب 13: 7 ،17)، [الذين بلا مرشد مثل أوراق الشجر يسقطون]، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولكن يقول القديسون كذلك [اختبر مرشدك؛ لئلا تكون قد ذهبت إلى مريض بدلًا من طبيب]، فقد يكون هناك إنسان حكيم بينما مرشده غير حكيم؛ فيفقد ما كان لديه من حكمة بسبب المرشد، ومن الممكن أن يكون أحكم إن سلك وحده بممارسة سر التوبة والاعتراف فقط بدون هذا المرشد غير الحكيم في إرشاده.. فعلًا المرشد مهم ولكن إن وُجد، أما إن لم يوجد؛ فيكفي سر الاعتراف.

St-Takla.org Image: Coptic monk: Abouna Hayat (Ethiopian living in Egypt) - Visit of Patriarch of Ethiopia (Abune Paulos) to St. TaklaHaymanot Coptic Orthodox Church، Alexandria، Egypt، July 15، 2007 - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org صورة في موقع الأنبا تكلا: راهب قبطي: أبونا حياة الحبشي (إثيوبي يعيش في القاهرة) - صور زيارة بطريرك الحبشة أبونا باولص لكنيسة الأنبا تكلاهيمانوت، الإبراهيمية، الإسكندرية، 15 يوليو 2007 - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت

 "اِثْنَانِ خَيْرٌ مِنْ وَاحِدٍ... وَالْخَيْطُ الْمَثْلُوثُ لاَ يَنْقَطِعُ سَرِيعًا" (جا 4 : 9، 12).

 فمن الممكن أيضًا أن يستشير الإنسان مَن حوله من المحبين؛ فمن يستشير ويأخذ عبرة من خبرات الآخرين يضيف إلى عمره أعمارًا. فمَن لا يسأل الشيوخ عن خبراتهم وتجاربهم يُقاس عمره بعدد سنينه هو فقط فإن كان عمره خمسة وعشرين عامًا مثلًا سيظل هكذا إن لم يستشر، أما إن استشار مرشد روحي سِنُه ستين سنةً مثلًا فقد أصبح عمره خمس وثمانين سنةً.

 

v الخبرات الشخصية

 أيضًا عندما يستفيد الإنسان من أخطائه السابقة يقتنى الحكمة، مثلما قال القديس الأنبا أغاثون [إن ضميري لا يتعبني في أمر واحد مرتين] أي إن عمل أمرًا وتعب ضميره بسببه؛ لا يفعله ثانيةً.. فيزداد حكمة من خبرته هو الشخصية على مدى الأيام. ومَن لا يستفيد من خبراته؛ سيظل طوال عمره دون أن يقتنى أي نوع من الحكمة. إذًا من ضمن عوامل اقتناء الحكمة هي أن يستفيد الإنسان من خبراته ومن خبرات الآخرين.

 

v مجمعية الكنيسة

من ضمن الأمور التي تعلن صوت الله في وسط الكنيسة هي ألا يسلك الإنسان بحسب هواه الشخصي، بل يحاول أن يسمع صوت الله في وسط الجماعة. مثلما حدث في أورشليم عندما كانت هناك مناورات اجتمعت الكنيسة وقال الرسل "قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ" (أع 15: 28)، فمن ترى سيكون أكثر حكمة من الآباء الرسل أنفسهم؟! ولكن اقتضى الأمر أن يعقدوا مجمعًا. أحيانًا إن احتاج الإنسان أن يسمع صوت الله؛ يحاول أن يسمعه من خلال الجماعة التي حوله، إلا إذا كان صوت الله واضحًا فلا داعٍ لأن يضيع الشخص وقته ويحاول أن يسمعه من خلال الناس، لكن إذا لم يكن واضحًا فلا يمنع أن نسمعه من خلال المجموعة. سأعطيكم مثلًا: أحيانًا تُعرض عليَّ بعض مشاكل رعوية من إيبارشيتي أثناء اجتماع الكهنة، فإن كان الأمر واضحًا؛ آخذ قرارًا، أما إن كان القرار محيرًا؛ فأقول للآباء الكهنة: "ما رأيكم أنا أمامي ثلاثة حلول لهذه المشكلة، كذا أو كذا أو كذا، وأنا متحير ما الحل الذي أختاره.." فأجمع الآراء وأرى كم عدد الذين يوافقون على كل حل ورأى الأغلبية يعطيني مؤشرًا؛ لأنني متحير ولا أقدر أن أحدد.. مع أنه من المفترض أنهم هم الذين يسمعون مني المشورة، لكن ماذا يمنع أن أحاول أن أسمع صوت الله من خلالهم هم!! هذه هي فكرة الـcounciliarity أي مجمعية الكنيسة -وليست جامعية الكنيسة (أن يكون للكنيسة إيمان واحد في العالم كله)- أي أنني أؤمن أن الروح القدس من الممكن أن يتكلم من خلال الجماعة (المحفل). لذلك نحن نصلي كثيرًا في الكنيسة لأجل الاجتماعات {اذكر يا رب اجتماعاتنا، باركها} من ضمن المعاني المتضمنة في هذه الصلوة أننا عندما نجتمع قُد يا رب هذا الاجتماع وأرشدنا بصوتك بحيث أن يوصلنا لنتيجة إيجابية تكون مفيدة للكنيسة ولأنفسنا.

الرجل ذو الرأيين

لماذا يقول القديس يعقوب الرسول "فَلاَ يَظُنَّ ذَلِكَ الإِنْسَانُ أَنَّهُ يَنَالُ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ. رَجُلٌ ذُو رَأْيَيْنِ هُوَ مُتَقَلْقِلٌ في جَمِيعِ طُرُقِهِ" (يع 1: 7، 8). بينما يقول القديس بولس الرسول "مُتَحَيِّرِينَ، لَكِنْ غَيْرَ يَائِسِينَ" (2كو4: 8). يقصد بـ"ذو رأيين" أن قلبه منقسم بين محبة الله ومحبة العالم، ولكن هذا لا يعني مطلقًا أن من كان له رأيين في أي موضوع أنه إنسان سيئ، فقد قال هذه الآية عندما كان يتكلم عن أن من يريد اقتناء الحكمة فليطلب من الله، أي أنه متحير وأمامه اختيار بين أمرين؛ فيحتاج لإرشاد من الله. كيف يقول بعدها إن من هو ذو رأيين متقلقل في جميع طرقه!! يقصد بالرأيين، هدفين -وليس فكرتين- أي له حب للعالم وحب لله وهو متقلقل بينهما. فهذا لا ينال شيئًا من الله الذي يريد أن يرشده بينما هو لا يسمع لصوته ويزوغ قلبه بعيدًا عنه. كلما يحاول الله أن يرشده يجده لا يسمع له بل ينحاز إلى شهوات قلبه أو ميوله الشخصية... هذا هو الذي يطلق عليه ذو رأيين.. منقسم داخليًا بين محبة الله ومحبة العالم. أما كون الشخص متحيرًا بين اختيارين في موضوع لا يعرف أيهما يختار، فهذا أمر طبيعي وغير خاطئ. أما مَن قد أرشده الله وعرَّفه صوته وأخذ ردًا منه بطريقة واضحة فلماذا بعدها يغير رأيه؟.. هذا هو المتقلقل في طرقه. أي من الممكن أن "ذو رأيين" تعني الذي يغير ما قد أرشده إليه الله بصوت واضح جدًا، وعزم على تنفيذه، إلى جانب أنها تعني المتقلقل بين حب الله والعالم.

فلنمسك به

 لذلك ينصحنا الآباء القديسون قائلين: إذا احتار أحد في موضوع يصلي ثلاث دفعات متساوية (ثلاثة قداسات أو ثلاثة أيام، أو ثلاث صلوات من الأجبية أو ثلاث مرات الصلاة الربانية إن لم يكن هناك وقت على الإطلاق...) والاختيار الذي يرتاح له ويشعر بسلام داخلي بعد الصلوة الثالثة يكون هو صوت ربنا، ومهما حدث لا يغيره؛ لأنه عندما يسمع صوت الله سوف يشوش الشيطان على الإرسال، فبمجرد أن يأخذ من الله أمرًا فليمسك به.

ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.

حياة العشرة مع ربنا في الرهبنة

عظات رهبانية كتب الأنبا بيشوي

نذور الرهبنة

---