“قَدِّسُوا صَوْمًا. نَادُوا بِاعْتِكَافٍ” (يؤ2: 15) فلماذا هذا الاعتكاف؟ ولماذا خرج الآباء إلى البرية، في المغائر وشقوق الأرض؟ ذلك لأنه في البرية، في الصحراء لا يرى الإنسان أمامه سوى الرمال. وماذا في الرمال لكي تشتهيه العين؟! يجلس في مغارة في شقوق الأرض. فماذا يشتهى في جدرانها؟! ليست الجدران سوى جزء من الجبل. حتى المزروعات لا توجد في البرية أمام عينيه.. كأن العالم غير موجود! لهذا قال الآباء: [إن مجرد نظر القفر يبطل في النفس أوجاع الشهوة الردية].
في فترة الصوم المقدس؛ كان الآباء القديسون في الأديرة يأخذون كل واحد منهم كتبه وبعض الخبز الجاف، ويخرج الأب إلى الصحراء؛ إلى البرية الداخلية، لكي يقضى الأربعين المقدسة سائحًا في البرية، لا ينظر أحدًا من الرهبان، ولا ينظر شيئًا من أمور العالم، ولا يعود إلاّ يوم جمعة ختام الصوم، ليشترك في الأيام التالية في صلوات البصخة المقدسة.
وهذا مكتوب في سيرة القديس زوسيما القس عندما تقابل مع القديسة مريم المصرية التي صارت سائحة بعد أن عاشت في البرية زمانًا طويلًا.. كانت مقابلتهما أثناء خلوته في أيام الأربعين المقدسة، وهذا كان بترتيب من عناية الله لنعرف سيرة هذه القديسة التائبة.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
لذلك في فترة الصوم الانقطاعى إن استطاع الإنسان أن يغلق على نفسه؛ يدخل مخدعه ويغلق بابه ويقدّم صلواته ذبيحة حب يشتَّمها الله رائحة رضى وسرور؛ فهذا هو الصوم والاعتكاف.
لكن إن كان أحد يتجول في الشوارع بلا داعٍ؛ لن يستفيد شيئًا من صومه. كلما أُتيحت لك فرصة ووجدت وقتًا لتعتكف فيه، اغتنم هذه الفرصة ولا تضيّعها، على الأقل تعتكف يوم أجازتك الأسبوعية، إن لم تستطع أن تعتكف في باقي الأيام لسبب العمل وضرورة المعيشة. وبالنسبة لربة المنزل من الممكن أن تعتكف في منزلها بدلًا من أن تنشغل بإعداد الكثير من الأطعمة، ويكفي عمل صنف واحد في وقت قليل لتتفرغ وتعتكف باقي اليوم. لأنه كيف يكون هذا صومًا أمام أصناف كثيرة متنوعة من الأطعمة؟!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/five-senses/seclusion.html
تقصير الرابط:
tak.la/q4dzw73